الأربعاء 12 حزيران (يونيو) 2013

مصير جون كيري !

الأربعاء 12 حزيران (يونيو) 2013 par د.عادل محمد عايش الأسطل

من المتوقع أن يصل وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” إلى المنطقة خلال هذا الأسبوع في جولة خامسة، منذ تسلمه الخارجية منذ فبراير/شباط من العام الجاري، للقاء كل من رئيس وزراء إسرائيل “بنيامين نتانياهو” والرئيس الفلسطيني “محمود عباس” والملك الأردني “عبد الله الثاني”، بهدف مواصلة مساعيه الرامية إلى دفع عملية السلام، واستئناف المفاوضات وجها لوجه بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ضمن الأجندة التي وضعتها إدارة “باراك أوباما” لهذا الشأن، على أمل التوصل إلى شروط أكثر مرونة من ذي قبل. وذلك بالاعتماد على استثمار المحفزات المقدمة للفلسطينيين باعتبارهم الجانب المعطل لاستئناف العملية السلمية بوضعهم العراقيل أمام العودة للمفاوضات المباشرة، والتي تمثلت في الخريطة الاقتصادية المؤلفة من عدة مليارات من الدولارات لتحسين الظروف المعيشية لهم، والتي أعلن “كيري” عنها خلال جولته الماضية. ومن ناحية أخرى استشعارهم بأن كل الوقت الذي يمر دون العودة للمفاوضات هو في الحقيقة خسارة حالية أكثر من الربح المجهول. بالإضافة إلى نسبة الثقة العالية التي أبداها “كيري” من أن لدى الجانبين رغبة أكيدة في إعادة النظر لمواقفهما بشأن العقبات التي تحول دون استئناف المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة. وكان أعلن في وقت سابق بأن لدى الإسرائيليين والفلسطينيين الفرصة للإقدام نحو مبادرات من تلقاء أنفسهم، وأن الإدارة الأمريكية مستعدة لكل الاحتمالات.

بحذرٍ شديد سيأتي “كيري” لمواصلة مساعيه المعتادة، وهو يعلم بفشله المسبق في جولته هذه أيضاً، ولكن باعتباره رجل ديبلوماسي أمريكي، عاصر إخفاقات كثيرة على مدار حياته الشخصية والسياسية بدءاً بفشله في حياته الأسرية الأولى، وباعتباره (عالة) على أموال زوجته الثانية، ومروراً يإخفاقه أمام “جورج بوش” الابن في تولي قيادة الولايات المتحدة خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في العام 2004، وانتهاءِ بإخفاقاته في جميع جولاته السابقة للمنطقة، فقد تمنّى لنفسه أن يثبت خطوة حقيقية واحدة باتجاه العملية السلمية. ليس بعد اخفاقاته وحده وحسب، بل بعد الإخفاقات المتتالية على مستوى الإدارة الأمريكية بشكلٍ عام.

الولايات المتحدة بدت عاجزة أمام الفلسطينيين في ثنيهم عن التقدم لمنظمة الأمم المتحدة بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية (غير كاملة العضوية) كما فشلت كل ضغوطاتها على الدول الأوروبية والتابعة لها في هذا الاتجاه، كما باءت بالفشل إلى حد الآن على الأقل كل مساعيها في الضغط على الفلسطينيين للعودة للمفاوضات بغير شروطهم. وحتى في مسألة إقالة حكومة “سلام فياض” المريحة لواشنطن، أيضاً لم تفلح ضغوطاتها المكثفة لإبقائه في منصبه أو حتى إعادة تكليفه لتشكيل الوزارة الجديدة، بالرغم من أنها قد ضاعفت الطلب إلى إسرائيل بأن تقوم بتجميد العمليات الاستيطانية، وتقديم نوايا حسنة باتجاه الفلسطينيين، الأمر الذي أشعرها وبقوة بأنه توجد أشياء أخرى لا تستطيع بأي حال أن تفرضها على الفلسطينيين منذ الآن فصاعداً.

أيضاً، لم تأخذ الإدارة الأمريكية حقاً أو باطلاً من الطرف الإسرائيلي، بشأن أيّة معطيات تدل على أن إسرائيل بصدد الموافقة الفعلية على حل الدولتين، بغض النظر عن خطبة “نتانياهو” في جامعة (بار إيلان) في يونيو/حزيران 2009، حيث ألمح بموافقة إسرائيلية (مبدئية) على حل الدولتين، وضمّنها لاحقاً ببرنامجه الانتخابي مع (يسرائيل بيتنا) أثناء الانتخابات الأخيرة التي جرت أوائل هذا العام. لكنه في الوقت ذاته، هو أبعد ما يكون عمّا نطق به وكذب لسانه. وهو ما أكده نائب وزير الأمن الداخلي “داني يانون” مؤخراً، من أن حكومة إسرائيل الحالية، لا تلقي بالاً للمشروع، حيث أنه لم يندرج على أجندتها، ولم يتم التطرق إليه من قريب أو بعيد خلال أعمالها الحالية وليس هناك نيّة في مناقشته في الفترات المقبلة. ومن خلال تلك المعطيات وغيرها، فقد أثبتت إسرائيل – على اختلاف حكوماتها- للمرة الألف، بأنها غير جادة في السلام لأنها ببساطة لا تؤمن به كونه في نظرها يقضي على كيانها، منذ اللحظة الأولى لتطبيقه.

لقد اعتمدت الإدارة الأمريكية الرؤية الإسرائيلية منذ الماضي، والتي ترى بأنه لا يمكن التوصل فوراً إلى اتفاق سلام دائم، بل إلى تسويات مرحلية في إطار خارطة الطريق وعلى رأسها التحفظات الإسرائيلية الثلاثة عشر(الناسفة)، حينما أثارتها اللجنة الرباعية - المندثرة- قبل ما يزيد عن عشر سنين. وبناءً على ذلك فإن “كيري” يؤمن بأنه من غير الممكن التوصل إلى اتفاق بين الطرفين ليس على القضايا الخمس النهائية، بل حتى على الاتفاق حول قضية واحدة، وإن كانت أقلها في الترتيب، إذ لا يوجد أي احتمال في تقريب وجهات نظر متباعدة، أو إيجاد حلول قابلة للتطبيق.

وذلك نظراً لعجز إدارته من غير حدود أمام إسرائيل، حيث يعطيها القوة والتشدد اللازمين لعدم الامتثال للقليل من رغباتها، كما أن التصور السياسي لحكومة إسرائيل لا يتساوق مع أفكار هي جيدة لها، بسبب أنها غير مستعدة لدفع ثمنها في التو واللحظة. ومن جهة ثانية، فإن إدارته في واشنطن لا تريد الضغط زيادة على الطرف الإسرائيلي، بسبب أن الضغط على الجانب الفلسطيني أنجح وأيسر، باعتبارها تراهن على نفس الذي تراهن عليه إسرائيل منذ إنشاءها، وهي الوقائع المتجددة التي أحدثتها وتُحدثها إسرائيل طوال الوقت وفي كل مكان. غير مكترثة بممانعات العالم واستنكاره لأعمالها، بل وأعلنت على الملأ:“ليقُل العالم ما يريد ونحن نفعل ما نريد”.

وبالرغم من أن “كيري” قد ضمن فشل مساعيه سلفاً، بناءً على الصورة القائمة والقاتمة في ذات الوقت، إلاّ أنه أبدى إصراره لإدارة دفة الأمور كما المعتاد وإلى ما شاء الله، بسبب أن له القدرة على القيام بذلك لاحقاً. وفي هذا الإطار فإن أقصى ما يصبو إليه، هو محاولته جعل الطرفين يتفقان على أي شيء ولو على مستوى المصالحة باتجاه بناء الثقة، بسبب أنها تعمل على أن يكونا قادرين على النزول عن درجات التشدد العليا والتخلي عن الأحلام الخيالية، خاصةً فيما يتعلق بالمطالبات الفلسطينية على حد وصفه.

إن العملية السياسية القائمة والمعتمدة من قبل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وأيضاً لدى الأطراف الدولية الأخرى، لا تحتاج لإطلاقها إلى جولات “كيري” أو إلى إيجاد ضغط دولي (جدّي) على حكومة الاحتلال للاستجابة لمتطلباتها، بل إلى وحدة الصف وتضافر الجهود، لأن القضية قضيتنا والسلام نحن من يشرعه وليس “كيري” أو الإدارة التي قامت بإرساله.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 5 / 2165528

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165528 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010