الأحد 30 حزيران (يونيو) 2013

حماس ومبدأ المقاومة

الأحد 30 حزيران (يونيو) 2013 par د. فايز رشيد

إن تنظيمًا يتحدث نظريًّا عن مبدأ المقاومة ويمارس عكسه على الأرض يشي: بأن هذا المبدأ إما جرى التخلي عنه نهائيًّا أو جرى تجميده لأسباب لا يعرفها غير التنظيم. ما يجري يجعلنا أميَل إلى الأخذ بالجانب الأول, فما دام الجهاد في سوريا أولى من الجهاد في فلسطين مثلما يقول القيادي في حماس,الدويك, فإن الجهاد من أجل تحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين, مؤجل إلى زمن غير مسمى!

قامت شرطة الحكومة المقالة في غزة (وهي تابعة لحركة حماس): بإطلاق النار على أحد قادة سرايا القدس, الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وهو رائد جندية وقتلته. وفقًا لبيان صدر عن الجهاد بهذا الشأن، تم إطلاق النار عليه بدمٍ بارد وأمام بيته. الحادثة تلعب دورًا في زيادة حدة الاستقطاب بين الحركتين، وقد أعلنت حركة الجهاد أنها أوقفت كافة الاتصالات مع حركة حماس. للعلم جندية موضوع على رأس قائمة الاغتيالات للاستخبارات الصهيونية, فهو مسؤول عن الوحدة الصاروخية الخاصة لسرايا القدس.
على صعيد آخر أفتى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني (المنتهية ولايته منذ 6 سنوات) عزيز الدويك بأن الجهاد في سوريا يتقدم على الجهاد في فلسطين. جاء ذلك في مقابلة معه مع صحيفة الشروق الجزائرية. في نفس المقابلة فإن الدويك يرحب “بأي تدخل خارجي لوقف نزيف الدم في سوريا, ولا مانع لديه من التقاء مصالح الدول الغربية والمسلمين”.
بدايةً، فإن المسألتين تلقيان الضوء على “مبدأ المقاومة” بالنسبة لحركة حماس. معروف أن الحركة تتمسك بهدنة طويلة الأمد مع العدو الصهيوني. ولهذا تلاحق المقاومين من كافة الفصائل الفلسطينية الأخرى غير الموافقة على الهدنة، وسبق أن قامت باعتقال نشطاء من حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية, قاموا بإطلاق (أو وهم ذاهبون لإطلاق) صواريخ على المستوطنات الصهيونية بالقرب من غزة. إن تنظيمًا يتحدث نظريًّا عن مبدأ المقاومة ويمارس عكسه على الأرض يشي: بأن هذا المبدأ إما جرى التخلي عنه نهائيًّا أو جرى تجميده لأسباب لا يعرفها غير التنظيم. ما يجري يجعلنا أميَل إلى الأخذ بالجانب الأول, فما دام الجهاد في سوريا أولى من الجهاد في فلسطين مثلما يقول القيادي في حماس,الدويك, فإن الجهاد من أجل تحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين, مؤجل إلى زمن غير مسمى!
من المؤسف كثيرا, أن حركة حماس لم تحافظ على خصوصيتها الفلسطينية في التوجه السياسي للتنظيم العام للإخوان المسلمين, والتي هي جزء أساسي منه كما أعلنت مرارًا. هذا التنظيم وصل إلى الحكم في كل من مصر وتونس, والذي يمارس رؤى جديدة في التعامل مع إسرائيل, مختلفة عمّا كان عليه إبّان وجوده في المعارضة. الإخوان في مصر كانوا يرفعون شعار “خيبر خيبر يا يهود ـ جيش محمد سوف يعود”. في هذه المرحلة يرون في الوجود الإسرائيلي مسألة واقعية، ولا مانع لديهم (بل يحرصون) على سريان اتفاقية “كامب ديفيد” مع الكيان الصهيوني، والرئيس المصري يخاطب رئيس هذا الكيان: “بالصديق العزيز”. على صعيد تونس فإن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي لا يوافق على أن يتضمن الدستور التونسي الجديد مبدأ “تجريم التطبيع”. للعلم أيضًا: فإن الغنوشي كان ضيفًا على مركز “صابان” الصهيوني في واشنطن وهو أحد أعمدة اللوبي الصهيوني في أميركا، والذي تأسس في عام 2002 وسمّي تيمنًا باسم الملياردير والإعلامي الإسرائيلي حاييم صابان. مديرة المركز هي اليهودية الصهيونية تاماراكوفمان. الغنوشي قرأ محاضرة في المركز بتاريخ الـ31 من مايو/آيار الماضي عن الجمع بين الإسلام والديمقراطية.
حركة حماس ومثلما قلنا لها خصوصية, فالشعب الفلسطيني يعيش مرحلة التحرر الوطني, ولا يعيش في دولة مستقلة: كمصر وتونس, ولذلك فإنه لا يجوز التخلي عن مبدأ المقاومة, باعتباره النهج الأساس لنيل الحقوق المغتصبة. أما إذا أرادت حماس التخلي عن هذا المبدأ فليس من حقها ملاحقة المقاومين ومعاقبتهم, إما بالسجن أو القتل، ومصادرة الحريات الشعبية وغيرها من الممارسات البعيدة كل البعد عن الديمقراطية.
من جانب ثانٍ، فإنه لا يجوز لعزيز الدويك الحديث باسم الشعب الفلسطيني لسببن: الأول: أن المجلس انتهت ولايته ومنذ مدة طويلة. الثاني: هناك قوى لها تمثيل نيابي في المجلس التشريعي كالجبهة الشعبية، موقفها من الأزمة السورية متعارض مع حركة حماس. وهناك تنظيمات فلسطينية أخرى تقف نفس موقف الشعبية, فكيف يتحدث الدويك باسم الشعب الفلسطيني عامة؟ للتذكير: حماس كانت منذ فترة قصيرة أقرب التنظيمات الفلسطينية إلى النظام والدولة السورية، وما أُعطي لها من تسهيلات في سوريا لم ينله مطلق تنظيم آخر. كان ذلك في ظل النظام السوري الحالي فكيف ينقلب حليف الأمس والنظام الصديق إلى عدو كبير؟
من الواضح للأسف: أن حركة حماس بدأت تنزلق في اتجاه الطائفية ـ المذهبية ـ البغيضة التي تحاول إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاؤهما في الدول الغربية تسعير أوارها, وتعميمها على بلدان كثيرة، سواء في العالم العربي أو المنطقة, وعلى صعيد الدول الإسلامية أيضًا.
يتحدث الدويك عن “نزف الدم في سوريا” ويتناسى: “نزف الدم” في غزة والأراضي المحتلة على يدي العدو الصهيوني. يتناسى تهويد المسجد الأقصى والاغتيالات بحق الفلسطينيين, ومصادرة أراضيهم من أجل بناء المزيد من المستوطنات, وغير ذلك من المذابح والموبقات! ألم يشكل الألف وخمسمئة شهيد والأربعة آلاف جريح فلسطيني في العدوان على غزة عامي 2008ـ2009، نزفًا للدم الفلسطيني لدى تنظيم الإخوان المسلمين في العالم العربي؟ كان من الأولى أن تنظم الجماعة “سرايا المقاومة من أجل فلسطين” وتزج بأعضائها لخوض القتال ضد العدو الصهيوني، تيمنًا بالحقبة الأفغانية عندما تداعى المجاهدون لحرب القوات السوفييتية في أفغانستان! لماذا لا يستفز, نزف الدم الفلسطيني, الإخوان المسلمين؟ سؤال يفرض نفسه تلقائيًّا عندما يسمع المرء أن الجهاد في سوريا هو أولى من الجهاد في فلسطين!!
الصلف والعنجهية الصهيونية على أشدهما في هذه المرحلة، والإسرائيليون ينعون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ويسنون القوانين العنصرية في الكنيست, ضد الفلسطينيين والعرب، ويقيمون “لوبي من أجل أرض إسرائيل التاريخية” التي تعني التمسك الإسرائيلي “بأرض إسرائيل الكبرى” وذلك لا يستفز الإخوان المسلمين. ومع ذلك يقوم الرئيس المصري بقطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا ويُبقي على سفارة إسرائيل في القاهرة. رغم ذلك يُعقد في القاهرة مؤتمر من أجل الجهاد في سوريا، ومحاربة الشيعة من أجل “كسر شوكتهم”، ألا يدعو زمننا الرديء إلى العجب؟ سؤال برسم الإجابة عليه من قبل الإخوان المسلمين ومن قبل حماس!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165402

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165402 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010