السبت 15 حزيران (يونيو) 2013

لا للتطبيع مع العدو الصهيوني

السبت 15 حزيران (يونيو) 2013 par جمال أيوب

يصعب على الأفراد أن يمارسوا قناعتهم في المقاطعة خارج سياق مشروع وطني غير فردي، وتصبح المشكلة أعقد بكثير في غياب مشروع وطني للمقاطعة، وللتنمية البديلة المستندة إلى مشروع مقاومة وتحرير ولو بمستوى مشاريع غاندي لصناعة الملح في الهند تحت الاحتلال البريطاني ، فعندها يصبح عبء ممارسة المقاطعة الاقتصادية عبئاً فردياً… وليس هناك من يضطر للخيانة والعمالة ولممارسة التطبيع.

لا بد في البداية أن نعرف معنى التطبيع لكي نقترب من طرح إجابة منهجية على مثل هذا السؤال، وقد سبق أن عرف التطبيع في مادة سابقة بأنه ببساطة جعل ما هو غير طبيعي طبيعياً، وفي سياق العلاقة مع العدو الصهيوني فإن التطبيع يعني كل قول أو فعل أو تقاعس أو صمت يقوم على التعامل مع
الوجود الصهيوني في فلسطين كوجود طبيعي، مثلاً وجود سفارة أو علاقات دبلوماسية أو تجارية أو أمنية مع العدو الصهيوني يمثل تطبيعاً بالضرورة.

أن التطبيع لا يعني إعادة ما هو غير طبيعي إلى طبيعته كما ذهب البعض، بل يعني جعل ما هو غير طبيعي طبيعياً، سواء كان طبيعياً في الماضي أم لا ، وبالتالي فإن مصطلح التطبيع لا يعني إعادة العلاقات مع العدو الصهيوني إلى سابق عهدها كما يظن البعض ، بل يمثل ذلك شططاً في التأويل وإسقاطاً في غير محله, ثانياً أن المشروع الصهيوني كان منذ البداية الهجرة اليهودية إلى فلسطين
وتهويدها أي أنه مشروع استعماري احتلالي، لا مشروع احتلال عسكري فحسب، ومن هنا فإن
المشروع الصهيوني يساوي بالضبط ملايين اليهود الموجودين حالياً في فلسطين الذين أتوا على خلفية المشروع الصهيوني ، ولذلك فلا معنى جدي للتفريق بين اليهودي والصهيوني على أرض فلسطين (سواء كان شرقياً أم غربياً ) إلا إيجاد نوافذ وطنية أو تقديمة للتطبيع مع الصهيونية، فكل يهودي على أرض فلسطين هو اليوم جزء من المشروع الصهيوني بغض النظر عن خطابه. ويتخذ التطبيع مع العدو الصهيوني أشكالا رياضية وأكاديمية وإعلامية وسياحية ودينية الخ ، فالاعتراف بدولة العدو الصهيوني تطبيع وكل ما ينم عن اعتراف بدولة العدو تطبيع. وبما أن المعاهدات مع العدو الصهيوني تطبيع فإن كل ما يتمخض عنها تطبيعٌ أيضاً ، مثلاً دخول المنتجات الزراعية الصهيونية للأسواق العربية وغير العربية تطبيع، وكذلك السياحة الاتجاهين أما سياسيا فإن مبادرة السلام العربية هي مبادرة تطبيعية كما تقول بنفسها ، وكذلك ما يسمى عملية السلام برمتها وكذلك أدوارها الأمنية والسياسية والتفاوضية. وتتلخص وظيفة التطبيع بكسر حاجز العداء مع الصهيونية ومؤسساتها وخطابها ومماثليها , وهو حاجز متعدد الأشكال في الواقع يتم السعي لتجاوزه بصور متعددة ، مثلاً الحاجز القانوني يتم السعي لتجاوزه بالمعاهدات والقوانين التي تكرس التطبيع.

وكذلك حاجز العداء النفسي يتم السعي لتجاوزه بالتطبيع الثقافي والإعلامي والتعليمي، مثلا ما قامت به قناة الجزيرة من اختراق أدخل الناطقين بلسان الصهاينة إلى كل منزل عربي هو اختراقاً تطبيعاً إعلامياً ، فتح الباب أمام معظم الوسائل الإعلامية الناطقة بالعربية للتعامل مع الرواية الصهيونية والمعبرين عنها كأمر طبيعي ، وعلى الصعيد الإعلامي والثقافي أيضاً يشكل المصطلح التطبيعي أحد أخطر أدوات اختراق الوعي العربي ، مثلاً لا بد من محاصرة كلمة إسرائيل بين مزدوجين دوماً لأن استخدامها بدون مزدوجين يعني التعامل مع ما تمثله كأمر طبيعي.

ولكن التطبيع الثقافي لا يعني السعي لإقامة علاقات طبيعية بالمتناسبة كما هي الحال بين أي دوليتين بل أنه يمثل مقدمة فرض الهيمنة الثقافية الصهيونية على الوطن العربي ، أي مقدمة شطب الهوية العربية ثقافياً، فالتطبيع هو مقدمة الهيمنة لأن المشروع الثقافي الصهيوني هو مشروع هيمنة
وتفكيك. ويدخل التطبيع الديني بذريعة حوار الأديان في سياق الاعتراف بمشروعية احتلال العدو الصهيوني للقدس وبالتالي فإنه يكرس علاقة الهيمنة التي يحاول العدو الصهيوني أن يفرضها على الوطن العربي .

أن التطبيع كمقدمة للهيمنة لا يقتصر على البعد الثقافي فحسب ، بل يمثل جوهر التطبيع السياسي والاقتصادي أيضاً مشروع الشرق أوسطيه . فالتطبيع الاقتصادي إستراتيجياً هو مشروع قطف ثمار الوحدة العربية أهلنا في فلسطين بكيفية تقديم الدعم لهم ولصمودهم في الأرض خاصة في ظل الانبطاح الرسمي العربي أمام الطرف الأمريكي - الصهيوني، وفيما يلي محاولة أو اجتهاد للإجابة على بعض تلك الأسئلة من منظور قومي عربي متمسك بالميثاق الوطني الفلسطيني ، يستند للثوابت الفلسطينية التي تتخلص بعروبة فلسطين من النهر إلى البحر ، وبالكفاح المسلح طريقاً لتحرير وبرفض الاعتراف بمشروعية الوجود اليهودي في فلسطين الذي أتى على خلفية المشروع الصهيوني ، ويتبع ذلك طبعاً رفض التطبيع مع العدو الصهيوني مع الإصرار على التمسك بالصمود في الأرض من أجل مقاومة عملية
تهويدها.

هنا لا بد من التذكير دوماً أن معاناة الفلسطينيين سببها الاحتلال ، وأن ذلك الاحتلال يتبنى مشروعاً لتهويد الدولة وللتخلص منهم فدعم الفلسطينيين لا يكون بمد الاحتلال بالمشروعية السياسية من خلال
الاعتراف به والتعامل الطبيعي معه ، ولا يكون بمده بأسباب القوة من خلال شراء منتجاته وفتح المنافذ لصناعاته واستثماراته في الأسواق العربية. كما لا بد من التذكير بأن ما يمكن التسامح معه مؤقتاً في حالات غياب مشروع وطني مقاوم متصاعد ومشروع قومي عربي ، لا يمكن التسامح معه عندما تنضج الظروف للانتقال من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم ، أما الهدف الحالي في مواجهة الاختراق الصهيوني فهو خلق حالة من التماسك وتعزيز ثقافة المقاطعة ، ومناهضة التطبيع يمكن البناء عليها للانطلاق من حالة مناهضة التطبيع إلى حالة دحر المشروع الصهيوني وتحرير الأرض ، فلا يجوز بأية حال أن نعتمد على حالة استقرار مع المشروع الصهيوني ولو من منطلق مناهضة التطبيع، وعليه لا يمكن فهم مقاومة التطبيع إلا كتتمة لدعمنا للمقاومة المسلحة في مواجهة العدو الصهيوني.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2166047

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2166047 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010