الأحد 16 حزيران (يونيو) 2013

“أوسلو” ثانية

الأحد 16 حزيران (يونيو) 2013 par هاشم عبد العزيز

إذا لم تحدث مفاجآت، يصل إلى منطقة الشرق الأوسط هذا الأسبوع وزير الخارجية الأمريكية جون كيري في جولة هي الخامسة له منذ توليه أركان الدبلوماسية الأمريكية، ولكنها قد تعد الأولى بعد أن كانت جولاته السابقة جرت في سياق استطلاع الأمور وإجراء اللقاءات والمشاورات، وهي بحسب التقديرات الأمريكية، أفضت إلى دعوة الجانبين الفلسطيني و”الإسرائيلي” إلى العودة إلى المفاوضات .

في النظرة إلى الوتيرة الدبلوماسية الأمريكية الرئاسية والوزارية العالية، لا تبدو الإدارة الأمريكية “حريصة” على كسر الجمود الذي أصاب هذه العملية التي تجري برعايتها منذ سنوات عديدة وحسب، بل لديها الرغبة في إحراز “إنجاز” .

شيء ما يثير العديد من التساؤلات ومن ذلك:

هل لدى كيري ما هو جديد؟ وما الدوافع الحقيقية لهذه ال”يقظة” الأمريكية الناشطة بهذا القدر من التحركات؟

خلال جولاته الأربع إلى المنطقة لم يقدم جون كيري أي جديد أمريكي يمكن البناء عليه في شأن الأزمة بقضاياها، ولا في شأن المفاوضات بموضوعاتها ومرجعيتها وسقفها الزمني وضمان الالتزام بتنفيذ نتائجها .

واللافت أن الإدارة الأمريكية تندفع بتحركها راهناً في شأن العودة إلى المفاوضات لا من تقدمها في شأن هذه العملية بل من تراجعها، وهذا ما يمكن لمسه بتراجع الرئيس الأمريكي أوباما ووزيرة خارجيته في جولة رئاسته الأولى، عن شروط الإيقاف “الإسرائيلي” الكامل والشامل للاستيطان، وهذا لم يكن تجاوباً أمريكياً مع المطالب الفلسطينية والعربية قدر ما كان الأمريكيون يقدرون الأمور من دورهم الذي عاد إلى طبيعته، وهو ناطق بلسان أمريكي بالعودة إلى المفاوضات بلا شروط في نطق صريح باللغة العبرية .

ما يجري الآن أن أمريكا أقرب إلى إعادة إنتاج “أوسلو”، فمسؤولوها ينظرون إلى أنهم تمكنوا من حماية اتفاق “كامب ديفيد” المصري- “الإسرائيلي” واتفاق وادي عربة الأردني- “الإسرائيلي”، لكن اتفاق “أوسلو” الذي مضى عليه 20 عاماً فشل في الإيحاء إلى أن الاتفاقات التي ترعاها تبقى صامدة .

المعلوم أن اتفاق “أوسلو” فاجأ جهات أمريكية، لكن فشله لا يعود إلى غياب الرعاية الأمريكية، بل إلى طبيعة الاتفاق الذي لم يحسم قضايا أساسية وإلى السياسة الصهيونية المدعومة أمريكياً، وهذا جرى في ظل الاستفراد الأمريكي لا بشأن هذه الأزمة بل وشؤون هذه المنطقة .

كانت بداية انهيار “أوسلو” بالالتفاف على الاتفاقات الفلسطينية- “الإسرائيلية” التي دخلت دوامة توليد اتفاقات على الاتفاقات بدلاً من المضي في تنفيذها، وترافق هذا مع موجة عدوانية للاحتلال متصاعدة ومتوسعة في حرب مفتوحة على الفلسطينيين لتحطيم إرادتهم حيث استعاد الاحتلال ممارساته التنكيلية في الأراضي التي قيل إنها تحت مسؤولية السلطة الفلسطينية، وعلى مدى سنين متواصلة كان الفلسطينيون في استهداف لوجودهم وليس بحرمانهم من أبسط متطلبات الحياة فقط، وكانت عربدة الاحتلال في مطاردة واعتقال واغتيال خيرة أبناء هذا الشعب ممن كرسوا حياتهم لاستعادة الحقوق المسلوبة، والموجات العسكرية التدميرية المتلاحقة، وبخاصة على غزة بما خلفت من ضحايا ودمار في جرائم حرب ضد الإنسانية، وبات الوضع الفلسطيني بعد “أوسلو” أسوأ بمرات عدة عما كان قبله، وحصار عرفات واستهدافه من شواهد هذا الوضع المأساوي .

سنوات “أوسلو” كانت حافلة بالجرائم الصهيونية وهي ستبقي على سياسة النهب والسلب لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم وتشريدهم في محاولة لاقتلاع وجودهم، وترافق هذا مع الموجة الكاسحة للاستيطان التي تضاعفت خلال هذه السنوات مرات عدة وصارت مدينة القدس هدفاً بذاتها استيطاناً وتهويداً وتشريداً لأبنائها .

السؤال هو: ماذا كان الموقف الأمريكي من كل ما جرى من قبل الاحتلال الصهيوني خلال هذه السنوات التي تدعي الولايات المتحدة أنها ترعى التسوية؟

للولايات المتحدة موقف ثابت يقوم على حماية “إسرائيل”، والحماية ليس من عدوان عليها، لأن أحداً لا يعتدي على معتد، بالأساس هي تحمي “إسرائيل” بجرائمها أمام الرأي العام الدولي والإنساني، والأهم من هذا لولا المساعدات الأمريكية ما كانت “إسرائيل” في هذا النهم والشراهة من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية والتوسع والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني .

لقد أدى الموقف الأمريكي المزدوج إلى تحويل المفاوضات إلى حالة عبثية . كان الفلسطينيون يواجهون الضغوط الأمريكية والابتزاز الصهيوني وجرى ذلك في ظل وضع عربي أغلب بيوضه في السلة الأمريكية، والنتيجة لم تكن قاصرة على فشل “أوسلو” . وإذا كان شراء التنازلات غير الطبيعية الذي يجري الآن بوتيرة عالية، بمقدوره إنجاز “أوسلو” في طبعة ثانية، فهو غير قادر على إلغاء الحقائق الثابتة والقائمة وفي الأبرز بعد 65 عاماً من النكبة وليس خلال 20 عاماً من لعبة “أوسلو” .

هنا القضية التي يتجاهلها الأمريكيون وهم يمارسون ازدواج تسويتهم بين مكافأة المجرم وبين الإمعان في النيل من الضحية، ومن هذا يجري الآن إعادة إنتاج “أوسلو ثانية” بصناعة أمريكية وتنازلات عربية ولكن بمعايير “إسرائيلية” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165285

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165285 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010