الثلاثاء 4 حزيران (يونيو) 2013

الإسلام السياسي وإشكالية السلام مع «اسرائيل»!

الثلاثاء 4 حزيران (يونيو) 2013 par ناجي صادق شراب

الإسلام ليس مرتبطاً بحقبة أو بمرحلة زمنية معينة أو حتى ببروز جماعة أو قوة سياسية إسلامية، وليس مرتبطاً بحكم أو سلطة، بل هو حقيقة حياتية يدين بها أكثر من خمس سكان المعمورة، وهو حقيقة دينية لا يمكن إستبعادها من كينونة الحقائق الكونية . وهذا فارق بينه وبين حقبة الإسلاميين، أي حقبة صعود الإسلاميين للحكم والسلطة في أعقاب الثورات العربية التي أسقطت أنظمة حكم استبدادية سلطوية ما كان يمكن تصور الإطاحة بها، لتمنح القوى السياسية الإسلامية فرصة تاريخية في الوصول إلى الحكم، لسبب بسيط هو ضعف القوى السياسية المقابلة لها، ورغبة من الناس في منح هذه القوى فرصة الحكم من جراء ما رددته دائماً في خطابها الديني والسياسي من أنها حركات نقية لم يصبها الفساد، وتسعى لتحقيق الحرية والكرامة الإنسانية، وإن موقفها واضح بالنسبة لمعاداتها لقوى الشر من منظورها التي ينبغي التصدي لها، والمتمثلة في محور “إسرائيل” والولايات المتحدة . هنا تقع الإشكالية الكبرى التي تواجه هذه الحركات، لأنها هي التي تحكم، والحكم والسلطة لهما استحقاقاتهما الداخلية والخارجية . وهي الآن بين معادلة مزدوجة، ليس للإسلام كدين دور فيها، بل إشكالية الحكم، والقدرة على تثبيته والحفاظ عليه ليس لفترة رئاسية أو زمنية قصيرة، بل لفترة زمنية غير محددة، لأن الهدف الذي تسعى إليه هذه القوى أيضاً هو هدف غير محدد، وغير مرتبط بفترة زمنية أو بحدود مكانية، وهو هدف قيام دولة إسلامية أياً كان توصيفها، دولة أو خلافة .

والإشكاليات التي تواجه صعود الإسلاميين إلى قمة هرم بناء السلطة عديدة ولا حصر لها، وكل منها تحتاج إلى ورقة عمل مستفيضة، لكن أبرز هذه الإشكاليات، وأكثرها تعقيداً وتحدياً هو وجود “إسرائيل” كدولة في قلب الإقليم الذي يفترض أن تقوم عليه ما يسمى “دولة الخلافة الإسلامية”، وهو ما يعني بداهة التخلص منها واستئصالها أو على أقل تقدير احتواؤها . ويزداد الأمر تعقيداً أن المشكلة لا تكمن في كون “إسرائيل” دولة، ولكن في سعي “إسرائيل” لأن تفرض السلام الذي تريد، وأحد أهم مكونات هذا السلام ليس الاعتراف بها كدولة، لكن الاعتراف بها كدولة مركزية ومحورية يهودية لها دورها في تحديد حاضر هذه المنطقة ومستقبلها .

وهذا يتناقض تماماً مع مفهوم الدولة الإسلامية، بل إنه ينفيها تماماً .

هذه هي الإشكالية الكبرى، فكيف سيتم التعامل معها وبأي السيناريوهات والخيارات؟ وما يزيد الأمور تعقيداً أن العلاقة بين الإشكاليات التي تواجه صعود القوى الإسلامية هي علاقة تكاملية تبادلية، بمعنى أنه لا يمكن حل مشكلة انتظاراً لحل مشكلة أخرى، فالتعامل مع حقبة السلام “الإسرائيلي” يرتبط بتحدي الحكم واستمراره، ومرتبط بدوره بالتحدي الاقتصادي والقدرة على الاستجابة للاحتياجات والمطالب التي خلقتها الحراكات العربية التي تفوق قدرة أي حزب أو تنظيم في الحكم، إسلامياً أو غير إسلامي، لأنه مرتبط بالبعد الدولي، وبالقدرة على توفير المساعدات والدعم والمنح الدولية، أو بعبارة أخرى توفير المال الذي تتحكم فيه الولايات المتحدة و”إسرائيل” .

وإذا ما سلمنا بفرضية أن بؤرة التحديات أو البؤرة الأساس هي بؤرة الحكم والاستمرار فيه، فهذا له شروطه منها تحقيق إنجازات اقتصادية كبيرة وهذا خيار مستبعد في ضوء الانهيار والتراجع الاقتصادي، والأمر الآخر الإيفاء بالوعود الديمقراطية والقبول بقواعد الممارسة الديمقراطية وهذا أيضاً مستبعد . وكل هذا له ارتباط بشكل العلاقة مع “إسرائيل”، وللحفاظ على الهدف الأساس وهو الحكم لا بد من إيجاد حل للتعامل مع “إسرائيل” كدولة، وشروطها للسلام .

ففي السابق عندما كانت هذه القوى خارج الحكم استندت في مهاجمتها للحكم السابق، ولنزع الشرعية عنه إلى معاداة “إسرائيل” والولايات المتحدة، وتأكيد أن “إسرائيل” هي العدو الحقيقي الذي يواجه المشروع الإسلامي، ووقفت هذه القوى بجانب خيارات المقاومة، ولعبت قواها التنظيمية دوراً في هذه المقاومة .

الآن الصورة مختلفة تماماً، لم يعد الحكم السابق موجوداً، والحاجة كبيرة لكسب الشرعية الدولية التي من أحد متطلباتها الاعتراف ب”إسرائيل” . ولمحاولة الخروج من خيار المواجهة مع إشكالية “إسرائيل” والتسليم بوجودها بدت بعض مظاهر التغيير تبدو على الخطاب السياسي لهذه القوى التي ربطت ذلك باستجابة “إسرائيل” للتسوية السياسية مع الفلسطينيين، بقبول الدولة الفلسطينية، وقد يكون هذا أحد الخيارات للتعامل مع “إسرائيل”، لكن تبقى المشكلة الرئيسة هي التوفيق بين مشروع الدولة الإسلامية، وبين المشروع “الإسرائيلي” الذي يقوم على استبدال النظام الإقليمي العربي بنظام شرق أوسطي جديد محوره وقلبه “إسرائيل” .

مشروعان كل منهما ينفي وجود الآخر . . هذه إشكالية على القوى الإسلامية مواجهتها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 47 / 2165792

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165792 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010