الجمعة 25 حزيران (يونيو) 2010

عملية خنق بحبل من حرير

الجمعة 25 حزيران (يونيو) 2010 par طلال عوكل

لم يجد بنيامين نتنياهو فرصة للتهرب من استحقاق دولي يطالب بتخفيف الحصار عن قطاع غزة، خصوصاً بعد الجريمة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق أسطول الحرية في عرض المياه الدولية وأدى من بين ما أدى إليه، إلى تدهور العلاقات الإسرائيلية- التركية واتساع حملة التضامن الدولي مع الفلسطينيين.

يوم الثامن عشر من الشهر الجاري اجتمع المجلس الوزاري المصغر، وفي اليوم التالي أصدر بياناً غامضاً بشأن تخفيف الحصار الإنساني عن القطاع. بعد يوم واحد كشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، الخداع الذي مارسه المجلس المصغر، حيث إنه أصدر بيانين واحد باللغة الإنجليزية موجه للعالم الخارجي ويتحدث عن قرار بتخفيف الحصار والثاني باللغة العبرية موجه للداخل الإسرائيلي، لا يتضمن شيئاً من هذا القبيل.

كان البيان الذي صدر عن المجلس الوزاري المصغر بلغته الإنجليزية قد أشار إلى فورية التنفيذ، غير أن فحص الأمر على أرض الواقع، أكد الفعل الخادع، حيث لم تتلق الجهات التنفيذية أية تعليمات، ولم يتغير وضع المعابر الحدودية.

خلال الاجتماع الوزاري الأسبوعي يوم الأحد العشرين من الشهر، صدر القرار، وعقد مندوب الرباعية الدولية طوني بلير اجتماعاً مع نتنياهو للاضطلاع على تفاصيل القرار الذي اتضح أنه يسمح بتوسيع قائمة الأصناف التي ستدخل إلى قطاع غزة، مستثنى منها مواد البناء، وما تدعي إسرائيل أنها مواد تدخل في صناعة المتفجرات.

المصادر الإسرائيلية لم تحدد عدد الأصناف التي ستمنع إدخالها لقطاع غزة، لكنها ستشمل المواد الاستراتيجية والمواد الخام الضرورية للصناعة، فيما ستسمح بإدخال كميات من مواد البناء عبر ولصالح الأمم المتحدة، ولضمان عدم وصولها إلى حركة حماس كما أوضح البيان الإسرائيلي. هذا يعني أيضاً أن كمية مواد البناء التي ستدخل قطاع غزة، ستكون محدودة، بحجم حاجة المؤسسات الدولية، لإكمال بناء بعض مشاريع الإسكان المتوقعة، فضلاً عن ترميم بعض المدارس التي أصيبت بأضرار خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع.

القرار الإسرائيلي الذي لاقى الترحيب من قبل الولايات المتحدة، ومن قبل الرباعية الدولية، يقدم صورة من صور الخداع الإسرائيلي والتواطؤ الدولي المحسوب.

في خطابه أمام لجنة العلاقات الخارجية للكنيست بعد يوم واحد من اجتماع الحكومة، قال بنيامين نتنياهو إن القرار يستهدف نزع الذرائع التي تتمسك بها حركة حماس، والتي تتحدث طوال الوقت عن كارثة إنسانية في قطاع غزة، وبأن تخفيف الحصار الإنساني، يرافقه تشديد على منع تهريب وتصنيع الأسلحة.

التفسير الذي أدلى به نتنياهو ينطوي مرة أخرى على خداع من نوع آخر يتصل بالأهداف الحقيقية من وراء فرض الحصار، والتي تواصل إسرائيل وتواصل الرباعية الدولية العمل من أجل تحقيقها.

تكتيكياً تحاول إسرائيل امتصاص حالة الغضب الدولي التي تولدت عن سلوكها الإجرامي تجاه أسطول الحرية، ونزع الذرائع التي تسوقها الجهات والمتضامنون الذين يؤكدون عزمهم على الاستمرار في إرسال المزيد من السفن والمزيد من المساعدات.

وفي الوقت ذاته تشكل جزءاً من حملة علاقات عامة تقوم بها إسرائيل تحضيراً لجريمة أخرى تؤكد المصادر الإسرائيلية الاستعداد لارتكابها بحق السفن اللبنانية والإيرانية التي تسلك طريق أسطول الحرية.

والحال أن إسرائيل تحاول رفع الأنظار عن الأهداف الأساسية التي تقف وراء فرض الحصار منذ أن كلفت حركة حماس بتشكيل الحكومة الفلسطينية العاشرة خلال الربع الأول من عام 2006، ثم جرى تشديده بعد الخامس والعشرين من يونيو، إثر عملية اعتقال الجندي جلعاد شاليط، ثم تشديده مرة أخرى بعد الانقسام الفلسطيني في الرابع والعشرين من يونيو 2007، وسيطرة حركة حماس بالقوة على قطاع غزة.

أرادت إسرائيل توظيف فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، عبر اتخاذ إجراءات ضد قطاع غزة مختلفة عما تقوم به في الضفة، لتحقيق هدف تعميق الانقسام الفلسطيني وتأبيده إن أمكن، ثم فصل القطاع نهائياً وبشكل كامل عن الضفة الغربية، والتخلص من كل مسؤولياتها كدولة احتلال تجاهه، الأمر الذي سيؤدي إلى تقويض فكرة الدولة الفلسطينية.

وقد عملت إسرائيل خلال السنوات الأربع للحصار على دفع غزة نحو مصر، وهو ما يفسر مطالبتها بفتح معبر رفح بشكل دائم أمام حركة البضائع والأفراد، فيما تبقي على معابرها مع القطاع مغلقة، أو مفتوحة جزئياً ولبعض الوقت.

وزير الاقتصاد الإسرائيلي أكد هذا الهدف الذي تتستر عليه الحكومة رسمياً حين كرر الأسبوع قبل الماضي مطالبته الحكومة، بالتخلص كلياً ودفعة واحدة عن كل مسؤولياتها تجاه قطاع غزة، الأمر الذي دفع نتنياهو لمطالبته بوضع خطة لتحقيق ذلك.

انطلاقاً من هذه الأهداف لا يمكن تفسير القرار الإسرائيلي إلا بأنه محاولة جديدة لإعادة صياغة الحصار، وآلياته، بحيث يتم تشديده على المستوى السياسي والجغرافي والاجتماعي وتخفيفه على المستوى الإنساني، بما يخفف عن الناس، ويضاعف الضغط على حماس وحكومتها.

هذا الاستنتاج ليس جديداً، ذلك أن بعض الدوائر الدولية، ومنها الأمم المتحدة، كانت قبل جريمة القرصنة على أسطول الحرية، قد استخلصت أن أربع سنوات من الحصار أدت إلى إلحاق أضرار بليغة بالسكان، وساعدت على تقوية حماس، وبالتالي كان من المتوقع أن يحصل هذا التعديل في آليات الحصار حتى ولو لم تقع الجريمة الإسرائيلية بحق أسطول الحرية.

أما بالنسبة للرباعية الدولية، التي رحبت بالقرار الإسرائيلي فإنها هي الأخرى كانت تستهدف من وراء الحصار، الضغط على حركة حماس وإرغامها على قبول شروطها الثلاثة، ومن ثم الانخراط في العملية السياسية، ولذلك فإن ترحيبها ينطوي على تواطؤ واضح مع إسرائيل، من أجل مواصلة الحصار وربما منحه الشرعية التي تسعى حكومة نتنياهو للحصول عليها حتى يتم تحقيق الأهداف.

إذا كان هذا ما ترمي إليه إسرائيل والرباعية الدولية، فإن ثمة ما ينبغي على الفلسطينيين أولاً ثم على العرب وكل من يطالب ويسعى من أجل رفح وكسر الحصار.

أولاً على الفلسطينيين أن يتحركوا لإنهاء انقسامهم واستعادة وحدتهم من أجل توحيد جهودهم وخطابهم وتعزيز صمودهم، وفي الأساس من أجل إحباط الهدف الإسرائيلي الأساسي من وراء الحصار والعدوان، ثانياً يتطلب فضح النوايا والأهداف الإسرائيلية تجريد حملة سياسية ودبلوماسية واسعة من أجل تكثيف حملات التضامن الأجنبي والعربي، ونحو إرسال المزيد من سفن كسر الحصار.

ثالثاً لا بد من وضع العرب على المحك العملي، فقد اتخذت لجنة المتابعة العربية قراراً مكرراً بكسر الحصار، فأين هي الآليات لترجمة ذلك القرار الذي شدد عليه الأمين العام للجامعة العربية خلال زيارته لقطاع غزة قبل نحو أسبوعين؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2165366

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165366 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010