السبت 20 تموز (يوليو) 2013

مصر التي في القلب

السبت 20 تموز (يوليو) 2013 par د. عبد العزيز المقالح

لكل قطر عربي، صغيراً كان هذا القطر أو كبيراً، دورة في حياة أمته الممتدة من المحيط إلى الخليج، ولكن لبعض هذه الأقطار، ومنها مصر، مكانة خاصة في قلوب كل العرب لا تحتاج إلى إقرار أو إثبات . ومصر لم تأخذ هذه المكانة لأنها الأكثر عدداً في السكان، أو لأنها تحتل موقع القلب في جغرافيا الوطن العربي، وإنما لدورها الكبير في مسيرة النهوض الفكري والثقافي، ولتزعمها منذ وقت مبكر مقاومة الاحتلال الأجنبي والتبصير المستمر بأخطاره، يضاف إلى ذلك أنه ما من مثقف عربي إلاّ وقد نهل من ماء نيلها الفكري والعلمي الكثير، سواء كان ذلك مباشرة عن طريق الدراسة في مدارسها وجامعاتها أو عن طريق قراءة ما أنتجه مفكروها ومبدعوها، فقد كان صوت مصر ابتداءً من منتصف القرن التاسع عشر حاضراً في الوجدان العربي تتردد أصداؤه في أجزاء الوطن العربي شرقاً وغرباً .

وبما أن لمصر كل هذا الدور، وكل هذه المكانة، فإن الأحداث التي مرت، وتمرّ بها لابد أن تكون موضع اهتمام من كل عربي، ومصدر متابعة لحظية . وقد تمحورت هذه الاهتمامات أكثر فأكثر منذ تفجر ثورة 25 يناير ،2011 وحتى الآن، وكانت مصدر أحاديث وكتابات لا تنتهي، ولم يكن ذلك الاهتمام محصوراً في أوساط المثقفين والساسة والأنظمة الحاكمة فحسب؛ بل وصل إلى المواطن العادي في المدينة والريف . ومنذ شهور قليلة، كنت في ضيافة إحدى القرى البعيدة نسبياً عن العاصمة صنعاء، وفي مناخ ريفي خالص فأدهشني أن مصر كانت محور أحاديثنا أثناء تناول طعام الغداء، وفي الاجتماع الذي يعقبه عادة ويسمى “المقيل” ويتحول إلى ندوة تلقائية يشارك فيها الجميع ويتداخل فيها الرأي والرأي الآخر بحرية مطلقة وبساطة لا تخلو من عمق في التحليل، وفي وضع النقاط على الحروف .

وأتذكر أن أبرز معالم ذلك الحوار الريفي كان يدور حول الخلاف الذي بدأ يشتد بين قيادة الإخوان المسلمين الحاكمة في مصر من جهة، وبقية الأطراف السياسية المعارضة من جهة ثانية، وإلى أين سيقود مصر في النهاية . وكانت الأغلبية من الحضور وقطاع كبير من المثقفين في اليمن ينظرون إلى تجربة استلام التيار الإسلامي حكم مصر بكثير من الأمل وكثير من القلق . كثير من الأمل في أن ينجح هذا التيار الذي ظل معزولاً ومحارباً على مدى عقود من الزمن في إيجاد نموذج يقتدى به وأن يأخذ على الأقل بالتجربة الإسلامية الجديدة في تركيا التي قفزت بذلك البلد الإسلامي أشواطاً في الاقتصاد والسياسة، وأوصلت تركيا في وقت قصير إلى مصاف الدول المتقدمة . وقد قيل إن النظام التركي الحاكم عرض تجربته على قيادة الإخوان في مصر قبل أن يتولوا الحكم وبعد أن تولوه .

وقيل كذلك إن النظام الإسلامي في إيران عرض على إخوان مصر تجربته، وهي تختلف كثيراً عن التجربة التركية، لكن يبدو - كما أثبتت الوقائع المتلاحقة - أن التيار الإسلامي في مصر اختار أن تكون له تجربته الخاصة التي لم يكتب لها النجاح وانتهت بعد عام واحد . ولعل ما كان ولايزال يشغل الأغلبية الشعبية في الوطن العربي وفي مصر ذاتها ليس من يحكم، بل كيف تبقى لمصر مكانتها وأن تظل في الصدارة بدورها العربي والإفريقي والإسلامي والعالمي . وفي الأيام الأخيرة كانت أيدي العرب جميعاً على قلوبهم خشية انزلاق الشعب الذي وحّده النيل عبر آلاف السنين إلى حالة من الانقسام الحاد تؤدي إلى ما تردد في وسائل الإعلام الأجنبية إلى حرب أهلية، علماً بأن مصر ليست الكونغو ولا الصومال، وهي قادرة بقياداتها وحكمائها أن تلملم صفوف أبنائها وتبدأ بهم جميعاً رحلتها الظافرة الجديدة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165831

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165831 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010