الخميس 4 تموز (يوليو) 2013

الشباب بين مرحلتين

الخميس 4 تموز (يوليو) 2013 par منير شفيق

بداية يحسن إبداء ميزة لحركات الشباب والشابات في المرحلة الراهنة من الكفاح الشعبي، سواء كان في مصر أم في فلسطين أم في البلاد العربية، وربما على مستوى إسلامي وعالمي كذلك، عن حركات الشباب والشابات في المراحل السابقة بصورة عامّة.
طبعاً ثمة مشتركات كثيرة في ما بين حركات الشباب في مختلف المراحل، مثلاً الشجاعة، رفض المساومة، المبدئية، صفاء الذهن، الاستعداد للتضحية، وعدم التفكير في المستقبل الفردي، وأكاد أضيف الحكمة وصوابية اتخاذ القرار، بالرغم من أنّ البعض يعتبر هاتين السمتين الأخيرتين من صفات الكهول والشيوخ وأصحاب التجربة، لكنه في الغالب ليس كذلك، لأن الميل للمساومة والتفكير في تعليم الأولاد والبحث عن تأمين المستقبل، فضلاً عن تعاظم المطامح الذاتية لامتلاك المال أو النفوذ أو الجاه أو المناصب، كل ذلك يشغب على امتلاك الحكمة واتخاذ القرار الصائب. فهذان أقرب منالاً عند الشباب المتحرر من المساومة والمهادنة والمطامح الخاصة وأعباء العائلة.
الميزة التي يتمتع بها شباب اليوم وشاباته تتّسم بالخروج على ما هو قائم من أحزاب وأشكال نضال وقيادات، ومن ثم البحث المستقل عن إطلاق شعارات وتحديد أهداف والإجابة عن أسئلة للتحديات، كما ابتداع طرق وأساليب في التواصل والممارسة والتعبير والتحريض. وذلك على غير ما كان الحال بالنسبة إلى الشباب والشابات أيام زمان، فقد كانوا يجدون كل ذلك جاهزاً معدّاً من قبل أحزاب قديمة أو جديدة أنشأها الصف الثاني من الأجيال السابقة، ومن ثم ما كان على الشباب والشابات إلاّ اختيار الحزب الذي يقتنعون به ليجدوا أنفسهم أمام أفكار وأهداف وتنظيم وأشكال نضال جاهزة، وبعضها جديد وليس بالضرورة نتاج مرحلة قديمة، ولكنه يكون قد جُهِّز من قِبَل الحزب.
أمّا الإبداع هنا فيأتي من الروح الشبابية وما تحمله من اندفاع ومبادرات ضمن الإطار المرسوم سابقاً، وإذا تمرّد البعض وخرج من تلك الأطر فقد كان عليه أن يتقدّم بإطار مشابه من حيث النهج العام، فيفتحه لانخراط الشباب والشابات فيه حيث ينتظمون في خلية أو حلقة ليتربوا على أساس فكر ذلك الإطار الجديد وأهدافه وما أمكن من أساليب نضال. ومن هنا يصبحون القوّة الأمامية الصدامية المبدعة، أمّا اليوم فيلحظ أنّ الشباب والشابات يجدون أنفسهم خارج الأطر الحزبية أو الفصائلية ومن ثم عليهم هم أن يفكروا بتقويم الوضع، وما يتطلبه من شعارات، ومن أشكال نضال، وهذا ما تعكسه مواقفهم على الإنترنت، وما يدور بينهم من حوارات ونقاشات، فليس هنالك من مرجعية أو قيادة تجمعهم أو تؤطرهم. وقد ساعدت وسائل الاتصال الحديثة على دعم هذه الظاهرة إن لم تكن سبباً من أسباب تشكّل سمتها على هذه الصورة. ولكن بالتأكيد ثمة أسباب تتعلق بالوضع الذي تكون قد آلت إليه الأحزاب والتنظيمات والفصائل القائمة، والفاعلة في الحياة العامة معارضة، أو مقاومة، أو دعوية، أو نضالية. طبعاً ليسوا جميعاً سواء، فما بينها تفاوت.
هذه المآلات التي وصلت إليها الأحزاب والتنظيمات والفصائل عموماً، قد لا تكون، بالضرورة، بسبب أخطاء أو جمود، وإنّما هي في الغالب بسبب انسدادات وأزمات ناجمة عن موازين قوى وظروف ومناخات عامة داخلية وإقليمية وعالمية، ولكنها تطرح بالضرورة أسئلة للخروج من الانسداد، وهنا تأتي محاولات الشباب العفوية وما يبتدعون من مبادرات غير شائعة من قبل.
أنت الآن أمام مروحة واسعة من توجهات شبابية تُضاف إلى مروحة واسعة من توجهات شبابية دخلت الأطر القائمة وراحت تعمل من خلالها كذلك، فمن لا يتابع مواقع الشباب والشابات على الإنترنت والفيس بوك والتويتر مثلاً سيفتقر إلى كثير من المعرفة حول ما هو جارٍ من نقاشات وحوارات، كما حول ما يُترجَم، أو سوف يُترجَم غداً، من ممارسة، وقد يلعب دور الشرارة التي تُشعِل انتفاضة، أو ثورة أو تفجّر زلزالاً.
ليس من السهل على الجيل السابق (أو الأجيال السابقة) أن تُجاري الجيل الجديد حين يتقدم بأطر ومشاريع عمل خرجت بهذا القدر أو ذاك عن الذي تعوّدَه وأصبح تقليداً له رسوخه في العقل، ودعمته إنجازات سابقة.
فالأجيال التي عاصرت العقدين التاليين لانتهاء الحرب العالمية الثانية ولنقل الخمسينيات والستينيات لم تستطع أن تلحق بجيل الثورة الفلسطينية في السبعينيات والثمانينيات، وهذا الأخير لم يستطع أن يلحق بجيل التسعينيات والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ولكن مع ضرورة ملاحظة وجود أفراد يمكن اعتبارهم استثناءً استطاعوا أن يلحقوا بالجيل الجديد ويصبحوا في مقدمته كما لو أنّهم ما كانوا من أبناء الجيل السابق.
وهذا بالطبع ينطبق على من سبق من أجيال النصف الأول من القرن العشرين كما سينطبق على الجيل الآتي بعد عشرينيات القرن الحالي، وما ستكون سرديته وممارسته مع جيل الشباب والشابات الذين يصنعون يومنا هذا وما يليه.
في مرحلة الخمسينيات والستينيات كانت العريضة والتظاهرة والصمود في السجون والجريدة السريّة وتدريب الخلايا النشطة، وكان صوت عبد الناصر الأعلى في فضاء حركات الاستقلال والوحدة والثورة الجزائرية، وكانت الانقلابات العسكرية الوطنية والعميلة سمة المرحلة. وهذه بدورها قلّ أو ندر فيها من استطاع اللحاق بها من جيل الثلاثينيات والأربعينيات، بل ثمة أحزاب كبرى اختفت من الساحة، مثل حزب الوفد في مصر والأحزاب الوطنية التي قادت مرحلة النضال ضد الاستعمار المباشر، أو المعاهدات الاستعمارية.
وكانت مرحلة السبعينيات والثمانينيات لحركة فتح وفصائل المقاومة الفلسطينية ولليسار الجديد وتنظيمي البعث في سوريا والعراق ولحزب التحرير الجزائري وللقذافي وللدور السوفياتي والخط الصيني والثورة الفيتنامية وغيفارا.
وجاءت مرحلة التسعينيات والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين لتكون مرحلة المقاومات الإسلامية في لبنان وفلسطين والعراق وجبهة المقاومة والممانعة وحركات المعارضة الإخوانية والقومية والوطنية، ومرحلة المؤتمر القومي العربي والقومي – الإسلامي والمؤتمر العام للأحزاب العربية وللنقابات والهيئات والمؤتمرات الشعبية الكبرى للقدس والجولان وحق العودة ودعم المقاومة وأسرى الاحتلال في فلسطين والعراق، ومرحلة الانتفاضتين في فلسطين، وكانت مرحلة هزيمة مشروع نظام عالمي أحادي القطبية ومشروع الشرق الأوسط الجديد والأهم مرحلة هزيمة العدوان الصهيوني على لبنان 2006 وعلى قطاع غزة 2008/2009 عسكرياً واندلاع المقاومة العراقية ضدّ الاحتلال الأميركي والمقاومة الأفغانية ضدّ الاحتلال الأميركي، وقبل ذلك تحرير جنوبي لبنان وقطاع غزة من الاحتلال الصهيوني بلا قيد أو شرط.
أمّا اليوم فنحن مع بداية مرحلة جديدة تتمثّل ببروز دور الحركات الشبابية المنطلقة من مواقع الإنترنت والفيس بوك والتويتر أو المتشكلة على الأرض، مرحلة الثورات الشبابية الشعبية التي هبّت رياحها في البلاد العربية، مرحلة الأوضاع الانتقالية وصراعاتها ودور وسائل الإعلام في البلدان التي انتصرت فيها تلك الثورات وهي مرحلة راحت تفتح الباب واسعاً للثورات المضادة، وللانقسامات الداخلية والصراعات الطائفية والجهوية كذلك.
إنّها مرحلة جديدة للحركات الشبابية فيها دور مستجد وكبير وربما يصبح أكبر، ولهذا لا بدّ من التأني قبل تحديد ملامحها الأساسية لأنها ما زالت في بداياتها. وإن كان من الضرورة الانتباه بصورة خاصة إلى النشاط الشبابي الدائر الآن في مصر وفلسطين، وذلك لما سيكون له من أثر وفقاً لتطوره في الوضع العربي العام.
ولكن مع ما تحمله هذه المرحلة من دور للحركات الشبابية إلاّ أنّ ذلك راح يتقدّم جنباً إلى جنب مع البنادق والصواريخ المرفوعة في وجه العدو الصهيوني في فلسطين ولبنان وما قد يتشكّل من أنظمة ما بعد المراحل الانتقالية للثورات الشبابية – الشعبية المنتصرة، ولا سيما في مصر وتونس.
لهذا نحن أمام تباشير وسنوات أولى لمرحلة العقدين الثاني والثالث للقرن الواحد والعشرين، حيث ستتوارى مقولات وتبرز مقولات جديدة وأنماط من الصراع وإدارته جديدة، ومن ثم عصر جديد آخذ بالتكوّن خلال العقدين القادمين لعلّ أهم سمة فارقة له عمّا سبقه من العقود التي أشير إليها هو انحسار الهيمنة الغربية عن التحكم في النظام العالمي وامتداد ذلك إقليمياً، ومن ثم انعكاس ذلك على الكيان الصهيوني الذي دخل بدوره مرحلة الانحسار.
وفي المقابل عصر تقدّم دول كبرى عالمية جديدة مثل روسيا والصين والهند ودول إقليمية ذات أوزان ثقيلة اقتصادياً أو سياسياً أو عسكرياً مثل البرازيل وإيران وتركيا وجنوبي أفريقيا، وما قد يتشكّل من محاور جديدة وتحالفات دولية جديدة.
وأخيراً وليس آخراً يجب ألاّ يُفهم عند الحديث عن عالم لم يعد تحت السيطرة الغربية وأساساً الأميركية، كما سادت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية على مدى خمسة وستين عاماً، بأنّ أميركا وأوروبا خرجتا من الساحة وإنّما تراجعتا كثيراً وبدرجة عالية من الإرباك تحاولان أن تحافظا على وجود قوي ضمن المعادلة الجديدة لموازين القوى العالمية والإقليمية التي اتجهت لتكون في غير مصلحتهما وفي غير مصلحة الكيان الصهيوني والصهيونية العالمية.
ولعلّ هذا الفارق الأساسي بين ما سبق من عقود بعد الحرب العالمية الثانية من حيث مواقع السيطرة على النظام العالمي من جهة ومواقع السيطرة أو اللاسيطرة في الأصح، على النظام العالمي خلال مرحلة ما بعد 2010 هو الذي سيعطي زخماً أكبر للتغيير على المستوى الإقليمي والدول المتوسطة والصغرى أيّ الشباب والشعوب والدول الناهضة، لا سيما في العالم الثالث، وخصوصاً في البلدان العربية والإسلامية وفي أميركا اللاتينية وكذلك بالنسبة إلى الحركات الشبابية في بلدان الغرب من حيث أخذت تتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية نتيجة انحسار هيمنتها العالمية عسكرياً وسياسياً وواقتصادياً، ومن ثم تراجع مستوى النهب العالمي، وتعاظم دور المنافسين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 56 / 2165540

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المراقب العام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165540 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010