الأربعاء 24 تموز (يوليو) 2013

إيران بعد سقوط «الإخوان»

بقلم:مصطفى اللباد
الأربعاء 24 تموز (يوليو) 2013 par د. مصطفى اللبّاد

يمثل الموقف الإيراني الغامض من سقوط حكم «الإخوان المسلمين» في مصر لغزاً كبيراً للمتابعين، خصوصاً في ظل التكتم الإيراني على مواقفها من التغيير السياسي في مصر. وفيما أعلنت تركيا مواقفها بوضوح وأيدت الرئيس المعزول محمد مرسي («السفير» 15/7/2013 تركيا بعد سقوط «الإخوان المسلمين في مصر)، فقد أعطت إيران إشارات متضاربة حول مواقفها. كانت تركيا في مقدم الرابحين من «الربيع العربي»، وفي مقدم الخاسرين من سقوط شريكهم الاستراتيجي في مصر، أما إيران فلم تكن رابحة بالضرورة من «الربيع العربي»، وهي للمفارقة ليست رابحة الآن أيضاً بعد الموجة الثانية من الثورة المصرية. لم تكن جماعة «الإخوان المسلمين» شريكاً استراتيجياً لإيران مثلما كانت لتركيا، إلا أن وجود الدكتور مرسي في القصر الرئاسي كان مواتياً لمصالح إيران في مصر والمنطقة. وعلى الرغم من أن إيران ستحصد بعض المكاسب التكتيكية في سوريا وغزة من سقوط الدكتور مرسي، إلا أنها منيت في الحساب الأخير بخسائر استراتيجية وإقليمية ومعنوية تفوق بأشواط مكاسبها التكتيكية.

خسائر استراتيجية وإقليمية

1- الصدع العربي - الفارسي: تريد إيران سيادة الإسلام السياسي في المنطقة لأسباب أيديولوجية واستراتيجية في آنٍ معاً، لأن الإسلام السياسي هو أداتها الممتازة لتحييد الصدع العربي - الفارسي، الممتد لأكثر من ألف سنة خلت. صحيح أن المشتركات الحضارية بين أطراف المثلث العربي - التركي - الإيراني حاضرة، إلا أن مشروعية القيادة الإقليمية لإيران تتأثر إلى حد كبير بالاختلاف القومي، وهو ما يحسن خصوم إيران استغلاله في مواجهتها. هنا تتشابه إيران مع تركيا في الرغبة بتحييد العامل القومي العربي من معادلات القيادة الإقليمية وإحلال العامل الإسلامي مكانه؛ خصوصاً أن الغالبية السكانية والجغرافية في الشرق الأوسط ما زالت عربية. وفي هذا السياق فقد بذلت إيران جهوداً جبارة منذ انتصار ثورتها عام 1979، عبر التحالف مع حركات المقاومة الإسلامية، للوصول إلى إعادة تعريف الصراع العربي - الإسرائيلي ليصبح إسلامياً - إسرائيلياً، وهو ما يؤهل إيران وفق ذلك المقتضى إلى دور قيادي في هذا الصراع، وبالتبعية في كل المنطقة. على هذه الخلفية يعد سقوط الدكتور محمد مرسي، ضرباً للتركيبة الأيديولوجية التي تتبناها إيران في المنطقة.
2- الاحتقان الطائفي السني - الشيعي: تعد جماعة «الإخوان المسلمين» أكبر منظمة سياسية سنية في العالم، وحرصت إيران تاريخياً على نسج الروافد معها، حتى قبل أن يصل الدكتور مرسي إلى السلطة. وتعود الأهمية من المنظور الإيراني إلى القدرة النظرية لجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر على تحقيق مصالحة سنية - شيعية، خصوصاً أن الأزهر الشريف هو الراعي التاريخي لتراث التقريب بين المذاهب في العالم العربي. صحيح أن الدكتور مرسي أظهر في نهايات حكمه تشدداً طائفياً، وغض الطرف عن رطانة مذهبية ضد المسلمين الشيعة، لا تليق برئيس مصر إبان الإعلان عن قطع العلاقات مع سوريا، إلا أن الجماعة تظل مع ذلك الحليف السني الأقرب لإيران في المنطقة. وإذا لاحظنا الصعود السلفي في لبنان ودول الخليج، وتفحصنا في مشاركة السلفيين بتركيبة السلطة الجديدة في مصر، لأمكننا تخيل حجم الخسارة الإيرانية من سقوط الدكتور مرسي.
3- تحرر السعودية من الضغط الإخواني: كان النفور المتبادل بين جماعة «الإخوان المسلمين» والسعودية مناسباً لإيران، لأنه وسيلة ناجعة لحرف انتباه السعودية عن حشدها الإقليمي والإعلامي في مواجهة إيران. لذلك ارتضت إيران أن تكون «فزاعة» يستخدمها «الإخوان المسلمون» لتخويف دول الخليج، مع علمها أنهم غير جادين بالضرورة في إعادة العلاقات معها. الآن وبعد سقوط مرسي، وتقدم السعودية ودول الخليج العربية لمد يد العون المالي للتركيبة السياسية الجديدة، فقد أصبح النفور بين حكومتي الطرفين المصري والسعودي أمراً من الماضي.
4- عودة «محور الاعتدال»: ربحت إيران صراع المحاور، «الممانعة» في مقابل «الاعتدال» بالعراق وسوريا ولبنان وغزة، واستمر ذلك الأمر قائماً حتى بزوغ «الربيع العربي» 2010-2011. تمثلت النتيجة المباشرة لما يسمى «الربيع العربي» على الاصطفافات الإقليمية وقتها في ضعضعة «محور الاعتدال»، عبر انتقال مصر إلى محور جديد تركي - مصري - قطري، الأمر الذي أفقد السعودية ودول الخليج العربية ثقلاً في مواجهة إيران. الآن ومع التغيير في مصر، يبدو «محور الاعتدال» وقد تلقى دفعة جديدة، وهي نتيجة غير سارة لإيران.

خسائر معنوية

5- سقوط سردية «الصحوة الإسلامية»: اعتمدت إيران مصطلح «الصحوة الإسلامية» كمرادف لمصطلح «الربيع العربي»، واستمرت في تبني ذلك المصطلح؛ بالرغم من أن الحركات الشعبية التي تصدت للتظاهر وإسقاط النظم الديكتاتورية في مصر وتونس لا يمكن حسبانها على تيار الإسلام السياسي. ولترسيخ سردية «الصحوة الإسلامية» في الأذهان؛ فقد عين مرشد الجمهورية الإيرانية مستشاره على ولايتي، رئيساً لهيئة تتولى التنسيق مع الحركات الشبابية والإسلامية في دول «الربيع العربي». يمثل سقوط مرسي سقوطاً لهذه السردية، وهو ما يضعف الترسانة الأيديولوجية والمعنوية لإيران في مواجهة «الربيع العربي» ومراحله المختلفة.
6- غياب البدائل بعد مرسي: طورت إيران عبر عقود طويلة قواسم مشتركة مع جماعة «الإخوان المسلمين»، ورأت فيهم شريكاً أنسب لها من الجيش وجهاز دولة مبارك والسلفيين والأحزاب الليبرالية واليسارية المصرية. وفي عصر «الإخوان المسلمين» اقتربت إيران من إعادة العلاقات الديبلوماسية الكاملة مع مصر، فيما لا تبدو التركيبة السياسية الجديدة في مصر مواتية لإيران.

مكاسب تكتيكية

1- الأزمة السورية: كان انخراط الدكتور مرسي في الأزمة السورية مزعجاً لإيران، حتى باقتراحه تشكيل لجنة رباعية للنظر في الملف السوري تضم القوى الإقليمية الأربع: مصر وإيران والسعودية وتركيا. وقتذاك وافقت إيران على قيام اللجنة رغم كونها أقلية واضحة فيها لثلاثة أسباب: الأول تخفيف الضغط الإقليمي والدولي عليها، والثاني تحسين العلاقات الثنائية مع مصر تحت ستار عمل اللجنة، والثالث لتفريغ اللجنة من مضمونها الأساسي عبر محاولة توسيع العضوية فيها بضم دول أخرى مثل العراق ولبنان. وجاءت النجدة لإيران - من حيث لم تحتسب - مع امتناع السعودية عن المشاركة في اجتماعات اللجنة، ما جعلها تذبل وتنزوي بمرور الوقت. ثم عاد موقف جماعة «الإخوان المسلمين» ليتغير تغيراً ملموساً، مع قطع الدكتور مرسي للعلاقات مع سوريا وإعلانه الجهاد لتحريرها وتنديده بتدخل «حزب الله» في معارك القصير. ويعني سقوط الدكتور مرسي في هذا السياق لإيران خلاصاً من إزعاج في الشأن السوري، على الأقل لحين استتباب الوضع الجديد في مصر.
2- إضعاف حركة «حماس»: أزعج إيران ذلك التحالف الوثيق لجماعة «الإخوان المسلمين» مع فرعها الفلسطيني حركة «حماس»، بعد أن سحب الأخيرة من محور «الممانعة» وأدخلها إلى «المحور الإخواني». تعد «حماس» ذات فائدة مزدوجة لإيران: استراتيجية عبر الإطلالة على جنوب دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومعنوية كي لا يدمغ المحور الذي تقوده إيران بصفة طائفية رائقة. وبالتالي سيجعل سقوط الدكتور مرسي وجماعته، حركة «حماس» في ورطة قد تجبرها على العودة للأحضان الإيرانية مرة أخرى.
3- الضغط المرحلي على إدارة أوباما: ما زالت إيران تتواجه مع إدارة أوباما حول ملفها النووي، ومن شأن سقوط مرسي أن يوجه ضربة للتشكيلة الإقليمية التي فضلتها إدارته للمنطقة، عبر تنويع محاورها الثلاثة (محور تركيا والإخوان وقطر، ومحور السعودية ودول الخليج، ومحور إيران والعراق وسوريا ولبنان). سيضطر أوباما إلى التركيز أكثر على الأوضاع المصرية الجديدة لضمان مصالح أميركا فيها، ما سيخفف نسبياً من الضغط على إيران في ملفها النووي.

الخلاصة

تبدو مكاسب إيران من سقوط جماعة «الإخوان المسلمين» وممثلها في قصر الرئاسة الدكتور محمد مرسي ذات طابع وقتي وتكتيكي، في مقابل خسائرها الاستراتيجية والإقليمية والمعنوية الأكبر، وهو ما يفسر التضارب في المواقف الإيرانية من الموجة الثانية من الثورة المصرية، إذ ندد بعض المسؤولين بـ«الإنقلاب العسكري»، فيما لمّح وزير خارجيتها علي أكبر صالحي بالقبول به. وبالرغم من ذلك تعرف إيران، القارئة بهدوء للتطورات الإقليمية على العكس من تركيا، أن حكم جماعة «الإخوان المسلمين» قد أصبح أمراً من الماضي، على الأقل في السنوات القليلة المقبلة. وتعرف إيران أيضاً أن إعادة العلاقات معها، لن تكون على جدول الأعمال المصري في ضوء التركيبة الجديدة في مصر (الجيش ونظام مبارك والسلفيون والقوى الديموقراطية والثورية)، وبالأخص المكونات الثلاثة الأولى فيها. هنا تكمن معضلة إيران في إدارتها لعلاقتها المستقبلية مع مصر، إذ لا يتبقى أمام طهران سوى الانفتاح على القوى الديموقراطية والثورية المصرية لتحجيم خسائرها. ولكن ما دامت إيران متمسكة بسرديتها المفضلة «الصحوة الإسلامية» لوصف «الربيع العربي»، ستظل طهران عاجزة عن الوصول إلى قواسم مشتركة مع هذه القوى، ما سيكرس بمرور الوقت، خسارتها الاستراتيجية والإقليمية والمعنوية جراء التغيير في مصر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 69 / 2181907

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2181907 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40