الأربعاء 5 حزيران (يونيو) 2013

الأمن المائي العربي في خطر

الأربعاء 5 حزيران (يونيو) 2013 par فيصل جلول

ليس “سد النهضة” الإثيوبي القضية الخطرة الأولى التي تواجه بلداً أو بلداناً عربية عدة في مصادر مياهها، أي في أحد أهم عناصر وجودها، فقد سبق لتركيا أن بنت سدًا بل أكثر من سد على نهر الفرات من دون أن تأخذ بعين الاعتبار تأثير ذلك في سوريا والعراق، ومن دون أن تلتزم بالمواثيق الدولية في هذا الحقل، وثمة من يؤكد أنها خرقت الاتفاقات الموقعة مع البلدين فكانت أزمة شبيهة بأزمة “سد النهضة” الإثيوبي، وكانت الإرادة التركية حينذاك هي الغالبة والطرف العربي هو الخاسر .

وإذا كان صحيحاً أن المبادرة التركية لم تقصم ظهر سوريا والعراق، فالصحيح أيضاً أنها تسببت بمآس حقيقية في أرياف البلدين وتركت تأثيراً كبيراً في مختلف أوجه الحياة فيها .

والجدير ذكره أن الرأي العام العربي انشغل جاداً بهذه المبادرة، وقيل إنها يجب أن تفتح أعين جميع الدول العربية على قضية المياه، وأن تتحول هذه القضية إلى بند أساسي في مداولات العرب، وبخاصة في جامعة الدول العربية، غير أن شيئاً من هذا لم يتحقق حتى اندلعت فجأة قضية السد الإثيوبي، وبدا من خلالها أن أديس أبابا القطب الإقليمي المركزي في القرن الإفريقي تريد أن تمد يدها إلى مياه النيل، غير عابئة بتهديدات الحكومة المصرية التي قالت مراراً إنها ستقطع اليد التي تمتد إلى مياه هذا النهر العظيم .

ما من شك في أن أحدًا لا يعرف بعد مصير المبادرة الإثيوبية ومآلها النهائي وسط تضارب خطر في المعلومات والتصورات، إلا أنها في كل الأحوال ستتسبّب بضرر للمصالح المصرية لا نعرف مسبّقاً حجمه ونوعه وأماكنه، وقد يدفع هذا الضرر إذا كان خطراً، نحو مجابهة حتمية بين البلدين، وإن لم يكن مأساوياً فلربما تمكنت القاهرة من التعايش معه وابتلاع آثاره .

والثابت أن “سد النهضة” الإثيوبي كما السد التركي قد انبثقا من انعقاد الإرادة المحلية في البلدين على علاقاتهما الممتازة بل المركزية مع الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وعلى ضعف وتخبط الطرف العربي من جهة أخرى، فقد استغلت تركيا أزمة العراق الشهيرة وعزلة سوريا وأقامت علاقات مركزية مع “إسرائيل”، الأمر الذي وفرّ لها تغطية إقليمية ودولية حاسمة لفرض مشروعها على العراق وسوريا . وتستغل إثيوبيا اليوم علاقاتها المركزية مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع “إسرائيل” لمد اليد إلى مياه النيل، مستفيدة من المرحلة الانتقالية في مصر بين نظام مضى وآخر لم يستقر وسط اضطرابات داخلية مؤلمة .

والواضح أن ما حدث من قبل وما يحدث اليوم هو نتيجة طبيعية للأسباب الآتية:

* أولاً: لأن الأطراف العربية حذرت مراراً من التعرض للأمن المائي العربي من دون أن تقرن التحذير بخطوات رادعة تجعل من التصرف بمصادر المياه العربية أمراً له عواقب وخيمة .

* ثانياً: لأن التقارير والأبحاث الدولية مافتئت تؤكد أن الحروب المقبلة في الشرق الأوسط ستكون حروب المياه من دون أن يؤدي ذلك إلى حملة تعبئة عربية واسعة تتوج بإجراءات جدية واستعدادات مؤكدة للدفاع بكافة الوسائل عن الأمن المائي العربي .

* ثالثاً: لأن الدول العربية كانت ومازالت منشغلة بخلافاتها الداخلية أكثر بما لا يقاس من انشغالها بمصالحها الحيوية، وإذ تنقلب أولوياتها من الخارج إلى الداخل تستغل الأطراف الخارجية هذا الواقع، وتمد يدها إلى المصالح العربية غير مكترثة بخطبنا الرنانة .

* رابعاً: لأن علاقات العرب الخارجية محكومة بالصراع مع “إسرائيل”، فالمجتمع الدولي يريد خضوعاً عربياً ل “إسرائيل” وتخلياً عن القضية الفلسطينية، وإذ يمانع العرب تجتمع الإرادة الصهيونية مع الإرادة الدولية لتغطي مبادرات عدوانية ضد هذا الطرف العربي أو ذاك ومن بينها التعرض لمصادر المياه .

* خامساً: لأن إثيوبيا من جهة، وتركيا من جهة أخرى، تعرف جيداً الأثر العميق للخلافات العربية وتدرك حجم ونوع هذه الخلافات التي تعطل العمل العربي المشترك وبالتالي الرد المشترك على التعرض للأمن المائي العربي .

سادساً: لأن “الربيع العربي” بالنسبة إلى إثيوبيا هو قضية داخلية وليس موجهاً إلى الخارج، وبالتالي لا خوف من تحول الموجات الشعبية العربية إلى ما بعد الحدود . ويبدو أن هذا التقدير ليس خاطئاً تماماً، فقد خلت الشوارع العربية من التظاهرات المليونية لنصرة غزة في الحرب الصغيرة الأخيرة التي شنتها “إسرائيل” على القطاع، ومن المتوقع أن تخلو الشوارع من الملايين في حالة سد النهضة .

* سابعاً: لقد تخلت مصر في العهدين الماضيين عن الاستراتيجية الناصرية في الدوائر الإفريقية والعربية والإسلامية، ولعل هذا قد أتاح انفصال جنوب السودان عن شماله في حديقة مصر الخلفية، وهو يؤدي اليوم إلى التعرض لمياه النيل التي تقع في أساس وجود مصر .

هل كنا بحاجة إلى “سد النهضة” الإثيوبي حتى ندرك أن أمننا المائي في خطر؟ هل نرد على هذا التحدي بما يليق به وبطريقة رادعة تقطع دابر التدخلات المشابهة في المستقبل؟ الرد على هذا السؤال ليس متاحاً مع الأسف الشديد .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2178631

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

52 من الزوار الآن

2178631 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 46


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40