الخميس 11 تموز (يوليو) 2013

أمريكا بند في خريطة الطريق

الخميس 11 تموز (يوليو) 2013 par جميل مطر

لن نصل فى مصر إلى مصالحة وطنية ونهاية سعيدة للمرحلة الانتقالية إلا إذا تحرر السياسيون المصريون والجهاديون، الأنصار منهم والمعارضون، من عقدة الحاجة المستمرة لإرضاء أمريكا والخوف المرضي من غضبها .

قضينا أياماً غالية، بالدماء التي أريقت والأرواح التي أزهقت والوقت الذي بدد . قضينا أياماً نتمرد ونثور ونعدّ بيانات ونحشد القوات والناس ونراقب الحشود المتجمعة في ميادين العاصمة والمدن الأخرى، نصورها ونقارن بين الصور . كانت معنا، وهزتنا حتى الأعماق مشاعر الشعوب في كل مكان، بخاصة الشعوب العربية، وكانت رسالتها واضحة وتوقيتها رائعاً .

جاءت تبلغنا أن “ثورتكم أيها المصريون مستمرة كما كنا نأمل، وسنقف معكم لوقف نزيف الكرامة والحرية والاستقلال الذي تتعرض له ثوراتنا كافة” .

هزتنا حتى الأعماق قوة المشاعر وصدق المؤازرة، فزادت قامتنا علوّاً وتضاعفت حماستنا، واستعدنا ثقتنا بالقدرة على التغيير بأعمال ثورية في حال تعطلت قدراتنا الدستورية . عشنا لحظات رائعة ونحن نرى الوطن يتفتق عن إبداع جديد . ومع ذلك، وفي وسط تلك اللحظات الرائعة، كانت عيون وآذان كثيرة ترصد بتوجس وشكوك تصريحات وأفعال فريق ثالث في مكان بعيد، ترصدها في عواصم الغرب وبخاصة في واشنطن . كثيرون بين المبتهجين والغاضبين انشغلوا عن أفراحهم وأتراحهم برصد مواقف الولايات المتحدة والرسائل الفاضحة التي لم تتوقف قناة CNN عن بثها في لحظات حاسمة .

آن لهذه الحالة من الارتهان أن تنتهي . لا ننكر أو نتجاهل حقيقة أن قوى السيطرة والهيمنة العالمية غيرت أساليبها . هذه القوى لا تمارس الاحتلال المباشر لفرض التبعية المطلقة ولا تبعث بأساطيلها ومدافعها لدك الحصون وإجبار الحكام على توقيع وثيقة خضوع، وخنوع، ولا تحاصر قصور السلطة لإجبار المسؤولين على تغيير عقيدتهم الاقتصادية فيغلقون المصانع أو يستبدلون زراعات بزراعات أخرى .

هي الآن تحاصر الفرد فهو الهدف وليس الدولة . تضغط عليه بأساليب مبتكرة فتتنصت على اتصالاته لتسيطر على مكامن حياته الشخصية من أسرار وأفكار وطموحات، وإن تمرد أحد عملائها أو استيقظ ضميره وهاله ما فعله بغيره من بني البشر الآمنين في بيوتهم انقضت عليه حكومة دولة عظمى وأجهزة أمنها، مثلما تفعل مع المجرمين العتاة أو الإرهابيين القتلة . هكذا تعاملت مع الشاب إدوارد سنودين . لم تراع مكانة إيفو موراليس رئيس بوليفيا ولا حرمة طائرته ولا اعتبارات القانون الدولي، فطاردته في أجواء عدد من الدول الأوروبية حتى حطّ بطائرته مرغماً في النمسا مقراً أمام العالم بأسره بأن القوى الدولية المتسلطة لم تعجز عن ابتكار أساليب حديثة لممارسة الهيمنة والطغيان على الشعوب والحكام الأضعف .

نحن أيضاً، متمردين كنا أم ثواراً أم مجاهدين أم دعاة ومبشرين أم مواطنين أثرياء وفقراء وعسكريين ومدنيين، نقر ونعترف بأن مصر تعيش منذ ثلاثين أو أربعين عاماً دولة مرتهنة لدى الولايات المتحدة الأمريكية . أكثرنا، وبيننا من يصدر أصواتاً ثورية ويتصرف تصرفات غاضبة ويضيق بحال بلده المتدهور، وقد يشكو من وضع التبعية والانكسار، وبيننا من استسلم فتوقف عن الشكوى وامتنع عن الغضب، هذا وذاك يتعامل مع الهيمنة الأمريكية على مصر باعتبارها قدراً محتوماً وعنصراً ثابتاً كالنيل والصحراء وغيرهما من العناصر التي تشكل أصالة مصر وديمومتها، عناصر لا يسعى أو يحلم الإنسان المصري بتغييرها .

أشك في أن أحداً من المسؤولين فكّر خلال العقود الأخيرة، أو يفكر الآن، في ضرورة إدخال تغيير على العلاقة المصرية الأمريكية . أشك في أن أحداً قدر له أن يحمل هذه الأيام عبء التخطيط لنهضة مصر ومستقبلها سوف يخطر على باله أن يضع علاقتنا بالولايات المتحدة بنداً أو محطة أو قمة منحنى في خريطة طريق يجري حالياً رسمها .

أتساءل، إن كان، حقاً، جائزاً لقادة أو نخبة حاكمة رسم خطة قصيرة أو طويلة الأمد تهدف إلى وضع الأسس لدولة متحضرة ومستقلة ومنتجة، بينما تجد نفسها مقيدة الحركة والإرادة بنصوص معاهدة دولية، ومرتهنة بشروط واقع تفرضه معونة سنوية منتظمة، ومكبلة تكبيلاً لا يرقى الي إحكامه الشك في خرائط وقواعد كافية في حد ذاتها لهتك أواصر الرابطة التي ربطت لآلاف السنين شبه جزيرة سيناء بالوطن الأم . مصر عاشت مقيدة أربعين عاماً في علاقة شاذة مع دولة عظمى قبل أن تنشب ثورة شعارها الكرامة، كرامة الوطن وكرامة المواطن، وها هي تنطلق بكل النوايا الطيبة لترسم معالم طريق تقدمها، فاذا بها تجد نفسها مكبلة .

هل ترسم وهي مكبلة فتكون النتيجة خريطة لأربعين عاماً أخرى لاتختلف عن الأربعين عاما الماضية؟ أو تقرر أن يكون فك القيود وتحريرالإرادة بنداً أساسياً من بنود بناء هذا المستقبل؟

من حق هذا الشعب الذي قاسى الأمرين أن يعرف أن المحصلة النهائية للسياسة الخارجية الامريكية في باكستان وأفغانستان والعراق وتونس وسوريا وفلسطين واليمن على امتداد العشرين عاماً الأخيرة كانت بكل الحسابات والمعايير كارثية بالنسبة إلى شعوب هذه الدول . هذا الشعب من حقه أن يطلب من قادته الجدد وقادة الولايات المتحدة تقديم كشف حساب عما جنته شعوب الدول التي خضعت لتجارب أمريكية لإقامة أنظمة حكم تلتزم مناهج ما أطلقت عليه الإسلام السياسي، وشعوب خضعت لتجارب أخرى في الاقتصاد والهندسة الاجتماعية . من حقه أيضاً أن يطالب قادته والقادة الأمريكيين بأن يعيدوا النظر في العلاقة الأمريكية - المصرية والتفاوض لإقامة علاقة مختلفة على أسس تضمن احترام كرامة مصر والمصريين .

لن تهدأ أزمتنا الراهنة أو تجد حلاً لها طالما استمرت القوى السياسية ترفض مناقشة كافة الآثار المترتبة على ممارسة هذا النمط من العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، وطالما استمرت ترفض أي فكرة أو نداء يدعو إلى إزالة صفات الديمومة والقدسية والاستثنائية عن هذه العلاقة .

أتمنى أن يسفر عن خريطة الطريق ما يضمن للمصريين عدم تكرار المشهد المؤذي للكرامة والوطنية المصرية، مشهد مسرح العرائس حيث احتشدت أجهزة في واشنطن خلال الأسبوعين الأخيرين ممسكة بخيوط تحاول بواسطتها تحريك دمي في مصر، ونشطت دمى في مصر تستعجل التحريك .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2166041

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2166041 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010