الأربعاء 19 حزيران (يونيو) 2013

هل ينشر حزب الله المذهب الشيعي؟

الأربعاء 19 حزيران (يونيو) 2013 par د. عبد الستار قاسم

جاء في بعض ردود الفعل على مقالي المعنون “حزب الله: الظاهرة التاريخية” والمنشور بتاريخ 16/حزيران/2013 أن حزب الله ليس مهتما بتحرير فلسطين، وهو حزب طائفي يعمل على نشر المذهب الشيعي، ولذا على أهل السنة أن يقفوا بوجهه.
قبل الخوض في هذه الجدلية أوكد أنني مسلم يؤمن أن الفرق الإسلامية أثرت سلبا على الإسلام، وفتتت المسلمين، وما زالت تفعل فعلها بالجسد الإسلامي. نحن نحمل الآن ثقل المعارك بين المسلمين من معركة الجمل إلى صفين إلى كربلاء، وبعض سفهاء الفرق الإسلامية يعملون ليل نهار من أجل زجنا في معارك استكمالية لتلك. وعلينا أن نعمل إذا كنا صادقين على إزالة كل التراكمات التاريخية التي نخرت الجسد الإسلامي.

الجدلية

إذا كان أهل السنة هم الأكثرية، بل هم الأغلبية الساحقة من المسلمين، فلماذا يخشون المد الشيعي إن كان هناك مد شيعي؟ على الرغم من أن الإحصاءات غير متوفرة إلا أن تقديري أن أعداد أهل السنة تصل إلى ما هو أكثر من مليار و300 مليون نسمة، وهم يملكون ثروات هائلة، وبإمكانهم أن يكونوا قوة عالمية يحسب لها حساب على المستوى الدولي، ولن يكون لديهم مبرر للخوف على مذهبهم أو الاكتراث لما يمكن أن يقوم به أهل الشيعة من دعاية لمذهبهم، ولن يكون لديهم مبرر أيضا للبحث عن سلام مع الصهاينة لأن سحق إسرائيل سيصبح أمرا سهلا.
وإذا كان أهل السنة متمكنين تربويا، ولديهم صلابة ثقافية وإيمان راسخ، فلا خوف من مد شيعي أو مسيحي أو بوذي أو إلحادي ولا يخشى أفكار اآخرين إلا من شك في أفكاره الوهن.
أما إذا كان حزب الله معنيا بنشر المذهب الشيعي فإنه لن يستطيع القيام بذلك بدون الوقوف بوجه إسرائيل وأمريكا. لا يستطيع حزب الله نشر المذهب الشيعي إلا إذا كان قادرا على تحقيق إنجازات ضخمة مقنعة لجمهور السنة، وتدفعهم إلى الاقتناع بأن أهل الشيعة أصحاب قوة مادية ومعنوية ومن المفروض تبني مذهبهم. ولا يبدو لي أن الحزب يمكن أن يملك قوة الإقناع هذه إلا إذا وقف في وجه أمريكا وإسرائيل، وحقق ردعا عسكريا يمكن أن ينتهي إلى انتصار على الجيش الإسرائيلي. حزب الله ليس دولة ليبرهن لنا قدرة على تحقيق التنمية أو الإنجازات العلمية الباهرة والتطوير التقني المعقد، الخ. إنه حزب جهادي ويقول إن عيونه متجهة إلى فلسطين، ولن يتمكن من إقناع السنة إلا من خلال مواجهة فاعلة مع إسرائيل.
المعنى أن نفي رغبة الحزب بمواجهة إسرائيل لا تنسجم مع فكرة أنه حزب طائفي وهدفه هو نشر المذهب الشيعي. هذه تقود إلى تلك.
وليت الذين يرون أن الحزب يعمل على نشر التشيع أن يقولوا للناس كيف، وأن ينشروا أسماء المؤسسات الشيعية التي تقوم بذلك ويمولها حزب الله. نشر التشيع يحتاج إلى مؤسسات تشييعية، على غرار المؤسسات التبشيرية المسيحية، فأين هي؟ ربما هناك أفراد شيعة يحاولون عبر وسائل خاصة التأثير على سنة، وربما هناك سنة يحاولون التأثير على شيعة، لكن هذا لا يعني أن هناك جهدا مؤسسيا يعمل باتجاه إبعاد الناس عن مذاهبهم. يأمرنا الله سبحانه وتعالى بالتبين، وعلى من يدعي أن يقدم الحجة لكي نصدقه.
هناك قنوات فضائية سنية تكيل الشتائم والسباب للشيعة، وهناك قنوات شيعية تفعل ذات الشيء ضد أهل السنة، ولا علاقة لحزب الله بأي من هذه القنوات. للحزب مواقع إليكترونية ومحطة تلفاز وإذاعة، ولم أجد في وسائله الإعلامية أي شيء مما يُقال حول برنامجه التشييعي.
ما أعرفه بالتأكيد أن هناك مئات المؤسسات الأمريكية المنتشرة في البلدان العربية السنية وتعمل على التأثير الثقافي والفكري لتحول الناس عن دينهم وتدفعهم إلى تبني التوجهات الثقافية والفكرية الأمريكية. هذه مؤسسات موجودة، وتعمل في العلن، ونحن نعرف رؤساءها ومديريها. فما رأيكم لو بدأنا حملة واسعة لتنظيف العالم الإسلامي من حركة التبشير الأمريكية، أو من الأمركة لنحمي أنفسنا؟ المعنى أن المقصود من الحملة ضد حزب الله ليس المحافظة على أهل السنة، وإنما القضاء على قوة كبيرة في مواجهة إسرائيل باستخدام الفتنة السنية الشيعية.

الخشية من قوة حزب الله

تقديري لو كان الحزب كأي حزب عربي آخر، أو كأي فصيل فلسطيني خارج المقاومة الفلسطينية لما اكترث به أحد، ولما أزعج أحدا. الحزب ليس كباقي الأحزاب التي عهدناها على الساحة العربية، ولا هو مجرد تنظيم يتلهى بالشعارات الرنانة والخطابات الفارغة، وإنما هو ظاهرة فريدة في الساحة العربية، ويعمل بمنهجية علمية وتفكير علمي وفق معايير أخلاقية واضحة. وهذا أمر ينطبق على المقاومة الفلسطينية في غزة، والتي تتكالب ضدها دول عربية كثيرة دفاعا عن إسرائيل، ولو كانت هذه المقاومة مجرد شكل وبوق فارغ لما عانى قطاع غزة من الحصار.
ولهذا لا أرى بأن هناك خشية من حزب الله كتنظيم، وإنما من قوته التي يمكن أن تصنع الحدث وتتصدر وسائل الإعلام وتنفرد في صناعة التاريخ المعاصر على الأقل في منطقة بلاد الشام. صانع التاريخ وصانع الحدث هو الذي يقود، وعلى من لا يصنعون الحدث أن يسيروا في ركب القوي، أو يقعون في حسرات تدفعهم إلى محاولات تحطيم ذلك الذي يقود. فإذا كان حزب الله لا يعمل على نشر المذهب الشيعي، ولا يتبنى برنامجا خاصا بهذا الشأن، فإن مجرد بروزه على الساحة كقوة تتحدى إسرائيل وتقف في وجه جبروتها العسكري يدفع الكثيرين إلى التفكير بالمذهب الشيعي.
وإذا كان هدف حزب الله نشر المذهب الشيعي، أو إذا كان يرى أن قوته العسكرية تشكل عنصر جذب سني نحو التشيع، فلماذا يقدم الدعم للمقاومة الفلسطينية السنية ويحرص على رفع مستوى قوتها لتكون قادرة على مواجهة إسرائيل؟ حزب الله قدم تضحيات جسام وهو يهرب الأسلحة لقطاع غزة، وما زال يقدم، فكيف بأحد أن يتهمه بالبحث عن القوة واحتكارها كوسيلة للإقناع؟ ألم يتوجه الحزب مرارا إلى كافة الفئات بالأخص الفلسطينية واللبنانية لكي يساعدها في تشكيل قوة عسكرية محترفة شبيهة بقوته هو وتعمل على مواجهة إسرائيل؟ لماذا لم يتوجه من ينتقدوه للحصول على هذا العرض؟

الإنجاز أم الإسقاط

أيهما الطريق الأسلم والأفضل: العمل على الخروج من حالة الضعف إلى حالة القوة، أم إسقاط من هو قوي لنتساوى معه بحالة الضعف؟ الأنظمة العربية تعمل جاهدة، وسأفصل هذا في مقال لاحق، على تدمير قوة حزب الله حتى لا يفسد عليها تبعيتها لأمريكا وتحالفها مع إسرائيل. وللأسف لحق العديد من أهل السنة بركب الإعلام العربي الفاسد، ووضعوا أنفسهم في حالة ضعف تدفع باتجاه الإسقاط وليس الإنجاز.
هذا جدل ينطبق على إسرائيل. إذا كانت إسرائيل قوية فإن الحل للمشكلة ليس بالبكاء والعويل والشكوى للأمم المتحدة، وإنما ببناء القوة لمواجهتها. الأنظمة العربية لا تريد أن تكون القوية، وتحرص دائما على ضعف الأمة العربية والإسلامية. وقد وظفت الأنظمة العربية، كما فعلت أمريكا وإسرائيل، العديد من الفقهاء الفاسقين من السنة والشيعة لإشعال الفتنة من أجل أن تبقى الأمة تحت الحذاء.
ولهذا من الأفضل أن يبحث المرء عن القوة وفق الأخلاق الإسلامية إذا أراد أن يحافظ على نفسه وأن يكون له شأن. المسلمون جميعا يمكن أن يحققوا إنجازات عظيمة إذا ألقوا عن أنفسهم هموم الفتنة، وكرسوا جهودهم للبناء واكتساب القوة. وبدل النق المستمر على حزب الله، على خصومه أن ينفروا لمواجهة أعداء الأمة، وعندئذ ستزول كل مخاوفهم، لأن مثل هكذا نفير يوحد ولا يمزق.

تاريخيا
أغلب الدول العربية متورطة تاريخيا بمناهضة من يرفع رأسه من العرب، ولديها الاستعداد دائما للتعاون مع الأعداء من إسرائيليين وغربيين من أجل الإطاحة بكل مظهر من مظاهر القوة العربية. القوي يفضح عيوب الضعيف، والأمين يدلل على سوء صنيع الخائن، والناشط يفشي أسرار الكسول، ولهذا دأبت الأنظمة العربية على إبقاء الأمة في حالة من الضعف حتى لا تتكشف العورات. لكن الأكثر خطورة الآن هو جر العرب والمسلمين إلى حروب طائفية ومذهبية طاحنة تنشر الويلات، وتمزق الأكباد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2177207

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2177207 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40