الأحد 23 حزيران (يونيو) 2013

مرسي.. والدور المصري بين سورية وفلسطين

بقلم: عبدالرحمن ناصر
الأحد 23 حزيران (يونيو) 2013

على نحو شكل مفاجاة للكثيرين، أعلن الرئيس المصري محمد مرسي عن قطع العلاقات مع سورية، وبعد التأكيد على إقفال السفارة السورية في مصر، والسفارة المصرية في دمشق، وسحب القائم بالأعمال الذي عاد حديثاً إلى العاصمة السورية، خطا مرسي خطوة إضافية، من خلال المطالبة بفرض حظر جوي على سورية، والهجوم على “حزب الله”، والتلويح بدور للجيش المصري في مساعدة ما سماها “الثورة السورية”.

المفاجأة في موقف الرئيس المصري نجمت عن سلوك مسار معاكس لما شاع لبعض الوقت؛ عن تبني الحكومة المصرية لمشاريع الحل السياسي للأزمة السورية، والحديث عن تطابق مع الرؤية الروسية، وتأييد الموقف الإيراني الذي يدعو إلى تشكيل رباعية إسلامية تضم إلى مصر، إيران والسعودية وتركيا، تعمل على دعم مبادرة للحوار والحل السياسي، وبدا أن القاهرة تترجم هذا التوجه علنياً، من خلال إرسال القائم بالأعمال المصري إلى دمشق، ومباشرته العمل من مقر السفارة المصرية في العاصمة السورية.

لا يخفى أن المراهنة على موقف مصري يلعب دوراً إيجابياً من ضمن إطار عربي أو إسلامي، للمساعدة في إيجاد حل سياسي في سورية، قد ظلت قائمة عند دول عربية وإقليمية، وحتى جماعات وقوى سياسية افترضت جميعها أن العلاقة التاريخية بين مصر وسورية من ناحية، وثقل دور مصر العربي، لا يمكن أن يبقي القاهرة تابعاً ذيلياً صغيراً في الركب الخليجي الذي يقود كتلة العدوان على سورية.

وثمة من اعتبر أيضاً أن مصر بعد التحوّلات التي شهدتها، ستكون طامحة لاستعادة دورها العربي، والسبيل إلى ذلك يتوفر من خلال تصدر وقيادة دور عربي للحل السياسي الذي يحفظ سورية ودورها.

المؤشرات المعاكسة

المراهنة المشار إليها ظلت قائمة رغم أن الرئاسة “الإخوانية” لمصر قدّمت الكثير من المؤشرات المعاكسة، وظهر جلياً منذ البداية أن الرئيس محمد مرسي وحكومته أبعد ما يكونا عن تبنّي موقف يصب في صالح استعادة الدور المصري المنشود، ولعل أبرز مضمار للمؤشرات المعاكسة تجلى في الموقف من القضية الفلسطينية والصراع العربي - الصهيوني.

أعلن مرسي التزامه بمعاهدة الصلح مع كيان الاحتلال الصهيوني، بكل الاتفاقات الموقَّعة معه، بما فيها الاتفاق الخاص بمعبر رفح، وشدد دوماً على علاقة متميزة مع الولايات المتحدة الأميركية، حتى ذهب البعض إلى القول: إن وصول مرسي إلى الرئاسة كان مشروطاً بالمحافظة على المعاهدة، وتطوير العلاقات القائمة مع الولايات المتحدة الأميركية.. وسواء أكان هذا الأمر صحيحاً أم لا، فقد جاءت الممارسة العملية متطابقة معه تماماً، وبدا التأكيد على التمسك بالمعاهدة - بمناسبة أو من دون مناسبة - مثيراً للتساؤلات في أحيان كثيرة، ولم يتحرك مرسي و“إخوانه” وحكومته للمطالبة بتعديلها، رغم ما يتعرض له الأمن الوطني المصري في سيناء، وحاجة مصر إلى وجود الجيش في تلك المنطقة، على نحو يتجاوز القيود التي تفرضها المعاهدة على القاهرة.

التمسك باتفاقية المعبر بدا مثيراً أيضاً، رغم أن مصر كانت تستطيع التصرف من منطلق السيادة المصرية، في هذه القضية تحديداً، عبر الإعلان عن اعتبار المعبر ممراً دولياً بين مصر والقطاع.

أكثر من ذلك، فقد تفننت السلطة المصرية بزعامة الرئيس مرسي في فرض حصار أمني على القطاع، فأقفلت الأنفاق لدواعٍ أمنية، والهدف من ذلك منع وصول السلاح إلى القطاع المعرَّض بشكل دائم للعدوان الصهيوني، ولم يكن موقف سلطة مرسي في أوقات العدوان مختلفاً في شيء عن الموقف التقليدي لسلطة مبارك، فعند تعرُّض غزة للعدوان تحركت القاهرة من أجل تجديد التهدئة، وتبخرت كل الكلمات التي قيلت عن أن الاحتلال لن يجرؤ على شن اعتداء على القطاع بسبب الموقف الذي سيصدر عن القاهرة.

في البداية، كان مؤيدو مرسي ومن يراهنون عليه يطلبون من الجميع إعطاء الرئيس الجديد مزيداً من الوقت، وفسّروا موقفه من كيان الاحتلال، ومن العلاقة مع أميركا بأنه موقف تكتيكي لازم حتى تستقر الأوضاع، وبعد ذلك صار مطلوباً الانتظار إلى أن ينتهي نظام مرسي من مشكلاته الداخلية، وهو بالذات من يفاقم يومياً هذه المشكلات.

بالتوازي مع هذا الموقف من القضية الفلسطينية، كان موقف نظام مرسي من الأزمة السورية ملتصقاً بالموقف الخليجي - الغربي، ورغم الجهد الكبير الذي بذلته الجمهورية الإسلامية الإيرانية من أجل دفع “الإخوان” إلى موقف متوزان يتبنى خيار الحوار والحل السياسي، فقد اختار مرسي سلوكاً مناهضاً للحل السياسي من الناحية العملية، وتميّز تعامله مع الجهد الإيراني الجاد بالخفة.

مفهوم الدور المصري

مع كل ذلك ظل هناك من يراهن على الحاكم المصري و“إخوانه”، وتحدث المراهنون دوماً عن “الدور المصري”، والحقيقة أن كل كلام عن “الدور المصري” باستثناء الحقبة الناصرية ينطوي على كثير من المبالغة.

برز الدور المشار إليه في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي كان زعيماً عربياً بكل ما للكلمة من معنى، وبهذه الصفة كانت مصر كياناً مؤثراً في محيطها وفي الإقليم والعالم، فهي قادت العمل العربي، وكانت شريكاً كبيراً في حركة عدم الانحياز؛ مؤسساً وقائداً، كما كان لها حضورها الإفريقي الكبير، حتى اعتُبرت قائدة للقارة، ومشكّلاً أساسياً لسياساتها وتوجهاتها، ورسمت حدود أمنها القومي لتطال العمق الإفريقي حتى منابع النيل، وفككت نظرية “حلف الحزام المحيط” التي وضعها بن غوريون، وكانت أفريقيا - أثيوبيا تحديداً - ركناً أساسياً فيها، لكن السياسة الناصرية نجحت في جعل القارة بمعظمها إلى جانب مصر، وسنداً للقضايا العربية.

مع انتهاء الحقبة الناصرية ومجيء السادات إلى الحكم، بدأ هذا الدور بالتراجع، وصولاً إلى إخراج مصر من الصراع العربي - الصهيوني بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، وقد شكلت الاتفاقية ذريعة لغالبية الدول الإفريقية كي تعيد علاقاتها مع كيان الاحتلال الصهيوني، ولتشرّع القارة أمام استثمارات الصهاينة ونفوذهم الاقتصادي والأمني على النحو المعروف.

وعلى مدى ثلاثين عاماً من حكم مبارك تراجع الحديث عن الدور المصري، انعكاساً لواقع الحال الفعلي، ولسنوات طويلة كان دور “الشقيق المصري الأكبر” مقتصراً على التدخل الضاغط على الفلسطينيين، في مفاوضات التسوية بين السلطة الفلسطينية وحكومات الاحتلال، ولم يعد من مجال للحديث عن دور عربي أو إسلامي أو أفريقي، وفي السنوات الأخيرة تحديداً، بدا النشاط السياسي المصري متعلقاً بمعبر رفح والحصار المفروض عليه، والتلهي بحكاية المصالحة الفلسطينية، بينما السودان، وهو يعني ما يعني لمصر، يتفكك، وتفقد مصر أي تأثير لها في أفريقيا، ناهيك عن مكانتها في الإقليم والعالم.

الدور الجديد

أسهب الرئيس المصري محمد مرسي في الحديث عن دور مصر، بالأحرى استعادة دور مصر، ومع رغبته الدائمة في الخطابة، دون امتلاك مقوماتها وأدواتها، بدا الكلام المكرر عن استعادة الدور مثيراً للسخرية، فأدوار الدول لا تستعاد من خلال التعبير عن الرغبة في استعادتها، بل من خلال العمل الفعلي والجدي المناسب للدور الجاري التطلع إليه.

هنا يمكن اعتبار السيد مرسي نموذجاً للخيبة، ففي كل مرة لاحت الفرصة المناسبة لتبدأ مصر في استعادة دورها، كان يصر على تقزيمها، ووضعها في مصاف قطر، على أبعد تقدير.

الموقف من القضية الفلسطينية هو أداة قياس هامة، وهنا فشل مرسي فشلاً ذريعاً؛ من خطابه في قمة طهران، مروراً بتمسكه المرضي بالمعاهدة، وصولاً إلى خطاب قطع العلاقات مع سورية.

كان لـ“سي” مرسي أن يستعيد دوراً لمصر من خلال تبني موقف لصالح الحل السياسي في سورية، بدل السير في ركاب قطر، والمشاركة في جريمة طرد سورية؛ العضو المؤسس لجامعة الدول العربية، من الجامعة، وكان لمرسي أن يستجيب لدعوة إيران بتحريك المبادرة الرباعية التي تمنح مصر دوراً قيادياً، وكان لمرسي أن يطرد السفير الصهيوني من القاهرة، بسبب التوسع الاستيطاني والتهويدي الهائل في القدس، وحينها سيُظهر انحيازاً لفلسطين، لا انحيازاً ضدها، ما قرره بشأن سورية هو ضد فلسطين أساساً، ومن يريد دعم فلسطين حقاً، عليه أن يحافظ على سورية، ويعمل من أجل حقن دم أبنائها، والمحافظة على وجودها، وموقعها المقاوم، وهذا كله لصالح فلسطين، تماماً كما هو لصالح مصر، لو كان مرسي يبحث فعلاً عن استعادة الدور المصري.

ما أراده الرئيس مرسي فيه الكثير من الاستعراض، لكن فيه الكثير الكثير من “العبط”، حسب تعبير الإخوة المصريين، فهو قطع العلاقات مع سورية، بينما العلم الصهيوني يرفرف في سماء القاهرة، وهو طالب بحظر جوي على سورية في الوقت الذي تحدث فيه الفرنسيون والأميركيون عن استحالة هذا الأمر دون قرار من مجلس الأمن، يصطدم واقعياً بالفيتو الروسي الصيني، وهو تحدث عن دور لجيش مصر، رد عليه الجيش بعد ساعات بأن جيش مصر لا يمارس أي دور ضد دولة شقيقة، وهو قال إنه سيطلب من الهلال الأحمر المصري دعم النازحين السوريين في تركيا والأردن، وكأنه لا يعلم بأزمات مصر، وبعد: هل هو مجرد “عبط”؟ وهل أخذ “الريّس” علماً ببيان الخارجية الأثيوبية، وبالمشروع الأوغندي؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 4 / 2176510

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2176510 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40