الأحد 9 حزيران (يونيو) 2013

انفجار تركيا

الأحد 9 حزيران (يونيو) 2013 par هاشم عبد العزيز

تركيا في حال انفجار، هذا واحد من أكثر من عنوان تردد في غضون الأيام القليلة الماضية في مواكبة للتظاهرات الغاضبة الحاشدة والعاصفة في معظم مناطق البلاد .

الشرارة بدأت احتجاجية في وجه قرار رئيس بلدية اسطنبول بإنشاء مشروع في موقع متنزه غزي الذي يعد رئة المدينة الكبيرة التي يعيش فيها 17 مليون شخص، وهذا كان حافزاً لخروج سكان هذه المدينة ودافعاً لآلاف الأتراك لأن تتحول مسألة الحفاظ على البيئة إلى قاسم مشترك، ما أدى إلى إحداث تحول خلال ساعات في هذه العملية، إذ بعد هتافات المتظاهرين “أنقذوا الأشجار” حلت هتافات “استقل يا أردوغان” .

والتظاهرات التي بدأت في اسطنبول بأعداد يسيرة تحولت إلى انتفاضة من الأمواج البشرية وتواصلت وامتدت إلى عموم البلاد، وخلال الثلاثة الأيام الأولى جرت قرابة 90 تظاهرة حاشدة وكان ذلك في 48 مدينة تركية، وزادت بعد أربعة أيام إلى قرابة الضعف .

وحسب ما تناقلته الأنباء كانت ردود فعل السلطات هيستيرية واندفعت الشرطة لاستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، وكانت هذه السياسة موضع انتقاد من منظمة العفو الدولية، والانتقادات ترددت على الحكومة التركية من أصدقاء وحلفاء لها، ومن ذلك البريطانيون والأمريكيون .

المفارقة في هذا الشأن تداولتها وسائط إعلام بأن يقوم أردوغان نفسه الذي أعطى الزعماء العرب دروساً في الأخلاق وقت بداية الربيع العربي، بإعطاء قواته الأمنية الأوامر بأن تستعمل القوة لتفريق التظاهرات بصورة مبالغ فيها .

لاشك في أن ما جرى كان مفاجئاً، ولهذا كان التخبط والارتباك من قبل السلطات التركية . مردّ الصدمة أن أردوغان وأركان حكومته وقادة حزبه كانوا في ركون وثقة واطمئنان، فقد منحتهم فرص الفوز في الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين في البلاد الاعتقاد بأنهم باتوا سادة البلاد والعباد، وهذا ما عبّر عنه أحد الطلاب الأتراك الذي قال بعد قرار إخلاء الساحة من الشرطة: “معركتنا لم تنته، مازال يحكمنا رئيس وزراء يرى الناس مجرد خرفان ويعتقد أنه سلطان” .

إذا ما أشرنا في مقابل هذا الطرح الغاضب والحاد إلى أن حزب العدالة حقق من الإنجازات ما هي قابلة للوصف بالكبيرة، من ذلك اطّراد النمو بواقع 8% عامي 2010 و2011 ومضاعفة دخل الفرد ثلاث مرات، وتعميم التعليم والخدمات الصحية، فإن السؤال الذي يثار: لأي الأسباب تركيا مفتوحة على بركان؟

بعض المراقبين يشيرون إلى أن ما حدث من عاصفة جماهيرية شعبية في فترة زمنية قياسية وطالت عموم المدن في البلاد ستبقى مفتوحة على الوضع السائد في البلاد وعلى أوضاع تركيا بوجه عام .

هؤلاء المراقبون يعيدون هذا الانفجار إلى أسباب مباشرة، وإلى أوضاع تركيا المثقلة بالأزمات . في هذا السياق هناك الإشارة إلى السياسة التي يتبعها أردوغان وأركان حكومته وحزبه التي تتركز أولاً على الاستئثار بتركيا وإعادة تفصيلها على حزب العدالة، وهناك النيل من الحرية الشخصية للمواطنين وتقييد الحريات السياسية والفكرية وما ترتب عنها من زج المئات من الصحافيين والحقوقيين والناشطين في مجالات الحرية وحقوق الإنسان في المعتقلات .

وإلى هذا وذاك هناك ضبابية الطروحات “الأردوغانية” عن الدولة المدنية وتصادم الأقوال عن الدولة المدنية بالأفعال التي ترتدي مظلة دينية، وهناك الفساد المستشري وفي الأبرز الرشوة وهي صناعة تركية بامتياز .

“القلق” هذا ظهر على نحو إجماع من الأتراك الذين عبّروا عن أوضاع ومستقبل بلادهم . وما هو جدير بالإشارة إليه في هذا الشأن ما يرتبط بالدور التركي إقليمياً على وجه الخصوص، هناك استسهال مفرط وهناك الاستعجال والاستعراض، وهناك إلى هذا وذاك ما يوصف باستجرار الماضي العثماني الذي استقرّ تاريخياً في كان يا ما كان، والأخطر لعبة خلط الأوراق .

إلى تلك السياسات، هناك تركيا التي تبدو بالونية وفسيفسائية مزروعة بألغام الانقسام، هناك الانقسام الاجتماعي بين قلة مستأثرة بقدرات وثروات البلاد وأغلبية ساحقة محرومة من حقوقها في حياة كريمة وسعيدة، وهناك انقسام في شأن هوية تركيا التي تمتد بين قارتي أوروبا وآسيا، وبدلاً من أن يصير هذا الوضع جسراً للتواصل الحضاري والإنساني، بات يمثل عبئاً على هذا البلد وأبنائها بعد أن تحول إلى انقسام أيديولوجي علماني وديني محكوم بالصراع .

وتركيا شأنها شأن غيرها من دول إسلامية تعيش انقسامات مذهبية وطائفية ولم يتوافر لها مشروع إعادة بناء جامع لأبنائها بتعدد وتنوع مكوناتهم، ومن ذلك الأكراد الذين يمثلون حقيقة وجود غير قابلة للاختزال .

في أي حال لقد تركت موجات التظاهرات الاحتجاجية والمناهضة لسياسة أردوغان أثراً لن يمحى في المشهد السياسي التركي، لأنها “اندلعت في أنحاء تركيا بسرعة النار في الهشيم”، حسب صحيفة “ديلي تلغراف” التي قالت إن “هذه التظاهرات لم تأتِ من فراغ” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2177830

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2177830 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40