الأربعاء 5 حزيران (يونيو) 2013

المؤتمر القومي والاحتقان المصري

الأربعاء 5 حزيران (يونيو) 2013 par د. محمد السعيد ادريس

كان الأمر سوف يختلف كثيرا لو أن المؤتمر القومي العربي كان قد عقد دورته الثالثة والعشرين العام الماضي في مصر بدلا من تونس‏. وقتها كانت الأجواء بين التيار القومي العربي والتيار الإسلامي وخاصة جماعة الإخوان المسلمين أكثر هدوءا, ولا أقول انسجاما. كان هناك نوع من الرضا والاعتزاز بما استطاع مرشح التيار القومي الناصري حمدين صباحي في انتخابات الرئاسة المصرية وحصوله علي ما يقرب من خمسة ملايين صوت رغم ضيق وقلة الإمكانات, ووقتها كان الإخوان أيضا في حالة ترقب واستعداد شديد لجولة انتخابات الإعادة الرئاسية بين مرشحهم الدكتور محمد مرسي والمرشح المنافس الفريق أحمد شفيق.

كان هناك حرص من الإخوان علي أن تدعم حملة حمدين صباحي المرشح الإخواني الدكتور محمد مرسي, وكانت هناك استعدادات في صفوف الناصريين لدعم مرشح الإخوان بقدر ما كان هناك ميل لتحييد الأصوات.

لكن المهم أن أجواء التوتر والصراع والعداء الراهنة بين الناصريين والإخوان لم تكن موجودة بهذا القدر قبل عام من الآن, لكن ما حدث من مشاحنات قبل انتهاء الجلسة الافتتاحية للدورة الرابعة والعشرين للمؤتمر القومي العربي كشف أن حالة احتقان غير مسبوقة باتت تفرض نفسها علي العلاقة بين هذين التيارين.

عندما تأسس المؤتمر القومي العربي عام1990 وعقد دورته الأولي في تونس كان هدف المؤسسين هو لملمة شمل أمة يكاد ينفرط عقدها بسبب ما أحدثته جريمة صدام حسين بغزو الكويت من انقسام في الصف العربي بين من تعجلوا فرض الحل العسكري لإنهاء الاحتلال العراقي للكويت كخيار وحيد, وبين من فضلو التريث وإعطاء الحل السياسي فرصته ليؤتي ثماره

في تلك الظروف خرج عدد من عقلاء الأمة علي رأسهم الدكتور خير الدين حسيب( العراق), والدكتور أديب الجادر( العراق, والأستاذ محمد البصري( المغرب), والأستاذ جاسم القطامي( الكويت), والدكتور أحمد صدقي الدجاني( فلسطين), وغيرهم لتأسيس المؤتمر القومي العربي ليكون مرجعية قومية تقدم الرأي والفكر وتسعي إلي ترشيد القرار السياسي العربي, واتفق علي أن تكون العضوية فردية لمن يؤمن بأهداف وحدة العرب وتحرير فلسطين, ومن وقتها, والمؤتمر يقوم بدوره في توازن دقيق بين مكوناته السياسية حيث انخرطت التيارات السياسية الكبري الأربعة في عضوية: التيار القومي( الناصريون- البعثيون- حركة القوميين العرب), والتيار الإسلامي, والتيار اليساري, والتيار الوطني الليبرالي ممن يؤمنون بالوحدة العربية كخيار استراتيجي للأمة.

الحرص من جانب أعضاء هذا المؤتمر ممن ينتمون إلي التيارات الأربعة علي إنجاحه ليقوم بدوره كمرجعية قومية, أي مرجعية تمثل الأهداف العليا للأمة العربية والشعب العربي كله في الوطن العربي الكبير من الخليج إلي المحيط حفزهم علي تمتين علاقة الثقة فيما بينهم وإعلاء شأن ثقافة التوافق والتعايش المشترك, من خلال تعظيم ما بينهم من توافق وتقليل ما بينهم من خلافات وإعطاء الأولوية للنضال المشترك من أجل خير الأمة في مواجهة أنظمة الاستبداد التي كان يعاني منها الجميع

وكدليل علي نجاح مساعي وجهود التوافق بين التيارين القومي والإسلامي علي وجه الخصوص داخل المؤتمر القومي العربي تم تطوير فكرة تأسيس مؤتمر مواز يضم القوميين والإسلاميين ليزيد من فرص تفاعلهم المشترك علي قاعدة العروبة والإسلام باعتبارهما ركيزتي الأمة... وكان هناك من العقلاء من ينادي بضرورة أن يزداد العروبيون إسلامية وأن يزداد الإسلاميون عروبة لتكوين كتلة تاريخية صلبة تكون قادرة علي قيادة مشروع عربي جديد قادر علي مواجهة مخاطر وتهديدات التحالف الصلب بين المشروع الصهيوني والمشروع الاستعماري الغربي

كل هذا تبدد بعد تفجر موجة الثورات العربية وإسقاط بعض رؤوس ورموز نظم الفساد والقهر والاستبداد بعد أن أظهر الإسلاميون حرصا شديدا علي أن يكونوا الوريث الشرعي لتلك النظم وأن يحتكروا, دون غيرهم السلطة, ويضربوا عرض الحائط بكل تراث ونجاحات سنوات التعايش المشترك وثقافة التوافق التي كانوا طرفا فيها.... فقد اعتبر أغلب قادة الإخوان أن مرحلة التعايش المشترك والتوافق تلك مرحلة مضت فرضتها ظروف معينة, أي أن التوافق عندهم كان تكتيكا هدفه الاحتماء بالقوي السياسية الأخري في مواجهة بطش النظم الحاكمة المستبدة, ولم يكن غاية أو هدفا استراتيجيا بالنسبة لهم... كما أظهروا أن مشروعهم الخاص قادر علي أن يقود منفردا وأن يؤسس لحكم إسلامي سواء تحت مسمي الخلافة الإسلامية أو أي مسمي آخر دون شوائب مشروعات القوي السياسية الأخري. وبعد فوز الرئيس محمد مرسي بالرئاسة جري تسريع عجلة التفرد بالسلطة والتخلي كلية عن فكرة وثقافة التعايش المشترك وما جري تدوينه في وثيقة فيرمونت بين جمع من السياسيين من مختلف القوي السياسية المصرية والمرشح الرئاسي الإخواني الدكتور محمد مرسي علي أن يحكم بمشروع وطني يمثل كل التيارات السياسية المصرية لا بمشروع إخواني ولا مشروعه الانتخابي, وأن يكون الحكم, علي الأقل في مرحلة انتقالية قد تمتد أربع سنوات علي أساس الشراكة الوطنية الجامعة... كل هذا تعمد الإخوان ليس تجاهله بل وازدرائه, وأسرعوا في إتباع خطي النظام السابق في الهيمنة والسيطرة الكاملة علي السلطة والحكم وإحلال القيادات الإخوانية محل قيادات غير إخوانية وبقدر سرعة أخونة المؤسسات بقدر ما كان الفشل هو المحصلة والدخول في طريق مسدود أمام كل الأزمات

كان المقرر تخصيص كلمة لشباب الثورة في الجلسة الافتتاحية تكريما لهذا الشباب وللشهداء واتفق علي أن يلقي الكلمة الدكتور أحمد حراره كرمز من رموز شباب الثورة لكن لم يتمكن من التواصل معه, وكان القرار هو أن يختار الشباب من بينهم من يقول كلمتهم دون وصاية أو تدخل فاختاروا الشاب محمود بدر منسق حملة تمرد الذي تحدث بجرأة غير معهودة للكثيرين من الحضور من أعضاء المؤتمر من كافة الدول العربية ما أدي إلي استنفار عدد من قادة حماس الذين انفعلوا بشدة وقرروا الانسحاب من الجلسة, وقبلهم كان الدكتور عصام العريان عضو المؤتمر قد انسحب أيضا قبل أن يلقي الأستاذ حمدين صباحي كلمته.

أجواء صعبة لكن احتواءها ليس مستحيلا في ظل ثقافة وتقاليد المؤتمر القومي العربي لكن المشكلة في من انقلبوا علي هذه الثقافة والتقاليد ليس داخل المؤتمر القومي العربي بل وبشكل عام في أدائهم السياسي, الذي يتهدد الوحدة الوطنية ويفاقم من أجواء الاحتقان والصراع بكل مخاطره والذي لن يتوقف دون العودة باحترام لثقافة التوافق والتعايش المشترك.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2165332

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165332 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010