السبت 13 تموز (يوليو) 2013

لمن القرار في المرحلة الانتقالية؟

السبت 13 تموز (يوليو) 2013 par د. عصام نعمان

ثمة قبول عام، مصرياً وعربياً ودولياً، بأن شعب مصر بأغلبيته الساحقة سحب ثقته بمحمد مرسي و”حكم الإخوان”، وأن القيادة العامة للقوات المسلحة ترجمت إرادة الشعب ببيانها الصادر في 3 يوليو/ تموز 2013 القاضي بتعطيل الدستور بشكل مؤقت، وتسمية رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور رئيساً مؤقتاً للجمهورية، وتخويله صلاحية إصدار إعلانات دستورية، وتشكيل حكومة كفاءات للإشراف على الانتخابات البرلمانية، ولجنة لمراجعة التعديلات المقترحة على الدستور .

الرئيس المؤقت عدلي منصور أصدر إعلاناً دستورياً ليل الاثنين الماضي قضى بإجراء انتخابات برلمانية خلال ستة أشهر، والدعوة إلى انتخابات رئاسية خلال شهرين من تاريخ انتخاب مجلس النواب . وفي اليوم التالي، عيّن منصور وزير المال الأسبق في حكومة عصام شرف الدكتور حازم الببلاوي رئيساً لوزراء الحكومة الانتقالية، والمدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي نائباً للرئيس للشؤون الخارجية .

الإعلان الدستوري كما القرار بتعيين الببلاوي والبرادعي قوبلا بتحفظات وانتقادات من قوى المعارضة الشعبية المعادية لمرسي و”حكم الإخوان” .

زعيم حزب النور السلفي يونس مخيون رحب بتعيين الببلاوي، لكنه تحفظ على تعيين البرادعي، كما اعترض على الإعلان الدستوري بدعوى أن حزبه يرفض أن تكون اللجنة المنوط بها تعديل الدستور معيّنة من رئيس الجمهورية وغير منتخبة من الشعب، مشدداً على ضرورة اختيار اللجنة عن طريق مجلس النواب المنتخب . مخيون اعترض أيضاً على الطريقة التي جاء بها الإعلان الدستوري من حيث إعطاء رئيس الجمهورية الحق في إجراء تعديلات بنسبة مئة في المئة، الأمر الذي يشكّل “افتراء على الشرعية ومنحة من الحاكم لا نقبلها” .

حركة “تمرد” التي تقف وراء الاحتجاجات الشعبية الضخمة التي أطاحت مرسي، أبدت تحفظات على الإعلان الدستوري . الناطق باسمها محمود بدر قال إنه سيقدم اعتراضاته إلى الرئيس منصور، وأن البرادعي بالتعاون مع منى ذو الفقار وبعض الدستوريين يعدّون التعديلات المطلوب إدخالها على الإعلان الدستوري . كما أكد الحرص على إنجاح المرحلة الانتقالية حتى الانتهاء من تأليف الحكومة لمباشرة العمل سريعاً على رفع المعاناة عن المواطنين البسطاء من دون الإخلال بمبادئ الثورة وأهدافها .

تردد أيضاً أن لقادة جبهة الإنقاذ تحفظاتهم على الإعلان الدستوري .

تطرح الاعتراضات والتحفظات سالفة الذكر أسئلة سياسية وإجرائية: من هو صاحب القرار الفعلي خلال المرحلة الانتقالية؟ هل هو الرئيس منصور؟ أو هو منصور بالتشاور مع رئيس الوزراء والوزراء؟ هل هو الرئيس بالتشاور مع قادة حركات المعارضة الشعبية التي نجحت في إطاحة مرسي و”إخوانه”؟ أو هو القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح السيسي؟

من الواضح أن الرئيس منصور مَدين سياسياً للمعارضة الشعبية في اختياره رئيساً للجمهورية خلال المرحلة الانتقالية، وللفريق السيسي إجرائياً بترجمة إرادة شعب مصر إلى قرار نافذ يشكّل الأساس الدستوري للحكم الجديد الذي خَلَف “حكم الإخوان” . لذلك ينتظر قادة المعارضة الشعبية، كما الفريق السيسي، من الرئيس منصور أن يشاورهم في القضايا والقرارات الرئيسة التي تصدر عنه . غير أن تحفظات بعض قادة المعارضة تشير إلى أن منصور لم يشاورها في بعض الأمور المتعلقة بمضمون الإعلان الدستوري، كما بتعيين كلٍ من الببلاوي والبرادعي، فهل شاور السيسي؟

وحدةُ قوى المعارضة الشعبية كان لها الأثر الرئيس في حمل القيادة العامة للقوات المسلحة على الانحياز إلى أغلبية شعب مصر التي طالبت بإزاحة مرسي و”حكم الإخوان” . وبمقدار ما يحرص قادة المعارضة على وحدة الصف والتنسيق في ما بينهم، يؤثرون بفعالية في الرئيس منصور كما في القيادة العامة للقوات المسلحة . أما إذا أظهر قادة المعارضة الشعبية اختلافاتهم وخلافاتهم بشأن أهداف المرحلة الانتقالية وإجراءاتها، فإن منصور سيضطر إلى التشاور مع الفريق السيسي والأخذ برأيه .

من المعلوم أن المعارضة الشعبية تنطوي على تعددية واضحة، وأنها مكّونة من تيارين رئيسين، الأول عروبي ويساري وليبرالي، والثاني إسلامي بطابع سلفي غالب . لذلك من المنتظر أن تنشأ اختلافات بين قوى التيارين الرئيسين، وأن تنعكس تالياً على رئيس الجمهورية المؤقت وعلى القيادة العامة للقوات المسلحة . والمعوّل أنه في حال الاختلاف فإن دور القيادة العامة للقوات السملحة في المرحلة الانتقالية يصبح أكبر وأفعل .

إلى ذلك، تسعى قوى خارجية نافذة إلى التأثير في أركان الحكم الانتقالي وفي مكّونات المعارضة الشعبية . فالولايات المتحدة تمارس سياسة مدروسة بأهدافٍ ثلاثة: الاعتراف بالحكم الجديد وبدور القوات المسلحة في تظهيره، ودعوة الجيش إلى توفير الأمن والاستقرار وعدم الانغماس في السياسة وتركها لأهلها، ودعوة الحكم الجديد إلى الانفتاح على الإخوان المسلمين وإشراكهم كما غيرهم في الحكومة الجديدة .

الاتحاد الأوروبي أعلن أن إزاحة مرسي لا تشكّل انقلاباً عسكرياً وأبدى استعداداً للتعاون مع الحكم الجديد .

دول الخليج، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة والسعودية، قدّمت للحكم الجديد مساعدات مالية تربو على ثمانية مليارات دولار أمريكي .

روسيا والصين أبدتا ارتياحاً لإزاحة “حكم الإخوان”، وحذرتا من تدخلات خارجية قد تؤدي إلى حرب أهلية .

إيران تحفظت على “طريقة” إزاحة مرسي، لكنها أظهرت انفتاحاً على الحكم الجديد .

“إسرائيل” لم تحزن على زوال “حكم الإخوان” لكونه يؤدي إلى إضعاف حركة “حماس” في قطاع غزة .

غني عن البيان أن ما تتخذه القوى الخارجية من مواقف غالباً ما يكون له منظور استراتيجي، فالولايات المتحدة يهمها أن يبقى الجيش متماسكاً ليؤمّن لمصر الاستقرار بما في ذلك احترام معاهدة “السلام” المعقودة مع “إسرائيل” .

أياً كانت أهداف القوى الخارجية من وراء دعم الحكم الجديد أو ذمّه، فإن القوى الوطنية الحية في مصر مدعوة إلى اغتنام ثورة شعب مصر العظيم على “حكم الإخوان” الاستبدادي من أجل العمل على إقامة دولة مدنية ديمقراطية تحترم الأديان جميعاً، وتستلهم الإسلام في قيمه ومثله العليا، وترسي قواعد حكم القانون والمواطنة والعدالة والتنمية والإبداع الحضاري .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165367

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165367 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010