الأربعاء 12 حزيران (يونيو) 2013

استراتيجية« إسرائيل» في مناطق منابع النيل

الأربعاء 12 حزيران (يونيو) 2013 par عاطف الغمري

جذبت أزمة “سد النهضة” في إثيوبيا، وما أظهرته تقديرات الخبراء المختصين، من أنه يحمل نتائج خطرة بالنسبة إلى استقرار تدفق مياه النيل على مصر، ووجود علاقة ل”إسرائيل” بمشروعات إثيوبيا على مياه النيل، الأنظار إلى استراتيجية “إسرائيلية” معلنة ومعروفة، للوجود في مناطق العمق الاستراتيجي لمصر، خاصة من ناحيتها الجنوبية في إفريقيا .

كانت بداية هذه الاستراتيجية، في أواخر الخمسينات، التي وضعها ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء ل”إسرائيل”، وعرفت باسم محيط الدائرة Periphery Theary ، وتعني القفز على إطار الدائرة العربية المحيطة ب”إسرائيل”، إلى الدول الواقعة خارج محيط الدائرة، وركزت في البداية على دول إسلامية يفترض بالضرورة أن تكون رصيد قوة للعرب . فإذا وصلت “إسرائيل” إليها، وأقامت معها ارتباطات وعلاقات تعاون واسعة النطاق، لأمكنها أن تبدد نصيب العرب من هذا الرصيد .

وهو ما نجحت فيه “إسرائيل” عقب إنشائها، بعلاقات مبكرة، عسكرية، واقتصادية، ومخابراتية مع إيران وتركيا .

ثم استكملت خطواتها طبقا لهذه النظرية، في العام ،1991 بعلاقات تعاون متعددة النواحي مع دول آسيا الوسطى الإسلامية، عقب استقلالها عن الاتحاد السوفييتي .

إفريقيا لم تكن بعيدة عن فكرة هذه النظرية، بهدف النفاذ إلى مناطق العمق الاستراتيجي لمصر، من ناحيتها الجنوبية، خاصة عند منابع النيل .

وهو ما كشف عنه التقرير المقدم في سبتمبر/أيلول 2008 إلى حكومة “إسرائيل”، من أفي ديختر، وزير الأمن “الإسرائيلي”، وتحدث فيه عن الساحات المحيطة ب”إسرائيل”، والتي تمتد إلى إفريقيا .

إن نظرة “إسرائيل” إلى مياه النيل ليست جديدة، وقد تناولتها دراسات للمؤسسات “الإسرائيلية” المختصة بالمياه في الفترة من 1964 - ،1976 وهي الفكرة نفسها التي طرحها شمعون بيريز في كتابه الصادر العام 1993 بعنوان “الشرق الأوسط الجديد”، الذي ركز فيه على احتياج “إسرائيل” إلى زيادة سريعة في مواردها المائية . وقال بالتحديد إن أفضل مصادر المياه موجودة عادة خارج حدود الدول التي هي في أشد الحاجة إليها .

وارتبط بهذا التفكير اهتمام “إسرائيل” بخلق وجود لها في منطقة منابع النيل، ليس فقط من أجل الاستفادة المباشرة منها، بل أيضاً لخلق مشكلات تؤثر في مصر واستقرارها .

إن “إسرائيل” تعمل وفق استراتيجية طويلة المدى، تنفذ على مراحل زمنية، تعتمد على حالة توازن القوى بينها وبين الدول العربية، وعلى وضع العرب قوة أو ضعفاً . ولم يتغير مسار هذه الاستراتيجية منذ قيامها العام ،1948 بل ومن قبل ذلك حين كانت “إسرائيل” مجرد فكرة، في خطة عمل الحركة الصهيونية، في أول القرن العشرين .

لقد كانت المواجهات بين مصر و”إسرائيل”، تتم من خلال حروب “إسرائيل” من اتجاه الحدود الشمالية الشرقية لمصر من سيناء، لكنها بحكم كونها دولة، تتحرك وفق خطط استراتيجية متعددة الأبعاد والمراحل، فإنها لم تكف عن التحرك المكمل لخططها العسكرية، بمد نطاق حركتها بوسائل أخرى غير عسكرية، تنفذ إلى العمق الاستراتيجي لمصر، إذ تُعدّ إفريقيا منطقة حيوية لأمن مصر القومي، بسبب تدفق مياه النيل منها .

وإذا كانت الأنظار تتركز طوال عشرات السنين الماضية، على جبهة سيناء في الصراع مع “إسرائيل”، فقد كان ينبغي لأي تفكير استراتيجي، ألا يتجاهل متابعة ما يجرى في مناطق العمق الاستراتيجي جنوباً .

واللافت للنظر أن الضغوط الحالية في الجبهة الجنوبية الإفريقية، تشتد في الوقت نفسه الذي تتكثف فيه ضغوط أخرى على محور الأمن القومي في سيناء، بتكرار حوادث وعمليات التفجيرات، وقتل، وخطف الجنود .

إن التحرك “الإسرائيلي” في إفريقيا - العمق الاستراتيجي لمصر - لم يكن قاصراً على جانب واحد من العلاقات مع دول هذه المنطقة، لكنه تشعب إلى مختلف فروع العلاقات، خاصة مع دول حوض النيل، ف”إسرائيل” درست أوضاع هذه الدول، واحتياجاتها، وجهزت مشروعات تقدمت بها إليها، سهلت لها الدخول معها في مشروعات مشتركة، اقتصادية، وزراعية، ومائية، وبنوك . وكانت إثيوبيا على رأس هذه الدول، التي كانت “إسرائيل” محفزة لها بناء “سد النهضة”، ثم عهدت إثيوبيا مؤخراً إلى شركة “إسرائيلية”، بمهمة إدارة وتسويق الكهرباء التي ينتجها السد .

لقد كان لمصر وجود قوي ومؤثر ورائد، في القارة، منذ سنوات مناصرتها لحركات التحرر الإفريقية، وتصفية الاستعمار الأجنبي، لكن حدث بعد ذلك انسحاب معنوي من القارة، وتضاؤل الاهتمام بالعلاقات معها . وهو أمر يتعارض مع مفهوم الفكر الاستراتيجي الذي يضع على أولوياته، الوجود في المناطق المؤثرة في الأمن القومي للدولة . فما بالنا وهذه المناطق بها منابع الحياة لمصر؟

إن الوضع الخطر الذي يتسبب فيه مشروع السد الإثيوبي، لا ينبغي بعد إيجاد حلول له، التوقف عند هذا الحد، لأن المصالح العليا للدولة تقتضي حنكة التفكير السياسي الواعي الذي يبلور رؤية استراتيجية لخريطة علاقات مع إفريقيا متعددة الأبعاد، تتحرك في كل اتجاهات التعاون والتقارب .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2166103

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2166103 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010