الأحد 2 حزيران (يونيو) 2013

فلسطين بين«الدولة الواحدة»و«الدولتين»

الأحد 2 حزيران (يونيو) 2013 par علي جرادات

بداية، حريٌ توضيح أن بريطانيا بوصفها دولة انتداب على فلسطين، كانت أول مَن طرح “الدولة الواحدة” كخيار لحل القضية الفلسطينية، حيث دعت حكومتها في فبراير/ شباط 1939 إلى عقد مؤتمر يشارك فيه ممثلون عن العرب الفلسطينيين واليهود الصهاينة وممثلون عن حكومات العراق والسعودية ومصر وشرق الأردن، لتدارس حلٍ للمسألة الفلسطينية . وقد انعقد المؤتمر في لندن، واستغرق نحو أربعين يوماً، لكن فشله لم يمنع الحكومة البريطانية من إصدار “الكتاب الأبيض الرابع”، وجوهره:

إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية تشمل كل فلسطين الانتدابية، ويتمثل في حكومتها جميع سكانها من عرب ويهود على قاعدة التمثيل النسبي، وترتبط بمعاهدة مع دولة بريطانيا لمدة عشر سنين . ولما كانت الحكومة البريطانية تستمد شرعية حكمها لفلسطين من عصبة الأمم، فقد قررت عرض ذلك على اجتماع العصبة المقرر في 15 سبتمبر/ أيلول للمصادقة عليه، لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية قبل هذا التاريخ حال دون ذلك .

يتضح أن طرح بريطانيا خيار “الدولة ثنائية القومية” استهدف، في الجوهر، ما استهدفه قرار التقسيم لاحقاً، أي انتزاع موافقة دولية على صيغة ملموسة لتنفيذ “وعد بلفور” القاضي ب”إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين” . وهو ما يفسر مناهضة الحركة الوطنية الفلسطينية آنذاك لحلّيْ: “الدولة ثنائية القومية” و”التقسيم”، باعتبارهما شطباً لحق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير المصير عبر بناء دولته المستقلة الحرة والسيدة على كامل ترابه الوطني . لكن فقدان قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية آنذاك رؤية تربط بدقة بين مخاطر المشروع الصهيوني والمشروع الاستعماري الغربي، قادها إلى كثير من الارتجال في إدارة الصراع . وهو ما اتضح في غياب استعداد مسبق لمواجهة عقابيل انتهاء الانتداب البريطاني .

وبوقوع النكبة بنتائجها الصادمة، عدا تفكك الحركة الوطنية الفلسطينية، وفشل “حكومة عموم فلسطين”، تعمق الخطاب السياسي الارتجالي الذي تم تجاوزه في أطروحة “الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية على كامل التراب الفلسطيني وعلى أنقاض الكيان الصهيوني” . وهو الحل الذي طرحته في العام 1969 منظمة التحرير الفلسطينية، وتم توثيقه في ميثاقها الوطني، كثابت وطني أجمعت عليه فصائل الثورة الفلسطينية المعاصرة المسلحة كافة . وهو ما عكس وعياً سياسياً استراتيجياً بمخاطر الحل على أساس “دولتين لشعبين” أو “دولة واحدة ثنائية القومية” . وهي المخاطر التي أفصح عنها، بلا لبس، تمدد الكيان الصهيوني على كامل أرض فلسطين وتشريد أكثر من نصف شعبها وتحويله إلى لاجئين .

لكن هذا الثابت الوطني الفلسطيني الاستراتيجي لم يصمد، حيث عرضته قيادة منظمة التحرير لعملية تآكل متدرجة، بدءاً بطرح “إقامة سلطة وطنية فلسطينية على أي جزء يتم تحريره أو انسحاب العدو عنه”، (1974)، مروراً بالاعتراف بالقرار 242 في العام 1988 بهدف “إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967”، تعريجاً على إبرام اتفاق أوسلو والموافقة على “إقامة سلطة حكم ذاتي محدود” بأمل تطويرها - بالتفاوض المباشر برعاية أمريكية - إلى دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب “دولة “إسرائيل””، وصولاً إلى إلغاء البنود الأساسية للميثاق الوطني، ومنها بند إقامة “الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية على كامل التراب الفلسطيني وعلى أنقاض الكيان الصهيوني” . وكل هذا في ظل ثبات “إسرائيل” على سياسة الاستيطان والتهويد والتفريغ الصهيونية، عدا تكاثر وقائع هذه السياسة - تكاثراً بكتيرياً - على ما تبقى بيد الفلسطينيين من أرض فلسطين الانتدابية، ما يعني أن حدث النكبة التاريخي ما زال مستمراً، وأن خيار “حل الدولتين” صار - في الواقع - بلا أفق لدرجة أن يشدد أمين عام الأمم المتحدة، بان كي مون، (في خطابه أمام الجمعية العامة في سبتمبر/ أيلول 2012)، على أن “حل الدولتين هو الخيار الوحيد المستدام، لكن الباب قد يغلق قريباً وبشكل دائم” .

قاد كل هذا، فضلاً عن مواصلة قيادة منظمة التحرير سياستها وإحجامها عن إجراء مراجعة سياسية - بالمعنى الإستراتيجي والشامل للكلمة - إلى إحياء أطروحة “الدولة الواحدة” كخيار لحل القضية الفلسطينية، وتكاثر الداعين إليها من شخصيات ومؤسسات سياسية ومدنية وحزبية وأكاديمية وثقافية وصحفية فلسطينية تشاطرها الرأي ذاته شخصيات وجهات سياسية صهيونية “يسارية” هامشية . هنا، ولأن مفهوم “الدولة الواحدة” فضفاض ومتعدد المعاني والمضامين، فإن على الداعين من جديد إليه توضيح عن أي “دولة واحدة” يتحدثون؟

هل هي “الدولة ثنائية القومية” التي رامت - منذ البدء - حلاً ل”المسألة اليهودية” في فلسطين وعلى حساب شعبها، ما يعني اعترافاً بمشروعية عنصرية الحركة الصهيونية وبما حققه مشروعها على أرض فلسطين من استيطان وتهويد وتفريغ، وهو المرادف لنزع فلسطين الأرض والشعب من انتمائها العربي . فضلاً عن أن “الدولة ثنائية القومية” لا يمكن أن تفضي قط، (خاصة في ظل استبعاد عودة اللاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها)، إلى تفكيك المؤسسة العنصرية الصهيونية الراسخة في “إسرائيل” في الفكر والسياسة والاقتصاد والاجتماع والجيش والأمن؟

أو هي “الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية على كامل التراب الفلسطيني وعلى أنقاض الكيان الصهيوني” التي تعني حلاً ديمقراطياً يعطي مساواة كاملة بمعزل عن الدين والجنس والعرق . . إنما على قاعدة عودة اللاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها وتفكيك المؤسسة الصهيونية بالكامل بوصفها قوة غزو واقتلاع وابتلاع ورديف لمشروع استعماري غربي متحول في أشكاله ووسائله ثابت في مضمونه وأهدافه؟

قصارى القول: مع تعثر مسيرة “حل الدولتين” لدرجة التعذر لم يبق أمام الفلسطينيين إلا سبيل من سبيلين: الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية على أنقاض “إسرائيل” كبرنامج سياسي في إطار استعادة مسيرة الثورة الفلسطينية، أو أن تُفرض عليهم “الدولة الواحدة ثنائية القومية” كما دعا إليها “الكتاب الأبيض البريطاني” في العام ،1939 إنما بصيغة جديدة تكرس السيطرة الصهيونية وتحوّل “إسرائيل” إلى “دولة لكل مواطنيها” على قاعدة دستورية ليبرالية تعطي حقوق مواطنة زائفة . هذا ما يريده الجناح الصهيوني الأشد يمينية وتطرفاً، (وهو السائد على أية حال)، لأنه لا يريد التخلي عن “يهودا والسامرة” - الضفة والقدس - ولم يعد يخشى، كما تعلن رموزه، “دولة ثنائية القومية” بعد أن صار 85% من أرض فلسطين بقبضة الكيان الصهيوني بينما أكثر من نصف شعبها أصبح لاجئاً .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2176668

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2176668 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40