الأربعاء 26 حزيران (يونيو) 2013

لماذا استهداف الجيش في لبنان ؟

الأربعاء 26 حزيران (يونيو) 2013 par معن بشور

بعد أن أنجلى الغبار عن معركة “عبرا” أو يكاد، وبعد أن اتضح حجم الدماء التي اريقت، والدمار الذي حل، والخسائر المادية والمعنوية التي حصلت، يكتشف اللبنانيون جميعاً ان المحنة التي بدأت كلمات تحريضية صاخبة، واعتصامات فولكلورية ، واستعراضات اعلامية، تتغذى من خطاب الفتنة وتغذيه، قد انتهت مأساة دامية طالت ضباطاً وجنوداً اعزاء في الجيش، ومواطنين ابرياء حاصرهم الموت، ونهشهم القلق، وهم يتساءلون، هل يعقل ان يكون من أبناء جلدتنا ومدينتنا من يعرضنا لمثل هذه الأهوال؟ بل يسألون أيضاً إلى متى يستمر “التغرير” بشبابنا ودفعهم إلى التهلكة بشكل مجاني اليوم؟.
قد يأتي الجواب سهلاً على سؤال "لماذا جرى ما جرى؟ وفيه الكثير من التبسيط المضلّل وهو ان جماعة متشددة قتلت عسكريين لبنانيين بدم بارد لأنها تعتقد ان وجود الجيش اللبناني في عاصمة الجنوب والمقاومة يعرقل طموحها لأخذ صيدا رهينة في مشروع يستهدف لبنان كله والمقاومة على وجه الخصوص .
ولكن هذا الجواب وحده ليس كافياً بالتأكيد، فاستهداف الجيش في لبنان اكثر من مرة، وفي أكثر من منطقة، له أغراضه وأسبابه التي تتجاوز حدود لبنان بأسره، ويتصل بمشروع خطير لا يريد ان يرى جيوشاً في المنطقة لأنه لا يريد ان يرى دولاً وانتظاما عاماً في مجتمعاتها، بل يريد فوضى ودماراً وخراباً واقتتالاً مستمراً يعم هذه البلاد.
فهل ما جرى في عبرا بالأمس ضد الجيش اللبناني، وقبلها في مناطق لبنانية أخرى، بل هل ما كنا نسمعه من تصريحات تحريضية ضد الجيش تنطلق من مناطق لبنانية كانت دائماً خزان الجيش ودعامته الرئيسية (عكار والبقاع الشمالي)، مفصول تماماً عما حصل لجيوش أخرى في المنطقة.
أليس من حقنا ان نشير بأصابع الاتهام إلى الطبقة السياسية الحاكمة، بكل اجنحتها التي تعاملت ببرود، بل وبسلبية مع دعوة رئيس الجمهورية إلى تسليح الجيش بعد معركة العديسة قبل 3 اعوام؟ وأليس من حقنا ان نعتبر “برودة السياسيين” تجاه تسليح الجيش آنذاك تشجيعاً للمسلحين على التطاول عليه. وكيف يكون “العبور إلى الدولة" شعاراً نتمسك به فيما نغذي حملات عسكرية وغير عسكرية ضد العامود الفقري للدولة وهو الجيش.
وهل نستطيع ان نعزل محاولة تمزيق الجيش اللبناني، الذي كان بناؤه احد ابرز انجازات، وربما الانجاز الوحيد، لمرحلة ما بعد الطائف، عن قرارات مماثلة في المنطقة ابرزها قرار حل الجيش العراقي بعد احتلال العراق عام 2003، وهو واحد من أكبر جيوش الأمة والمنطقة واكثرها اثارة لهلع الصهاينة وخوفهم.
هل محاولة انهاك الجيش بهدف فرطه (وقد تجلت الدعوة إلى ذلك صراحة بدعوة ابناء طائفة معينة إلى الانشقاق عنه) بعيدة عما تتعرض له القوات المسلحة السورية من حرب تستهدف مقارها وثكناتها ومخازنها ومواقع الدفاع الجوي ومراكز البحث العلمي العسكري التي تعتمد عليها، بهدف انهاء جيش شكل منذ استقلال سوريا احد أعمدة التصدي والتحدي للعدو الصهيوني والمخططات والمشاريع والاحلاف الاستعمارية المرافقة لنشوء الكيان الغاصب.
ألم يكن حل الجيش السوري احد أبرز مطالب بعض الانفصاليين في سوريا عام 1962، اثر انهيار الوحدة الرائدة بين مصر وسوريا في ايلول/سبتمبر 1961، وذلك بذريعة ان حل الجيش هو الضمانة الأمثل لمنع تدخلاته في الحياة السياسية العربية.
ثم ألم تكن المطالب الامريكية الدائمة من الحكومة السورية هو إعادة هيكلة الجيش السوري للتأكد من نزع أي دور له في مواجهة العدو الصهيوني.
أما في مصر، فهل ينكر أحد ان عين أعداء، مصر والأمة، ما زالت تتركز حول الرغبة بالتخلص من جيشها العظيم (جيش عرابي وعبد الناصر واحمد عبد العزيز وعبد المنعم رياض) عبر عمليات تستهدف جنوده في سيناء أو عبر مناورات سياسية تستهدف قياداته، وعبر فوضى أمنية وسياسية تعم مصر فتغرق قواتها المسلحة فيها، وهو ما تنبه اليه وزير الدفاع المصري الفريق عبد الفتاح السيسي مؤخراً حين حذر “الجميع” من الانزلاق إلى الفوضى، تماماً كما حذرت قيادة الجيش قبل اسبوع من توريط القوات المسلحة المصرية في عمليات خارج حدودها ومهماتها الرئيسية في الدفاع عن أمن مصر القومي وذلك إثر الخطاب الشهير للرئيس محمد مرسي امام حشود من انصاره في ستاد القاهرة قبل أيام والذي حاول ان يزج الجيش في مشروعه السياسي لتأزيم الاوضاع في سوريا.
ولو دققنا في اوضاع العديد من دول المنطقة لوجدنا محاولات عديدة تستهدف النيل من الجيوش ومن وحدتها ودورها ومهماتها، الغاية الوحيدة لهذه المحاولات هي ادراكها ان الاوطان التي لا تحميها جيوشها ليست بأوطان، كما ان الجيوش التي لا تلتحم بشعوبها وتدافع عن حرية مواطنيها وكرامتهم وحقوقهم ليست بجيوش.
واذا كان العديد من ضباط الجيش العراقي وافراده، قد ردوا على قرار حل جيشهم (وهو القرار الاول لسيء الصيت بول برايمر بعد احتلال بغداد) بالانخراط في المقاومة الباسلة التي طردت جيوش الاحتلال، وتسعى اليوم إلى ازالة آثار هذا الاحتلال في شتى الميادين، واذا كان الجيش السوري قد رد على محاولات النيل منه بالمزيد من تمسكه بنهج المقاومة والسعي لاحتضان جبهة لها في الجولان المحتل، فإن رد الجيش اللبناني على كل استهداف له انما يكون بالمزيد من التمسك “بمعادلة الشعب والجيش والمقاومة” بوجه قوى خارجية ضخمة لها امتداداتها في الداخل وتسعى إلى ان يكون لبنان بلا شعب، وبلا جيش، وبلا مقاومة.
وبهذا المعنى، فالمطلوب ان تكون معركة “عبرا” درساً لنا جميعاً، فيخرج البعض من اوهامه ورهاناته التي دفعنا اثماناً غالياً بسببها، ويراجع البعض الآخر اداءه السياسي والاعلامي وربما الامني، ويصحح أخطاءً طالما استغلها الاخرون في ابشع حملة تحريض فتنوي عرفه لبنان إذ لا يكفي ان نهاجم المؤامرة بل ان نسد الذرائع امام المتآمرين أيضاً.
كان الأسى وحده يغمرنا حين يسقط لنا شهداء من الجيش والمدنيين، ولكن الآسى اليوم، على قسوته، بات مقروناً بالثقة بأن لدينا جيشاً تقوم عليه الدولة، وبأن لدينا شعباً يعرف في الملمات كيف يلتف حول جيشه المدعو اليوم أن يحصّن قوته بالتواضع، ويصون انجازه بحماية الاسس الميثاقية التي يقوم عليها لبنان، اكثر من أي وقت مضى، وان لا يراعي في مواجهة الفوضى والارهاب إلا المصلحة الوطنية العليا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 58 / 2181528

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

66 من الزوار الآن

2181528 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 65


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40