الجمعة 25 حزيران (يونيو) 2010

فجوة الحقوق بين أمريكا والعالم

الجمعة 25 حزيران (يونيو) 2010 par د. محمد السعيد ادريس

يبدو أن العرب خاصة والمسلمين عامة أضحوا مطالبين بالقبول عن طيب خاطر بمقولة إن “ليس كل ما يأتي من الغرب شر”، فتجربة التعويضات الأمريكية التي استطاع الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يحصل عليها من شركة النفط البريطانية “بريتش بتروليوم” (بي .بي) من تعويضات أولية هائلة بلغت نحو 20 مليار دولار لدفعها إلى المتضررين من الشركات والأفراد من انفجار منصة إحدى الآبار النفطية للشركة في خليج المكسيك .

فعلى الرغم من أن القانون الأمريكي الحالي يضع سقفاً للتعويضات بقيمة 750 مليون دولار، إلا أن ضغوطاً سياسية متصاعدة دفعت الشركة البريطانية للقبول بقيمة 20 مليار دولار لتعويض أضرار الانفجار . المهم أن الرئيس أوباما بنفسه هو الذي قاد فريق التفاوض الأمريكي مع رؤساء ومديري شركة النفط البريطانية، واعتبر أن مبلغ ال 20 مليار دولار “ليس سقفاً” في إشارة إلى إمكانية طلب المزيد من التعويضات من تلك الشركة وفقاً لتطورات الأزمة واحتمالات انحسار أو تصاعد الخسائر ومدى قدرة الشركة على وقف التسرب وشفط النفط .

إدارة الأمريكيين للأزمة الخاصة بتلوث مياه خليج المكسيك من جراء انفجار البئر النفطية قد يراها البعض معركة مفتعلة أرادها أوباما ليحقق نجاحات يفتقدها شخصياً وتفتقدها إدارته بسبب فشل متصاعد للإدارة والرئيس في مواجهة المشكلات الداخلية والخارجية أسهمت بتدني شعبية الرئيس الذي يستعد لخوض المنافسة الضارية مع الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل .

وقد يراها البعض الآخر معركة “كسر عظم” بين شركات النفط الأمريكية والشركة البريطانية بدليل أن كبرى شركات النفط الأمريكية خاصة “اكسون” و”شيفرون” باتتا طرفين في الأزمة ضد “بريتش بتروليوم” .

معركة تصفية الحسابات هذه بين الشركات النفطية الأمريكية وشركة النفط البريطانية التي انخفضت جدارتها في السوق الائتماني “فيتش” إلى أدنى مرتبة استثمارية، وانخفضت قيمتها في السوق إلى ما دون 100 مليار دولار إثر ارتفاع خسائر أسهمها إلى 90 مليار دولار منذ 20 ابريل/ نيسان الماضي، ومعركة اكتساب التأييد التي يخوضها الرئيس الأمريكي وإدارته من التركيز على أزمة التسرب النفطي في خليج المكسيك، والحرص على تحقيق مكاسب ونجاحات غير مسبوقة في معركة “تبدو مفتعلة”، يمكن أن تفسر ما يحدث ضد شركة “بريتش بتروليوم”، لكن ما هو أهم من ذلك هو معركة أخرى أهم يخوضها الرئيس الأمريكي وإدارته، وتخوضها شركات النفط الأمريكية، تتعلق بمكانة الولايات المتحدة العالمية، ومفادها أن كل من يتجرأ على الولايات المتحدة أو أحد رعاياها، سواء كان هؤلاء الرعايا مواطنين أم شركات أم مصالح أمريكية، عليه أن يدفع أثماناً فادحة .

هذا المعنى المهم يقف كخلفية وكسبب أساسي وراء التضخيم الأمريكي للمشكلة والمغالاة الأمريكية في الحصول على التعويضات . لكن هناك معنى آخر لا يقل أهمية هو موقف الشركة البريطانية وموقف الحكومة البريطانية، فالشركة استجابت لكل المطالب الأمريكية من دون تردد أو تلكؤ والحكومة البريطانية التزمت الصمت (!) .

فتح هذا الملف من شأنه أن يقلب النظام العالمي رأساً على عقب .

ماذا ستفعل الدول الاستعمارية الكبرى إذا ما رفعت دول وحكومات تعرضت للظاهرة الاستعمارية والنهب الاستعماري والجرائم الاستعمارية قضايا تعويضات على بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا وهولندا وإيطاليا وغيرها من الدول الاستعمارية؟

جرائم لا تحصى ولا تعد، لكن لا أحد يبادر بتحمل مسؤولية طلب التعويضات ومعاقبة ومحاسبة كل المجرمين الذين اقترفوا تلك الجرائم ومطالبتهم بدفع تعويضات مادية ومعنوية مستحقة .

قد تكون هناك صعوبات لكن يجب أن نحاول وأن يكون عندنا من هو قادر على هذه المحاولة، خصوصاً أن ليبيا نجحت مع إيطاليا، في سابقة فريدة من نوعها، والجزائر مازالت تطالب بالاعتذار الفرنسي عن الاحتلال .

هل آن أوان أن نطالب بأن يدفع الأمريكيون تعويضات جرائمهم ضد العراق وأفغانستان، وأن يدفع البريطانيون والفرنسيون والأمريكيون مع الصهاينة أثمان جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني، جريمة اقتلاع شعب من أرضه ووطنه وزرع بقايا شعوب أخرى لتؤسس وطناً بديلاً في سابقة تاريخية غير معهودة؟

أسئلة مهمة تفتح ملفات كثيرة مازالت مغلقة تكشف مدى الفجوة في الحقوق بين الشعوب بين أمريكا والعرب وكل العالم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2165460

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165460 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010