الخميس 11 تموز (يوليو) 2013

مقترحات جون كيري وطريقها المتعثر

الخميس 11 تموز (يوليو) 2013 par علي بدوان

هناك عملية مقايضة أميركية سيئة وغير أخلاقية تجري محاولات لتسويقها مع الطرف الفلسطيني المفاوض وبتغطية عربية، وبالتالي لجذب الطرف الفلسطيني إلى طاولة المفاوضات بـ(الخاتم والطابع والاشتراطات الصهيونية) كاملةً مع تنازل عربي جديد عنوانه تعديل “مبادرة السلام العربية” والهبوط بها لمستوى أدنى مما هي عليه أصلًا من هبوط.

الإدارة الأميركية التي تحاول أن تُطلق مواقفها بثوب آخر وجديد، والإيحاء بوجود مُتغيّر حقيقي في الموقف الأميركي (وهو مُتغيّر مفقود) تقوم عمليًّا “ببيع الأوهام” للجانبين الفلسطيني العربي، عندما تُصوّر تحركها الراهن بأنه يستهدف فتح مسار سياسي جاد وجديد في المنطقة وعلى جبهة المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية”. فالوقائع تشير إلى أن لا جديد على الإطلاق في الموقف الأميركي على مستوياته الرسمية العليا، وأن كل ما يجري لا يعدو عن كونه إعادة إنتاج للمواقف الأميركية التقليدية المعروفة إزاء قضايا المفاوضات بين الطرف الفلسطيني ممثلًا بفريق رام الله والطرف الصهيوني.
ومن سوء الحظ أن الاشتراطات “الإسرائيلية” المشار إليها أعلاه (يهودية الدولة والالتفاف على مسألة الاستيطان) جوبهت بموقف عربي منخفض المستوى ومتراجع، من خلال تقديم التنازل العربي الأخير المتعلق بإمكانية إجراء تبادل أراضٍ، وتعديل ما يسمى بـ(مبادرة السلام العربية) والهبوط بها أكثر فأكثر باتجاه الاستجابة لكل المطالب والاشتراطات الصهيونية الأميركية.
إن الجميع في الساحة الفلسطينية، على إدراك تام بأن الكيان الصهيوني بذل جهودًا كبيرة طوال السنوات التي انقضت من عمر مسيرة التسوية السياسية، ومن عمر العملية التفاوضية من أجل إقرار مقايضة وتبادل الأراضي وصولًا لمحاولة تكريس الوقائع التي نشأت على الأرض والإبقاء على ما هو قائم من مستعمرات كبرى في محيط القدس ومناطق جبال الخليل ومرتفعات جبال نابلس وحول رام الله والاحتفاظ بشريط غور الأردن، مع إمكانية التخلص من بعض المناطق ذات الكثافة السكانية العربية الفلسطينية داخل حدود العام 1948.
في هذا السياق، وبالتوازي مع التنازل العربي الخطير والوارد أعلاه، لم تهدأ حركة الدبلوماسية الأميركية التي تجري من أجل إعادة إطلاق العملية التفاوضية بعد ضمان القبول الفلسطيني بالإشتراطات “الإسرائيلية” المعلنة، وفرض إملاءات جديدة على الفلسطينيين أسوأ من سابقاتها.
فقد حاول جون كيري وزير الخارجية الأميركية بزياراته الستة للمنطقة تمرير سلة (تفاهمات) بين الطرفين الاثنين (الفلسطيني في رام الله، والإسرائيلي) تقوم على “تجميد (وليس وقف) غير معلن لعطاءات وأعمال الاستيطان والتهويد لفترة زمنية معينة مقابل وقف أي خطوات من السلطة الفلسطينية لدخول منظمات الأمم المتحدة، كالمحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، ومجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، والانضمام لمجموعة الدول الموقعة على اتفاقية جنيف الأربعة”. بمعنى أن هناك عملية مقايضة أميركية سيئة وغير أخلاقية تجري محاولات لتسويقها مع الطرف الفلسطيني المفاوض وبتغطية عربية، وبالتالي لجذب الطرف الفلسطيني إلى طاولة المفاوضات بـ(الخاتم والطابع والاشتراطات الصهيونية) كاملةً مع تنازل عربي جديد عنوانه تعديل “مبادرة السلام العربية”، والهبوط بها لمستوى أدنى مما هي عليه أصلًا من هبوط.
وعلى ضوء ما سبق، يتوقع للجهود الأميركية الجارية أن تعطي نتائج محدودة قد تكون من ثمارها عودة الطرفين المعنيين إلى طاولة المفاوضات (الفلسطيني والطرف الصهيوني) في واشنطن، أو العاصمة الأردنية عمَّان أو في أي مكان آخر، بما في ذلك بين القدس ورام الله، لكن هذه العودة لن تكون ذات معنى في ظل المعادلات السياسية والتفاوضية المُختلة التي ما زالت إلى الآن تَحكُمُ مسار العملية السياسية التي ترعاها وتقودها الولايات المتحدة الأميركية منذ مؤتمر مدريد في أيلول ـ سبتمبر عام 1991. لذلك يتوقع للأمور أن تسير باتجاه إعادة إنتاج حالها كما كان في المفاوضات التي عقدت قبل عامين من الزمن في العاصمة الأردنية عمَّان، تارة تحت عنوان مفاوضات التقريب، وتارة تحت عنوان مُضحك هو “المفاوضات الاستكشافية”.
وعليه، إن الموقف الفلسطيني الوطني يفترض به أن ينطق من الوعي المدروس لما يجري من محاولات أميركية لإحياء عملية سياسية ماتت منذ زمن طويل، ومن محاولات لفرض إملاءات وشروط جديدة على الفلسطينيين والعرب. فما دامت ركائز السياسية الأميركية على ما هي عليه فلا إمكانية للقول بحدوث متغيرات حقيقية على صعيد الدور الأميركي في المنطقة.
وفي هذا السياق إن الرد الوطني الفلسطيني لا يكون بالسباحة مرة جديدة في بحر تلك الأوهام الأميركية، بل في المراهنة على عوامل القوة الفلسطينية وضرورة تفعيلها وفي المقدمة منها إعادة بناء الوحدة الوطنية الحقيقية، والمساعدة في إنجاح الجهود التي تبذل حاليًا بين حركتي حماس وفتح من أجل تشكيل حكومة توافق وطني برئاسة محمود عباس طبقًا لإعلان الدوحة الفلسطيني الصادر في شباط ـ فبراير 2012، وقد عقد اجتماع مهم على هذا الصعيد أواسط أيار ـ مايو 2013 في القاهرة بين وفدي حركتي حماس وفتح وتم فيه الاتفاق على السير بخطوات سريعة من أجل إنجاح عملية المصالحة وإنهاء الانقسام. وتشكيل حكومة التوافق الوطني لمدة ثلاثة شهور يجري خلالها التوافق على الانتخابات التشريعية والرئاسية.
فقد آن الأوان لإزاحة كابوس الانقسام، وتداعياته الزاحفة كل يوم، وإسدال الستار عليه، وفتح الطريق أمام إحداث تغيير ذي معنى، نوعي وحقيقي في البيت الفلسطيني، وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، باعتباره مشروع تحرر وطنيا لشعب نصفه تحت الاحتلال ونصفه الآخر في الشتات في البلدان المحيطة بفلسطين (دول الطوق) وفي باقي بلدان المعمورة، والكف عن المراهنات على العملية التفاوضية وعلى الدور الأميركي، والخروج من نفق الأوهام الذي طالما ساهم بتمزيق البيت الفلسطيني.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2177926

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2177926 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40