الجمعة 25 حزيران (يونيو) 2010

فزَّاعة التوطين .. في لبنان!

الجمعة 25 حزيران (يونيو) 2010 par د. فايز رشيد

ما كاد نوَّاب الحزب التقدمي الاشتراكي (اللقاء الديمقراطي) بزعامة وليد جنبلاط يقدِّمون إلى مجلس النواب اللبناني، مشاريع قرارات أربعة تتعلق بحقوق الفلسطينيين المدنية في لبنان.... حتى شهدنا اصطفافًا طائفيًّا في المجلس، غربيًّا ومستهجنا ومنقطع النظير.

فالنواب المسيحيون في كتلتي 8 آذار، 14 آذار (أي فيما يسمى بـ“المعارضة والموالاة”) على حدٍّ سواء، تماهوا وتناغموا في رفض المشاريع المتعلقة بعمل الفلسطينيين في لبنان، وحقهم في تملك شقة واحدة، والتأمين، والتأمين الصحي.

اصطف نواب التيار الوطني الحر ـ بزعامة الجنرال ميشال عون (المحسوبون على المعارضة) مع نواب الموالاة (الكتاتب بزعامة أمين فرنجية، والقوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، رغم الخلافات الكبيرة بين الجانبين. الذي أثار الاستغراب أيضًا هو أن النواب المسيحيين في كتلة المستقبل (بزعامة سعد الحريري) وعلى الرغم من تأييده لمشاريع قرارات كتلة جنبلاط، اصطفوا إلى جانب النواب المسيحيين الآخرين، في خروجٍ واضح على رأي رئيس كتلتهم.

هذا الأمر أدى بالزعيم وليد جنبلاط إلى التصريح، من خلال القول (كل اليمين في العالم غبي، لكنني لم أرَ أكثر غباءً من اليمين اللبناني). بعد التصريح قامت قائمة الطرف الآخر، وقد تجلت في نقاشات حادة في المجلس النيابي، وصلت حدود الشغب، الأمر الذي أدَّى برئيس المجلس نبيه بري إلى إحالة المشاريع الأربعة إلى لجان اختصاص لدراستها، ومن ثم إعادة توصياتها إلى المجلس.

ردود فعل اليمين اللبناني تجاوزت حدود المجلس إلى الهجوم الشخصي على وليد جنبلاط، فقد صرَّح سامي الجميل في مؤتمر صحفي عقده بمقر حزب الكتائب قائلًا: (إن وليد جنبلاط فقد كل الصدقية تجاه اللبنانيين وتجاه نفسه، وبالتالي لا يستحق الرد). أما نواب كتلة الجنرال عون (المحسوبون على المعارضة) فقد صرَّحوا بأن من انتظر 62 عامًا (يقصدون فلسطينيي لبنان) فإن بإمكانهم الانتظار فترة أطول.

مشكلة الفلسطينيين في لبنان، بدأت منذ سنة النكبة، فإضافة بالطبع إلى اعتبارهم لاجئين (وهي مسألة صحيحة)، مُنع عمل أي منهم في أكثر من 72 مهنة، وحرموا من حق التملك (أي امتلاك شقة أو بيت)، ومن التأمين، والتأمين الصحي.

سكنوا ولا يزالون في مخيمات معروفة، وفي ظروف سيئة، في كثير من الأحيان يجري منع دخول الاسمنت لإصلاح ما يدعى بــ(البيوت) فيها، والتي هي في أكثر الحالات غرف صغيرة بسقوف من الزينكو، لا تحمي من قر الشتاء ولا من حرِّ الصيف، وسط اكتظاظ سكاني رهيب، وطرق ضيقة لا يتجاوز عرضها مترا ونصف المتر، في منتصفها قنوات المجاري ... إلى غير ذلك من المظاهر السلبية. وعندما تُسأل الحكومة اللبنانية عن أسباب ذلك، تتذرع بالقول، منعًا للتوطين. في الوقت الذي يدرك فيه كل القادة اللبنانيين وأعضاء الحكومات السابقة واللاحقة أن كافة الفلسطينيين وكافة التنظيمات الفلسطينية، يمينها ووسطها ويسارها ترفض التوطين في لبنان، فلا بديل عن فلسطين مطلقًا، وأن الثورة قامت والتضحيات قدمت من أجل استرجاع الحقوق والأرض، وهذه في طياتها تعني: رفض التوطين رفضًا مطلقًا.

لقد أثيرت مسألة الحقوق المدنية للفلسطينيين من قبل الجهات الرسمية الفلسطينية كثيرًا مع كافة الحكومات اللبنانية دون استثناء. وفي كل مرَّة تعد هذه الحكومات بإصلاح الوضع، لكن الشيء يبقى على حاله. ولنتصور للحظة أن المخيمات الفلسطينية في لبنان وحقوق الفلسطينيين المدنية فيه، بقيت منذ النكبة على أحوالها (باستثناء دخول الماء والكهرباء)، والمنع من العمل ما زال قائمًا، رغم ما يزيد على الستة عقود على النكبة. لبنان هو البلد العربي الوحيد من بين الدول العربية الأخرى التي استضافت لاجئين فلسطينيين، والذي يمنع هؤلاء من كافة الحقوق المدنية ويكبِّلهم بسلاسل من القرارات والمحظورات والممنوعات، مما يسمح بأسئلة كثيرة:

- هل أن عمل الفلسطيني طبيبًا أو مهندسًا أو صيدلانيًّا يساعد على التوطين؟

- وهل منع الفلسطيني من امتلاك شقة سكنية له ولأولاده من أجل تأمين معيشته عندما يشيخ، وتأمين أولاده يباعده عن وطنه التاريخي، فلسطين؟

- وهل منع الفلسطيني من التأمين الصحي يقرِّبه من وطنه؟

هذه الأسئلة وأخرى كثيرة غيرها تفرض نفسها حول واقع فلسطينيي لبنان، ولعل من أبرز الحقائق التي يتجاهلها المانعون وغير الموافقين على إعطاء الفلسطينيين أدنى حقوقهم المدنية في لبنان، هي: أن فلسطينيي الشتات (باستثناء قليلين) حيثما يتواجدون، في المهاجر، بدءًا من المرحوم إدوارد سعيد وصولًا إلى أجيال أخرى تتواجد حاليًّا في شيكاغو وتشيلي وفي جنوب إفريقيا وسيبريا وغيرها من بلدان عديدة، متمسكون بانتمائهم لبلدهم ولوطنهم الفلسطيني وقوميتهم العربية، يرفضون التوطين حتى في الجنَّة الموعودة!

نحن مع ما وصف به وليد جنبلاط اليمين اللبناني وبطريقة مخففة، بالأكثر غباءً، فأطراف هذا اليمين التي تعكس توجهاتها الأيديولوجية وزيف انتمائها لوطنها وعروبتها، حقيقة استعلائيتها وعنصريتها وغطرستها وتحالفاتها السياسية المشبوهة، واصطفافاتها الإقليمية، ففي الحرب الأهلية اللبنانية المشؤومة، وفي عدوان عام 1982 على لبنان، ساومت هذه الأطراف على الثوابت المقدسة، وتحالفت مع العدو الصهيوني، واستقبلت شارون، ونثرت الرز والورود على الوفود الإسرائيلية التي لم تغادر مقراتها طيلة أيام الحرب. نحن لا نقول ذلك جزافًا واتهاما، فأجهزة الإعلام والصحف والفضائيات نشرت وثائق وصورا وتفاصيل دقيقة لهذه الاجتماعات واللقاءات، كما اعترف بعض أطرافها علنًا بهذه اللقاءات، لفضائيات عربية منذ فترة وجيزة.

هذه القوى بالطبع، لن تكون مع القضية الفلسطينية ولا مع حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وذلك تحت لافتة الفزَّاعة التي تحاول تهويلها يوميًّا، وهي التوطين.

لتقف الحكومة اللبنانية الحالية، والرئيس ميشال سليمان، ومجلس النواب اللبناني، أمام واقع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ولتعطهم هذه الأطراف بعضًا من حقوقهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2165592

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165592 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010