الأربعاء 17 تموز (يوليو) 2013

أي شرعية بعد اختطاف الدولة؟

الأربعاء 17 تموز (يوليو) 2013 par عاطف الغمري

في ليلة رحيله عن المشهد السياسى، تعلق الرئيس السابق محمد مرسى، بحبل مهترئ، كان لابد أن يهوي به، وهو لا يدري، حين راح يردد في آخر خطاب له، كلمة الشرعية 48 مرة، وأنه باق لأن الشرعية معه .

كان يوجه رسالة مستفزة للمصريين، فلم يحمل خطابه شيئاً محدداً، يبشر بالأمل،، للشعب الذي أوصله - في ظروف ثورة لم تكتمل - إلى مقعد الحكم .

إن الشرعية، هي محتوى ومضمون، وليست مجرد كلمة تقال . وهي ليست صكاً أبدياً للبقاء في الحكم، حتى ولا إلى نهاية الفترة الرئاسية . وأذكر أن صحيفة نيويورك تايمز، نشرت افتتاحية لها عام ،1996 علقت فيها على تصريح للرئيس كلينتون، اعتبرته مخالفاً للقانون،، حتى ولو جاء ما نطق به عفوياً، من دون أن يدري هو ذلك . وقالت: إن

الشعب اختار الرئيس ليحقق له مطالب وأهدافاً محددة، وإذا أخفق أو أخطأ، فمن حق الشعب أن يزيحه من مقعده، ويأتي بغيره .

وبخلاف محتوى ومضمون الشرعية، فإن لها دلالات رمزية، أولها وأهمها، شعور الرئيس بأنه آمن وسط شعبه . ولن أنسى مشهداً وقع في فيينا، نشرته صحف العالم، وكان رئيس جمهورية النمسا خارجاً من قصر الرئاسة، راكبا دراجة، متجهاً إلى بيته القريب من القصر . والمارة من أفراد الشعب يرونه راكباً دراجته وكأنهم يشهدون منظراً عادياً لا يثير الانتباه .

وفي المقابل، رأينا مشهدين متناقضين لمحمد مرسي، أولهما عند ذهابه إلى ميدان التحرير، في أول يوم لتقلده السلطة، وهو يفتح صدره، متباهياً بعدم ارتدائه قميصاً واقياً من الرصاص، لأنه آمن وسط شعبه . ومضت شهور قليلة، وبدأ مرسي يهرب من مقر الرئاسة إلى آخر، خوفاً من غضب متصاعد للجماهير التي كانت قد أعطته صوتها انتهى به الحال، إلى أنه كان يصلي الجمعة، والحراس يحيطونه من كل جانب داخل المسجد، وهم في حالة تأهب أمني . فأين كانت الشرعية؟! .

إن شرعية أي رئيس تتأكد من وجود ما يسمى بالرضا العام عن أدائه . وهو ما تؤكده القاعدة القانونية، بأن الشعب هو المصدر للسلطات، يوم خرج في ثورته يوم 25 يناير 2011 .

ولم يكن هناك خلاف على أن ثورة 25 يناير لم تكتمل . وبالتالي فنحن مازلنا في مرحلة انتقالية . ولم نبلغ بعد مرحلة الاستقرار السياسي والدستورى . وهي مرحلة لابد لها من التوافق بين مختلف القوى السياسية، وعدم انفراد فريق دون الآخرين بوضع قواعد الانتقال إلى مرحلة الاستقرار السياسي والدستوري . وفي هذه الحالة، تعتبر التوافقية ركنا لا غنى عنه من أركان الديمقراطية .

إن التصويت للرئيس كان مقترنا بتفويض، أقسم هو على الوفاء به، بأن يحقق أهداف الثورة . وعندها يكون قد انتقل من وضع الاختيار بالصندوق، إلى إحرازه شرعية الحكم .

* فما الذي فعله بقسمه وعهده للناس؟ .

- لم يفعل محمد مرسي شيئا من أجل حقوق شهداء ومصابي الثورة . بل توالت عمليات قتل المزيد من شباب الثورة .

- وعمد مرسي إلى إقصاء الشباب الذين أطلقوا شرارة الثورة . وكان لهم الفضل في وصوله هو وجماعته إلى الحكم .

- كما عمل على إقصاء الناشطين من النخبة، الذين كانت لهم مواقف علنية ضد النظام السابق، وكانت مواقفهم من أسباب تحفيز الجماهير للخروج في 25 يناير .

- أخونة الدولة، بزرع أعضاء الجماعة في مختلف مستويات المناصب والوظائف، في عملية سطو على الدولة . وثبت أن الغالبية الساحقة منهم منعدمو الكفاءة، فتراكمت المشاكل وتفاقمت .

- صدور تصريحات عن قادة الإخوان، تعادي هوية الدولة المصرية، وتحاول أن تضفي عليها سمات غريبة عنها .

ثم جاء الخطاب الأخير لمرسي، تحريضاً، مصطبغاً بلون الدم، ليطوي صفحة شرعيته الافتراضية نهائياً .

إن ثورة 25 يناير لم تكن من فعل فصيل انفرد بها، ولم تكن تعبيراً عن عقيدة تنظيمية لهذا الفصيل، الذي لحق بها بعد نجاحها . لكن كان التنوع الفريد للذين اجتمعوا معا في الميدان طوال الثمانية عشر يوما الأولى، هو التعبير عن روحها وهويتها . ولهذا فإن ما جرى من استئثار فصيل واحد بها ودفعه للبعد في اتجاه يعبر عنه وحده، ويطبق أفكاره، هو عملية اختطاف للثورة، وهو ما أثبته المسار الذي سار فيه البلد تحت حكمهم، من أول يوم، وحتى إرغام مرسي على ترك السلطة . وكانت التدابير التي جرت من البداية، بدفع عملية وضع الدستور إلى مرتبة متأخرة في ترتيب الأولويات، لتأتي قبلها الانتخابات، مدفوعة بتقديراتهم للفوز في الانتخابات، قبل أن تستكمل بقية القوى السياسية تنظيم نفسها .

إن طبيعة وظروف المرحلة الانتقالية كانت تهيئ كل الفرص لهذا الاختطاف . ففي أعقاب الثورات والتحولات التاريخية الكبرى، تحدث حالة تسمى فوضى ما بعد الثورة . عندئذ تندفع أطراف في المشهد للقفز على الوضع القائم، واختطافه قبل أن تكون الثورة قد استكملت أهدافها وفرضت أجندتها، وذلك طبقا لنظرية في علم دراسة الثورات، تعرف بنظرية اختطاف الثمرة قبل نضجها .

وهو ما حدث بالفعل في مصر . لقد اختطفوا الثورة قبل نضجها، وتسلطوا على الدولة، بحسابات تخص جماعة، ولا تخص دولة أو تعبر عنها، وقادوها بطريقة سيئة تدنت بجميع قطاعاتها، حتى كادت تصل إلى حافة الهاوية، لولا أن الله سلم، وخرج المصريون بأعداد قدرتها دوائر عالمية بثلاثين مليونا . وكان خروجهم من أجل استعادة مصر من مختطفيها، في الثلاثين من يونيو ،2013 اليوم الذي توجت أحداثه بإنهاء نظام دخيل على مصر .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 61 / 2165586

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165586 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010