الأحد 23 حزيران (يونيو) 2013

لماذا ولمصلحة من “مذْهبة” مصر؟

الأحد 23 حزيران (يونيو) 2013 par علي جرادات

عموماً، تتآكل شرعية صندوق الاقتراع بغياب شرعية الإنجاز، لكن التآكل يصبح أسرع، ويصيب الشرعيتين معاً، في حال غياب الإنجاز لدى سلطة فازت بصندوق الاقتراع بعد، وباسم، وعلى كتف، ثورة أو انتفاضة شعبية . وهذا هو بالضبط جوهر أزمة، بل مأزق، سلطة “إخوان” مصر التي لم تأتِ بإنجاز ذي شأن، إن بالمعنى الوطني والقومي، أو بالمعنى الديمقراطي بشقيْه السياسي والاجتماعي، بل، وزادت طين مصر بلة بالمعاني كافة، لدرجة أن قطاعاً واسعاً من منتخبي “الإخوان” انتقل إلى معارضيهم، عدا مفارقة أن جزءاً منهم صار يترحّم على سلطة النظام السابق .

وبقدر ما يتعلق الأمر بالإنجاز على المستوى الوطني والقومي تحديداً، فإن من المنطقي أن يكون مأزق سلطة “الإخوان” في مصر أكثر تعقيداً . فمسطرة القياس هنا، إن كان عند الشعب المصري، أو عند شعوب الأمة، بعامة، مازالت ماثلة وحية في تجربة العهد الناصري بعد ثورة 23 يوليو . وللتدليل: في هذه الأيام يراقب الشعب المصري ومعه شعوب الأمة، المستجد المفاجئ في موقف الرئيس المصري من الأزمة السورية، مقارنة بموقف زعيم مصر والأمة، الراحل عبد الناصر، عندما تسامى على خطوة جناح سوري ارتد على تجربة وحدة مصر وسوريا في العام ،1961 حيث قال جملته الشهيرة والكبيرة في آن: “المهم أن تبقى سوريا”، بكل ما عناه ذلك من حرص جسّده قائد قومي ملهم، أنعشت انتفاضة 25 يناير آمال تجديد جوهر مشروعه القومي والوطني التحرري، كآمال يحبطها ما يجري، باسم هذه الانتفاضة، من تكريس، بل، وتعميق، لعقود من الارتداد على ذاك المشروع . ما يعني أنه بمعزل عن الموقف من الصراع المعقد الدائر في سوريا وعليها، ومن النظام السوري ودوره في هذا الصراع الكارثي، يصعب على المرء أن يتفهم، فما بالك أن يؤيد، ما أعلن عنه الرئيس المصري، باسم مصر الدولة، أمام حشد جماهيري واسع من أنصار “الإخوان” وحركات “إسلامية” أخرى، من مواقف تصعيدية تؤيد فرض منطقة حظر جوي في سوريا، وتدعو المصريين إلى “الجهاد” فيها، عدا قطع كل علاقة معها . هنا ثمة قضية كبيرة ومعقدة ومتعددة الأوجه . أما لماذا؟

* أولاً: مطلب فرض الحظر الجوي والتدخل العسكري الأجنبي المباشر، عموماً، ليس محط إجماع لدى أجنحة المعارضة السورية نفسها، ولا لدى ألوان الطيف الفكري والسياسي المصري، والعربي، بل، حتى حلف (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة ما زال متردداً - حتى الآن - في تنفيذ هذا الحظر خارج قرار من مجلس الأمن خشية أن يؤدي ذلك إلى إشعال حرب إقليمية ترتقي لمصاف حرب كونية بالوكالة . حرب لا تبقي ولا تذر، ويعمل محترفو الحروب، قادة “إسرائيل”، في السر والعلن، بدعم من جهات سياسية في الولايات المتحدة، في مقدمتهم “المحافظون الجدد”، على جرّ المنطقة وشعوبها والعالم إلى أتونها .

لذلك، فإن الرئيس المصري بمطالبته فرض حظر جوي في سوريا، إنما يتجاوز، بوعي أو بجهالة، حدود التحرك الأمريكي، والغربي عموماً، حيال الأزمة السورية، ما يعكس نفسه في صورة استخفاف بالدور الإقليمي لمصر الدولة، وإظهارها في صورة “الملكي أكثر من الملك”، عدا إفقادها فرصة أن تلعب دوراً في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، علماً أن مصر هذه التي باسمها يطالب رئيسها فرض هذا الحظر، هي ليست فقط الدولة العربية الأكبر، إنما هي مرآة الأمة ومعيار عافيتها، أيضاً .

* ثانياً: الدعوة إلى “الجهاد” في سوريا هي أيضاً ليست محط إجماع لدى أجنحة المعارضة السورية، ولا لدى ألوان الطيف الفكري والسياسي المصري والعربي، لأن لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بانتفاضة الشعب السوري ومطالبه المشروعة في الحرية والديمقراطية، ما يفسر مفارقة أن يصبح رفض الولوج في جحيمها نقطة تقاطع موضوعي بين النظام السوري وأجنحة المعارضة السورية الوطنية الديمقراطية بألوانها الوطنية والقومية والليبرالية واليسارية . وهذا منطقي لأن هذه الدعوة تصب في طاحونة تيار تكفيري جاهل ومتطرف، “صنعته”، وبرعت في استخدامه، مع الحرص على تجنب شروره، الولايات المتحدة ودول غربية وإقليمية أخرى، تطبيقاً لاستراتيجية “الفوضى الخلاقة”، بدعة “المحافظين الجدد” وكل من يواليهم، وفي مقدمتهم قادة “إسرائيل” . وأكثر من ذلك، فقد شكل دخول هذا التيار على خط الانتفاضة السورية تشويهاً لها، وأدى مع عسكرتها والتدخل الخارجي في شؤونها، إلى تحويلها إلى صراع على سوريا، وإلى ديناميكية جهنمية تفتك بها دولة ومجتمعاً وجيشاً ودوراً ومكانة وتاريخاً وهوية . وهو ما يتمناه، ويسعى إليه، أعداء سوريا، وفي مقدمتهم “إسرائيل” .

لذلك، فإن الرئيس المصري بتغطيته السياسية الرسمية على دعوات “الجهاد” في سوريا، إنما يتجاوز حدود ما ينطوي عليه ذلك من إظهار لمصر الدولة في صورة دولة مذهبية، وكأنها لا تأبه بما تواجهه سوريا الدولة من مخاطر التفتيت والتحول إلى دولة فاشلة بعد العراق وليبيا، من دون أن ننسى خصوصية أن سوريا مازالت دولة مواجهة، ومازال جزء من ترابها الوطني محتلاً، بل وأعلنت “إسرائيل” ضمه وغرسته، ولاتزال، بالمستوطنات والمستوطنين، عدا ما تشنه على هذا القُطْر العربي من اعتداءات هدفها تدمير ما أمكن من قدراته العسكرية النوعية، بمعزل عن اسم سلطته السياسية ولونها . رُبّ قائل: مظاهر الفتنة المذهبية قائمة في الأزمة السورية قبل خطاب الرئيس المصري . وهذا صحيح، لكن دخول “الإخوان” على خطها، كتنظيم دولي وحزب مصري حاكم، وبصورة رسمية، وعلى لسان الرئيس المصري ومستشاره للشؤون الخارجية، خالد القزاز، يعطي هذه الفتنة أبعاداً خطرة، في مقدمتها توريط مصر الدولة في مستنقعها .

* ثالثاً: مصر المشغول رئيسها وحزبها الحاكم بالدعوة إلى فرض حظر جوي في سوريا، وإلى “الجهاد” المذهبي فيها، هي ليست مصر التي كان السد العالي ينيرها، إنما التي تعيش أزمة كهرباء خانقة، وتصطف فيها يومياً طوابير هائلة على أبواب وكالات بيع الغاز، فيما لم يجرؤ رئيسها “الجديد” على وقف تصدير غازها إلى “إسرائيل” بثمن بخس . وهي التي يهرب رئيسها وحزبها الحاكم من مسؤوليات وطنية وقومية تمليها عليهم استحقاقات قضايا فلسطين المهمشة وسيناء المستباحة وسد النهضة الإثيوبي التعطيشي، ومجمل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسة المصرية الداخلية التي ستنعقد عقدتها في 30 يونيو/حزيران الحالي بحركة شعبية وسياسية ومجتمعية واسعة ترفض “أخونة” مصر وتنادي بإقالة رئيسها على طريق استعادة الانتفاضة الشعبية المصرية واستكمال مهامها وتحقيق أهدافها في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية والإنسانية . هنا تكمن مشروعية، وإجابة، سؤال: لماذا، ولمصلحة من، مذهبة مصر؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165668

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165668 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010