الخميس 25 تموز (يوليو) 2013

لعبة الكلمات المتقاطعة وبالونات هوائية (مقالان)

الخميس 25 تموز (يوليو) 2013 par علي بدوان

في جولته السادسة للمنطقة، سعى وزير الخارجية الأميركي جون كيري للإعلان عن استئناف مفاوضات التسوية «ونقول مفاوضات التسوية وليست مفاوضات السلام وإلا فنحن نخادع أنفسنا والواقع»، والسؤال المطروح: ماذا واجه جون كيري هذه المرة في زيارته ولقاءاته، وهل الأمور تُعيد إنتاج ذاتها كما في حال الزيارات الخمس الماضية، أم أن هناك شيئاً جديداً في الأجواء قد نسمعه خلال الفترة القريبة القادمة، أم نحن أمام طلاسم جديدة ولعبة كلمات متقاطعة على حد تعبير أحد المتابعين ...؟
بالفعل، البعض يقول إن نتائج ما عن جولة جون كيري قد يُعلن عنها بعد كلمة السر التي أعطاها الوزير الأميركي للجهات الرسمية الفلسطينية بسعي الولايات المتحدة لتحقيق ما بات يُعرف بـ «الجدولة والخطة الإنمائية»، والـجدولة هنا تعني «جدولة تحرير الأسرى وتجميد الاستيطان» «وليس وقف الاستيطان»، ومن الواضح أن منطق الجدولة الأميركي يستهدف بالدرجة الأولى كما أسّرَ دبلوماسي أميركي في العاصمة الأردنية (عمّان) لعضو قيادي فلسطيني في اللجنة التنفيذية للمنظمة يهدف لـ «تلافي إحراج رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وتمكينه من مواجهة الضغوط الداخلية». وكلمة السر إياها «الجدولة الخطة الإنمائية» والتي فتحت مبدئياً باب المفاوضات «الفلسطينية - الإسرائيلية» المُغلق، والتي ستسمح للوزير جون كيري بــ «إعلان استئناف عملية التسوية» وفق مصادر مختلفة في العاصمة الأردنية (عمّان) وفي رام الله مازالت كلاماً معلقاً في الهواء ودون أسانيد على أرض الواقع، فالمناخ الفلسطيني العام متشائم عند عموم القوى والفصائل وعند عموم الناس، والخشية الآن هي سيد الموقف من «فخ جديد ومناورات وأفكار غامضة وملتبسة، عنوانها «الجدولة والخطة الإنمائية» بهدف إضاعة السياسي الجوهري تحت سقف شروط نتانياهو المسبقة برفض حدود 1967 واستمرار عمليات التهويد والاستيطان».
فالفخ الجديد والمناورات المتوقعة تأتي الآن تحت عنوان الجدولة، والأهم منها ترديد مقولة «مُشكوكٍ بها أصلاً» «تلبية طموح الفلسطينيين بشكل مفصّل واستعداد أميركي صريح لبناء خطة إنمائية بأربعة مليارات دولار للضفة الغربية وقطاع غزة» تعهّد الوزير الأميركي توفيرها من خلال منح واستثمارات أميركية وأوروبية مقابل عودة الطرف الرسمي الفلسطيني لطاولة المفاوضات، أي بشكل صريح عودة لأكذوبة السلام الاقتصادي ونسيان المسألة الوطنية ووجود الإحتلال، وهو ما يُطابق تصور «الإسرائيليين» الذين يرحبون بتدفق الأموال على السلطة الفلسطينية، بل إنهم يرون في ذلك ما ينسجم مع تقديرهم للحل «الاقتصادي - الأمني».
وفوق ذلك، إن لعبة الكلمات المتقاطعة وقصة إبريق الزيت، تظهر بوضوح على ضوء ما نقلته صحيفة «هآرتس» قبل أيام قليلة عن مسؤول «إسرائيلي»، ومفاده: «في إطار التفاهمات بين جون كيري وبنيامين نتانياهو ومحمود عباس، فإن كل طرف يستطيع أن يعرض علانية تحفظاته على اقتراح جون كيري، بحيث يستطيع الفلسطينيون القول إنهم لا يوافقون على مبدأ إسرائيل دولة يهودية، وتستطيع إسرائيل القول إنها ليست على استعداد للعودة إلى حدود 1967م. ومع ذلك فإن الطرفين يكتفيان بإسماع التحفظات علانية، ثم البدء بالمفاوضات» وبالتالي نستطيع القول بأن موقف مكتب نتانياهو الأخير قبل أيام خلت حول رفض الإقرار بحدود عام 1967 جاء منسجماً مع هذه التفاهمات إن صحت فعلا!!».
فأي لعبة هذه، وأي سلوك أميركي وسيط يبتعد اليوم أكثر فأكثر عن مرجعية الشرعية الدولية وينسفها، ليضع مكالنها مرجعية جديدة عنوانها التفاهم الذي ترعاه واشنطن بين طرف «إسرائيلي» عنيد ومكابر وبين طرف فلسطيني ضعيف ومُستضعف. ومع هذا وذاك، إن الوقائع على الأرض تقول وتشي بأن جولة جون كيري المكوكية السادسة وصلت إلى طريق حرج بالرغم من الدعوة لعقد اجتماع فلسطيني «إسرائيلي» الأسبوع القادم في واشنطن، فوزير الخارجية الاميركية لم يحمل بالأصل ورقة مكتوبة، أو أفكارا أميركية ملموسة، أو حتى «إسرائيلية» تَنزِلُ عند قرارات ومرجعية الشرعية الدولية.
وبدلاً من وقف الحديث عن الوقف التام لأعمال الاستيطان والتهويد استبقت حكومة نتانياهو زيارة جون كيري السادسة وأعلنت «إصدار تراخيص لبناء «165» وحدة استيطانية جديدة في القدس المحتلة، وبناء «930» وحدة استيطانية استعمارية في مستعمرة جبل أبو غنيم بالقدس، والإعلان برفض الموافقة على مبدأ حدود 1967 لاستئناف المفاوضات مع الطرف الفلسطيني» وبهذا فجرت حكومة نتانياهو جولة كيري السادسة. في هذا السياق، ومع الإعلان عن لقاء واشنطن الأسبوع القادم، نشير إلى أن غالبية أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعموم قواها وفصائلها دعت وبعد اجتماع موسع لها عقد في رام الله يوم 17/7/2013 إلى رفض الانجرار إلى فخ المفاوضات، ومن بين اعضاء اللجنة التنفيذية عضو واحد وافق على استئناف المفاوضات. وانطلاقاً من ذلك قررت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وباعتبارها المرجعية الوطنية الفلسطينية الأعلى، قررت تشكيل لجنة من أعضائها لوضع صيغة رد مُحدد وملموس، ودعوة الإدارة الاميركية أن تأتي برد ملموس من حكومة نتانياهو حول حدود 1967 ووقف عمليات التهويد الاستيطان. ويؤمل في هذا الجانب أن تكون اللجنة الفلسطينية المشكلة بقرار من تنفيذية المنظمة لجنة جدية في عملها وأن لاتضيع في متاهات التمييع والتضييع والمراهنات كما تعودنا في الساحة الفلسطينية عند تشكيل أي لجنة لها وظيفة محددة.
في هذا المسار من حديثنا، من المهم التطرق للوضع «الإسرائيلي» الداخلي، فالاصطفافات الواضحة داخل الكنيست تشي بأن أغلبية كبيرة لا ترى بإمكانية نجاح جون كيري في نهاية المطاف، وتعتقد بأن على الدولة العبرية أن تستفيد من مناخات الفوضى بالعالم العربي خصوصاً في مصر وسوريا وأن تُقدم على المزيد من عمليات التهويد والاستيطان والتصلب بوجه الموقف الفلسطيني ورفض كل مايطالب به الفلسطينيون من وقف لعمليات الاستيطان وغير ذلك، وترى حتى إمكانية نسف حتى حل الدولتين. أما الأقلية الموجودة داخل مقاعد الكنيست وهي أقلية محدودة لا يصل عدد أعضائها عدد أصابع اليدين الاثنتين فلها موقف مغاير عبرت عنه مسؤولة ملف المفاوضات في حكومة نتانياهو الوزيرة «تسيبي ليفني» التي أشارت في مؤتمر اقتصادي عقد قبل أيام في مدينة «إيلات» جنوب فلسطين المحتلة عام 1948 إلى أن «البعض في إسرائيل يتنفس الصعداء الآن، لأن جون كيري سيترك المنطقة دون نتائج على الأرجح، فهناك غالبية في الكنيست الإسرائيلي باتوا ينعون حل الدولتين، ويؤكدون فشل التطلع لأي تسوية مع الفلسطينيين»، مشيرة في الوقت نفسه إلى استحالة «الانشغال فقط بالمواضيع الاقتصادية وتجاهل المسألة السياسية وأهمية حل الدولتين في هذا السياق، فالوقت حان لأن نتساءل عن أي دولة نحن : دولة إسرائيل اليهودية الديمقراطية؟ أم الدولة ثنائية القومية أم دولة الأبرتهايد»؟

بالونات هوائية

بالغت الكثير من المصادر الفلسطينية والعربية في احتمالات نجاح وزير الخارجية الأميركية جون كيري في جولته السادسة الأخيرة للمنطقة، وتوهمت بأن العودة لطاولة المفاوضات بين الطرفين الرسمي الفلسطيني و“الإسرائيلي” أصبحت قاب قوسين او أدنى مع سيل التسريبات التي تحدثت عن سلة إغراءات أميركية ستقدم للجانب الفلسطيني تحت عنوان (جدولة إطلاق الأسرى + وخطة إنمائية ضخمة للضفة الغربية) إضافة لجدولة قضايا العملية السياسية ووضع حلول عريضة لها ترضي الطرف الفلسطيني، وترضي بالطبع الطرف “الإسرائيلي”. وبالتالي فإن الإعلان عن نجاح جولة جون كيري السادسة للمنطقة يتوقع أن يعلن عنه ولو بعد وقت من خلال معاودة استئناف المفاوضات المباشرة، التي بقيت وما زالت تتعثّر بسبب عدم قدرة “إسرائيل” على فرض شروطها.
الكلام عن سلة الإغراءات الأميركية للطرف الفلسطيني ليس أكثر من توزيع أوهام، وكلامٍ مكرر وممجوج، سبق وأن مارسته وأطلقت مثله الإدارات الأميركية السابقة ليتمخض الجبل في كل مرة فيلِدُ فأرًا، وفأرًا مشوهًا، فيما يضيع الناس في بحر من الأوهام والسراب القاتل بينما تواصل “إسرائيل” سياساتها المعروفة بالنسبة لقضم الأرض وتهويدها تدريجيًّا.
في هذا السياق، وفي مسار الحديث عن توزيع الأوهام والمشاريع والخطط الوهمية، تفيد المعلومات المتسربة من مصادر فلسطينية واسعة الاطّلاع أن جون كيري، يقترب من التوصل إلى اتفاق مبدئي بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية (قد تكون تسريبات جس نبض للشارع الفلسطيني، أو بالونات اختبار هوائية ..؟). وأن هذا الاتفاق العتيد يرتدي طابعًا تاريخيًّا على غرار اتفاق أوسلو (لاحظوا المبالغات ..!) فهو ( حسب المصادر إياها) يَحّلُ عقدة “حقّ العودة”" كما يقضي بالسماح لبعض العائلات بجمع الشمل في الضفّة ورفح وغزة (لاحظوا تقزيم حق العودة الذي هو بالأساس جوهر القضية الفلسطينية)، وأما البقية فلها أن تختار إما التعويض وإما الهجرة.
وتضيف المصادر بأنه وفقًا للاتفاق، ستكون للقدس الشرقية إدارة مشتركة (دولية ـ فلسطينية ـ إسرائيلية) لعشر سنوات. وستعترف السلطة الفلسطينية، في المقابل، بحق “الإسرائيليين” في اختيار هويتهم بالنسبة لمدينة القدس. وعلى أن يتم نقاش مسألة تبادل الأراضي، ولا سيما في الضفّة والقدس في لجان التفاوض. وأخيرًا فإن زمن تنفيذ اليتفاق سيمتد إلى عشر سنوات (عش رجبًا ترى عجبًا..!).
ونحن هنا لسنا بصدد دحض تلك الأفكار وإثبات تهافتها وانحدارها، وابتعادها عن الواقع، وتضييعها للحق الفلسطيني، وانحيازها للطرف الصهيوني، وتقزيمها للقضية الوطنية التحررية للشعب العربي الفلسطيني، فالأفكار إياها ليست بجديدة فقد سبق وأن تم عرضها والحديث عنه عشرات المرات في مسار العملية التفاوضية الممتدة منذ العام 1991، وتحديدًا منذ انطلاقة مؤتمر مدريد في سبتمبر 1991 وقد رفض الرئيس الراحل ياسر عرفات أفكارًا متقدمة نسبيًّا عنها في مفاوضات كامب ديفيد الثانية في يوليو 2000 في الولايات المتحدة، وعندما كان الرد الفلسطيني مدويًّا بإطلاق شرارات الانتفاضة الكبرى الثانية، فدفع الرئيس ياسر عرفات حياته ثمنًا لهذا الرفض.
إن تلك الأفكار الواردة أعلاه، مرفوضة جملة وتفصيلًا، ولن ترى النور على الأرض، فالشعب الفلسطيني سيرفضها على الفور ليس من منطق الرفض الأعمى (كما قد يحلو القول للبعض من المتسرعين) بل من منطق الرفض العاقل، ومن منطق الحفاظ على الحد الأدنى من حقوقه الوطنية التي أقرتها الأسرة الأممية والشرعية الدولية بالرغم من الإجحاف التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني عند قبوله قرارات الشرعية الدولية التي صدرت تباعًا منذ نكبة فلسطيبن عام 1948، وحتى قبل النكبة.
إن الخطير في كل ذلك، أن تلك الأوهام والمشاريع الهوائية التي يجري زرعها أنه يراد منها تخدير الناس من جهة، والإيحاء بوجود حركة سياسية ودور أميركي نشط، وإعطاء الدولة العبرية الصهيونية المزيد من الوقت والزمن والمطمطة لصالح تنفيذ مشاريعها الاستيطانية وفرض المتغيرات الديمغرافية كواقع على الأرض خصوصًا بالنسبة لمنطقة القدس.
والخطير أيضًا، أن العديد من الساسة العرب ومنهم الساسة الفلسطينيين لا يدركون الآن بأن “إسرائيل” تعيش لحظات انتعاشها الكبرى جراء ما يجري في العالم العربي من فوضى قاتلة على جميع الصعد، ومن فلتان وتدمير ذاتي إن كان في مصر أو سوريا وليبيا وغيرها من البلدان، وبالتالي فإن الدولة العبرية تجد نفسها وأمام قتامة هذه الحالة العربية وتفككها غير مستعدة لتقديم ما تسميه “تنازلات” للطرف الفلسطيني أو طرف عربي بل ترى بضرورة التمسك بسياساتها المعروفة وتسويف كل الجهود السياسية وتدميرها، خصوصًا في ظل موقف أميركي منحاز بطبيعته للسياسات “الإسرائيلية”.
في هذه السياق، إن مهام كبرى تنتظر عموم فصائل العمل الوطني الفلسطيني ومنها حركة فتح بالذات لإسقاط تلك الأفكار المقدمة أميركيًّا للطرف الفلسطيني ودحرها، والسعي لإعادة بناء الحالة الفلسطينية من جديد، والسير بحق وحقيقة على طريق إنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني الذي طال واستطال وأستنزف الجهود الفلسطينية وأضاعها في غير مكانها. فمواجهة الأفكار التي تُقزّم القضية الفلسطينية لا يكون بحالة فلسطينية هابطة ومنقسمة على ذاتها بل بحالة موحدة ومتماسكة ومؤتلفة في إطار برنامج موحد يجب أن يسعى الجميع في الساحة الفلسطينية من أجل التوصل إليه، فسيف الزمن يقطع ولا يرحم أحدا.
أخيرًا، إن الإعلان عن عقد لقاء فلسطيني رسمي مع الطرف “الإسرائيلي” في واشنطن الأسبوع القادم لا يعني البتة بأن الأمور باتت على سكة سليمة هي سكة الحل، فالأمور يتوقع لها أن تعيد إنتاج حالها وكما يقول المثل الشعبي الفلسطيني (تيتي مثل مارحتي جيتي).



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 64 / 2181419

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2181419 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40