الثلاثاء 23 تموز (يوليو) 2013

خيارات “الإخوان” المتاحة

الثلاثاء 23 تموز (يوليو) 2013 par ناجي صادق شراب

منذ وصول “الإخوان” إلى الحكم في مصر، كتبت أكثر من مقالة حول علاقة “الإخوان” بالسياسة، واستراتيجيتهم في إعادة بناء الدولة المصرية، أكدت فيها أن هدف “الإخوان” هو تثبيت الحكم الذي فازوا به بفضل الثورة، واللجوء إلى كل الوسائل لتثبيت هذا الحكم بما فيها توظيف القوة بكل أشكالها، ومنها القوة العسكرية، وأن استراتيجيتهم لتحقيق هذا الهدف تقوم على السيطرة على كل مفاصل الدولة وتحويل مؤسساتها إلى مؤسسات تابعة لمكتب الإرشاد . وهذا ما حدث بالفعل منذ اليوم الأول لتولي الرئيس مرسي الرئاسة التي تحولت بدورها إلى مكتب تابع للإرشاد تطبيقاً لمبدأ أساس يحكم الفكر الإخواني، وهو مبدأ الإمعية والتبعية المتدرجة، بمعنى الولاء والتبعية أو الإمعية لمن يعلو في المنصب، فالدكتور مرسي لم يخرج عن هذه القاعدة، وتبعيته وولاؤه ليسا للشعب الذي جاء به إلى السلطة، بل للمرشد، وهذا هو الخطأ الأول والكبير الذي وقع فيه “الإخوان”، حيث إنهم لم يحاولوا أن يفصلوا بين الدكتور مرسي كرئيس لمصر بكل مدلولاتها الحضارية والتاريخية والبشرية التي بالتأكيد هي أكبر من أن يستوعبها أي تنظيم، وبين كونه قيادياً في التنظيم . والخطأ الثاني الذي وقعوا فيه، أنهم أرادوا أن يختزلوا مصر عبر الرئاسة في صورة التنظيم . والخطأ الثالث والجسيم الذي وقعوا فيه أهم، إذ جاؤوا إلى الحكم في بيئة سياسية غير بيئتهم، فالذي أوصلهم إلى الحكم ثورة يناير، والأصوات الشعبية منحها الشعب المصري لهم لعلهم يقدمون نموذجاً للحكم يتناسب ومكانة مصر التاريخية، فلم يستوعبوا أن مصر ما قبل الثورة ليست هي مصر بعد الثورة، وأن معطيات وفواعل كثيرة برزت، وأن منظومة القيم التي حبست المواطن المصري في بوتقة الخوف لم تعد قائمة، وأن هذا المواطن قد تحرر من الخوف، وبات يشعر بأنه واحد ممن فجّروا الثورة . ولم يدرك “الإخوان” طبيعة ودور الشريحة الشبابية التي تشكل قوة الدفع الذاتية لأي تغيير في مصر، ولأي تجدد ثوري . كل هذه المعطيات والتحولات لم يدركها “الإخوان” الذين عصبوا عيونهم عنها، ومضوا في طريق بناء الأمة المصرية بمفهومهم الإسلامي، وصمّوا آذانهم عن كل الوعود التي قطعوها على أنفسهم مع قيام الثورة في بناء مصر التوافقية التي هي ملك لجميع أبنائها، وفي سبيل ذلك لم يدخروا جهداً في اللجوء لكل الأساليب الميكيافيلية في الحكم . واقتربت مصر بسبب هذه السياسة إلى ما يسمى بالدولة الفاشلة، واختلاق دائرة مفرغة من الأزمات التي هدفها إغراق المواطن المصري في هموم الحياة اليومية، بدلاً من التفكير الجاد في كيفية تحقيق أهداف الثورة التي حلت محلها أهداف الحركة، ولو استفاد “الإخوان” من تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا، وتجربة الجزائر، ما وصلت الأمور بهم إلى خسارة الحكم والسلطة . وهذه ليست مجرد خسارة بسيطة للحكم، ولا تتم عبر تطبيق مبدأ الديمقراطية في تداول السلطة، ولو كان الأمر كذلك ما خسروا السلطة، ولكن خروجهم من الحكم والسلطة له معنى واحد وهو استحالة، أو الفشل المطلق في تحقيق هدف الحركة في الحكم، وهو الهدف الذي انتظروه أكثر من ثمانين عاماً . ومن ثم ليس من السهل التسليم بهذه الخسارة التي ترقى من منظورهم إلى خسارة الحركة لوجودها وبقائها . هذا الاعتقاد يضع الحركة أمام تساؤل كبير، وهو كيف يمكن التصرف أمام استبعادهم من الحكم بفعل ثورة تصحيحية مدعومة بفعل عسكري؟

الخيارات المتاحة أمام الحركة ليست كبيرة، وهي محدودة، وكلها تنبع وتتحدد من منطلقات فكرية وأيديولوجية تحكم الفكر الإخواني . وعليه وقبل الولوج في هذه الخيارات من المفيد لها العودة للفكر الإسلامي الصحيح من دون الدخول في تفاصيل الفكر الإخواني، الذي يعود بجذوره إلى العهد العباسي حيث وصل العباسيون إلى الحكم عن طريق اللجوء للقوة بكل تنوعاتها وأشكالها، وفي سبيل هذا الهدف لا مانع من الاعتماد على قدر من التكيف والمرونة، والتعامل حتى مع القوى المعادية .

إذاً، الخيارات كما أشرت ليست كثيرة وتنحصر في خيار اللجوء إلى العنف على غرار ما حدث في الجزائر، ورغم أن هذا الخيار يتوافق والفكر الإخواني إلا أنه خيار مكلف كثيراً، خصوصاً في الحالة المصرية الجديدة بكل معطياتها، وهو قد يكون مستبعداً لأنه سيكلف الحركة ما تبقى لها من وجود، ولذلك فإن التفسير العقلاني يستبعد هذا الخيار في المستقبل، وقد يقود إلى حالة انشقاقات داخل الحركة كما بدأت تظهر بعض ملامحها حفاظاً على الحركة . والخيار الثاني هو التسليم بالأمر الواقع إدراكاً منهم أن الأمور لن تعود للوراء، وأن النموذج الفنزويلي لا ينطبق على الحالة المصرية، وأن الرهان على التدخل العسكري بعيد، وبالتالي لا يبقى أمامهم إلا المحافظة على ما تبقى لهم، ومحاولة إعادة تقييم أخطاء حكمهم، والعودة من جديد لتقوية قاعدتهم المجتمعية، وهذا ليس مستبعداً واحتمالاته قائمة لكنها تتوقف على تحكيم العقل، وإدراك أنه من المستحيل عودة “الإخوان” للرئاسة من جديد في ظل المحددات الداخلية التي أوجدتها الثورة المصرية في صورتها الأم، أو التصحيحية . أما الخيار الثالث، فهو الاستمرار في التصعيد والاحتشاد في الميادين، وهذا خيار ليس مجدياً كثيراً، ويرتبط بعامل الزمن .

هذه هي الخيارات المتاحة، وأفضلها للحركة في اعتقادي العودة إلى المشاركة السياسية، وإعادة هيكلة بنائها، وترتيب أولوياتها إدراكاً أن مصر قد تغيرت، وإذا أريد للحركة أن تستمر عليها أن تتغير بما يتوافق ويستجيب لهذا التغير، ومن دون ذلك ستصبح الحركة خارج المكون المصري الكلي، وستخرج من اللعبة الخاسر الوحيد .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 63 / 2165668

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165668 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010