الثلاثاء 11 حزيران (يونيو) 2013

رؤية للدولة الفلسطينية

الثلاثاء 11 حزيران (يونيو) 2013 par ناجي صادق شراب

يخطئ من يعتقد أن الدولة الفلسطينية ستكون مجرد دولة تقليدية، بمعنى دولة بأركانها الثلاثة الأساسية ولا خلاف عليها نظرياً وقانونياً وهي الأرض، والسيادة، والشعب . هذه الأركان الثلاثة لا بد منها لأي دولة، وكذا للدولة الفلسطينية، لكن في الوقت ذاته ستكون لها خصوصية، ورؤية جديدة تفرضها عوامل كثيرة أهمها عوامل الجغرافيا والزمن والتاريخ، إضافة إلى البعدين الديني والحضاري لكل المنطقة التي ستقوم عليها دولة فلسطين . قانونياً نريد دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة وهذه العضوية حتى بالنسبة إلى لدول القائمة هي مجرد بطاقة عضوية وليست واقعاً سياسياً تتمتع به الدول الأعضاء . ونريد دولة كاملة السيادة، والسيادة في زمن العولمة والقوة، ليست كاملة، وحتى الشعب الواحد في زمن المواطنة العالمية والمواطنة الحضارية أصبح أكثر من مواطن يحمل هوية وجوازاً وطنياً . الدولة الفلسطينية في زمن الاحتلال قد تكون آخر الدول التي قد تكون نشأتها بفعل الاحتلال . الدولة الفلسطينية قد تكون رؤية سياسية وتاريخية وحضارية وإنسانية أكثر منها دولة بالمعنى القانوني والسياسي . وتستمد هذه الرؤية مكوناتها من الواقع التاريخي والحضاري والديني، ولا ننسى الواقع الجغرافي الذي يحكم إطار عملها وسيادتها . من هذا المنظور يفترض أن تقدم الدولة الفلسطينية رؤية كاملة، وتقدم نموذجاً في التقدم والديمقراطية والحضارة والرسالة والهدف الذي تحمله . رسالة هذه الدولة وهدفها هي رسالة الأديان والرسل والأنبياء الذين ميزوا أرضها عن غيرها، رسالة السلام والتعايش ونبذ العنف والكراهية والحقد بين الشعوب، رسالة تقوم على المواطنة الواحدة وهي المواطنة السماوية على اعتبار أن كل البشر هم أبناء الله الواحد ولا تمييز بينهم إلا بقدر تمسكهم بهذه المبادئ السماوية الدينية السامية التي تنظم آدمية الإنسان، وتقوم على الحوار والتكامل، وليس الإقصاء، والإلغاء، هى رسالة تعمير وبناء وليس رسالة إفناء وحرب . دولة تنهى ذل الاحتلال البغيض الذي يقوم فقط على إهانة آدمية الإنسان، وكيف يقبل العالم الذي يدّعي التمدن والتمسك بالقيم الإنسانية أن يرى ويسمع كل يوم كيف يهان وتداس كرامة الإنسان الفلسطيني أمام الحواجز، والاعتقالات اليومية، وحصار لقمة العيش، دولة تفرج عن كل أسرى الحرية والكرامة الإنسانية، فكيف لنا أن نرى والعالم معنا هذه الجريمة الإنسانية التي ترقى إلى محاكمة المسؤولين عنها أمام المحاكم الدولية . هذا العدد من الآلاف من هؤلاء الأسرى الذي يولدون ويموتون في داخل السجون “الإسرائيلية”، وتمارس “إسرائيل” سياسات المساومة والصفقات التجارية والسياسية بشأنهم، وكأننا أمام نظام جديد من العبودية السياسية في زمن التحولات الديمقراطية وزمن التحرر من العبوديات المطلقة .

دولة تعيد الكرامة الوطنية إلى الإنسان الفلسطيني، وتعيد له الاعتبار كإنسان ومواطن له نفس الحقوق التي يتمتع بها غيره من مواطني الدول والشعوب الأخرى، لأنها تحمل صفة دولة، دولة تعيد إلى الهوية والجواز الفلسطيني قيمتها واحترامها، وتجعل المواطن الفلسطيني يقدم هذا الجواز من دون تردد أو خوف، وتجعله يقول أنا فلسطيني بصوت عالٍ وليس همساً، وتشعره بأنه غير ملاحق بتهمة الإرهاب أو تهمة تعكير سلام وأمن كل الدول .

دولة تعيد إلى الطفل الفلسطيني ابتسامته البريئة والنقية من أي حقد وكراهية وتعصب بسبب الاحتلال، وسياسات الإذلال التي يتلقاها على كل منافذ الدول البرية والبحرية والجوية، وكأن هذا الطفل هو المسؤول عن سلام وأمن العالم بدلاً من الأمم المتحدة . دولة تكون نموذجاً للديمقراطية والتقدم والانفتاح على كل ثقافات الشعوب الأخرى وحضارتها، والإنسان الفلسطيني مؤهل للتكيف والمساهمة والتعايش مع كل هذه الحضارات، فأرض فلسطين التاريخية كانت أرضاً تلتقي وتتفاعل داخلها كل الحضارات والثقافات الأخرى .

هذه هي طريق إنهاء الصراع والحرب والحقد والكراهية . ولذلك نريد دولة خالية من التعصب الديني والأيديولوجي، دولة تسودها ثقافة السلام والمحبة والتعايش، ونبذ الإرهاب والعنف، دولة ميثاقها المحبة الإنسانية، والإيمان بالمواطنة الواحدة .

دولة تكون نموذجاً للسلام العالمي لا تنغلق على نفسها، ولا على حدودها، دولة تتكامل مع غيرها من الدول المجاورة، دولة تحل محل الحرب والصراع لتفكر في رخاء شعوبها، وهذا الرخاء لا يمكن أن يتم من دون رؤية تنموية إنسانية كاملة . دولة توقف التعصب الديني، والفتاوى الدينية والحاخامية وتستبدل بها رؤية جديدة تبحث عن البقاء والنماء . عندها ستنتفي كل مبررات وعناصر الدولة التقليدية من حدود وسيادة .

هذه مجرد رؤية هي أقرب إلى الحلم، لكننا من حقنا جميعاً إن نحلم وأن تكون لدينا رؤية، رؤية تتجاوز حدود المكان والزمان وزمن التعصب والكراهية والحقد .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165546

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165546 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010