الجمعة 31 أيار (مايو) 2013

الموالون، ومسار الدولة في تربية الذئاب..؟

الجمعة 31 أيار (مايو) 2013 par سليم نقولا محسن

الأحداث السورية الجارية التي انعكست بدورها سلبا على ما يحيط ، ليست بالأمور البسيطة، فلقد استطاعت التوجيهات المتتابعة الممنهجة، أن تتغلغل عبر سطح الثقافات المتداولة، وأن تنشئ بدلا عنها مقولات فكرية جديدة مغايرة تماما لما كان سائدا، بواسطة أدوات محلية مخترقة غالبا ما اعتبرت بين السكان من أهل الإمامة أو الثقافة أكان أشخاصها من العملاء أو الأغبياء..
فالحرب الحديثة لا تقام فقط بواسطة الأدوات الحربية المتفوقة، وإنما أيضا بالعقل المتفوق، فما هو معروف أن من أبسط الأمور المعمول بها للتفوق على الخصم جعل هذا الخصم ضد ذاته، وإشغال فكره بما هو ثانوي من خلال التأكيد على اعتبار هذا الثانوي، هام وأساسي ومميت، مما يتيح عبر انشغاله فيه الانقضاض عليه.. وفي المسار ذاته اعتبار العدو بشكل ما صديقا منقذا، والانحياز إليه، وإلغاء الذات الفاشلة حسب الظن، وتوكيله لقصورها لتوليته أمورها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تهالكها،
فعلى سبيل المثال: هل كان أهل البلاد من احتل البلاد في فلسطين، وأن احتلال الصهاينة لفلسطين كان عملية إنقاذ لأهلها.. وأن حالة التشرد والبؤس والضياع والعيش في الشتات.. كانت مجرد خيالات وأوهام، فبعض ممن اعتبر يوما من المثقفين الفلسطينيين وإمعاتهم، ينحون في هذا الاتجاه، ويعمدون على حرق ألثورة الفلسطينية للتحرير والعودة، في أكثر من موقف مداور أو معلن، ويطبلون ويزمرون، ويهللون ويفرحون لأوجاع وانكسارات فصائل الثورة ومن يواليها أمام الاعتداءات الإسرائيلية، وصولا إلى حرق علم فلسطين بما يمثله من هويتها التاريخية ورمز وجودها، في دلالة واضحة على تسليم أمورهم إلى الأعداء، وإلغاء الذات، وإذا جاز القول الانتحار..؟
وليست هذه حالة فلسطينية فريدة، إنما عربية أيضا تتناول شرائح واسعة نسبيا في معظم الأقطار، وتنتشر بين مثقفي السلطات أداة ترويج سلعها الفكرية بشكل خاص، فهل كانت المطالبات الشعبية السابقة في وحدة البلاد العربية والحرية والتقدم بشكل ما مغلوطة أو خاطئة، وأن البديل عنها المنقذ كما يصورون هو الاحتلال ومخيمات البؤس والموت والإذلال.. لم تتبدل أدوات القهر ولا أشكال وطرق تنفيذها، ولا الدول الراعية لها ولا مفاهيمها، وأن مساحات واسعة من الكرة الأرضية من أمريكا اللاتينية إلى شبه الجزيرة الكورية إلى الصين سابقا والقارة السمراء وأفغانستان وأراضي العرب ومنها العراق شاهدا على ذلك.. أم أن كل ذلك قد غيب عن الذهن تماما، أو غطي بورود ومروج الربيعات..؟
إذن علينا تناول المسألة من مقترب آخر مختلف، وعلى غير ما هو متداول، فالثورة الجديدة المصدرة إلى شعوبنا وبلادنا، ليست وطنية لتحرير الأرض من الغاصب وإقامة دولة شعب الوطن الحر، ولا هي تقدمية من أجل إنجازات اقتصادية واجتماعية توصل إلى الوفرة وأمن وسلامة العيش، ولا سياسية من أجل توطيأات لمسائل الحرية والديمقراطية وتوظيفاتها السياسية كما يدعون، إنما هي أمر مختلف، واختلاق ثورة، هي مرتبطة بقضايا دولية وإقليمية وتوازنات عالمية للسيطرة والهيمنة على ثرواتنا وأراضينا وشعوبنا، وهذا ليس محل خلاف، ولا جدال عليه، لكن ليس هذا كل شيء.. فإن ما يحدث هو فوضى وخراب وإلغاء وموت وتهجير، يتم على غير ما هو متعارف عليه ومتوقع بواسطة وسائل جديدة أخرى وعبر أدوات مستعبدة وبائسة ومضطهدة، في بلادها ومواطنها، تستنفر وتوجه ضد شعوب تحاكيها وتجاريها في المأساة، وهي تظن أن بوصلتها صحيحة، وأنها في حربها المعلنة تروم الخلاص، لكن بقيادة عالمية خبيثة..؟
في زمن هيمنة الإمبراطوريات كان الأباطرة يلجأون، خوفا من تحرك أهل البلاد الأصليين، إلى تغيير تركيبة السكان، في دورية زمنية، لضمان ضعفهم وخضوعهم وولائهم، فيعمدون إلى تجديد مناطق توزعهم، فإما يهجرونهم إلى بلاد أخرى، داخل أقاليم الدولة وإما يبيدونهم، أما إن كانوا بحاجة إليهم وإلى مواطنهم لما يتميزون بقدرة نوعية على الإنتاج، فيأتون إليهم بسكان جدد يختلفون عنهم في طرق عيشهم ومسلكهم وعقائدهم، ويسكنوهم بينهم أو إلى جوارهم، وهؤلاء الجدد لا بد أن يرتبطوا بمن أسكنهم كمصدر عيشهم الوحيد وبطرق شتى، ويستعملون غالبا كقوة قامعة مرهبة ضد السكان الأصليين، وهذا ما كانت تفعله الدولة العثمانية في تاريخها، ولعل آخرها ما قامت به حكومة دولة تركيا الطورانية القومية الحديثة بحق مواطنيها، من الشعوب الأصيلة في الدولة، في مطلع الحرب العالمية الأولي، إذ أبادت شعب الأرمن في مجازر بشعة، وقبلهم الأكراد، وهجرت العرب، واليونان من أراضيهم وأراضي أجدادهم..واستولت عليها وأسكنت غيرهم..؟
في الأزمنة الحديثة ومع نشوء القوانين الدولية الجديدة التي تحمي حقوق الإنسان، التي منها حق الحياة والاعتقاد، وتغير المزاج الإنساني الدولي، لم يعد مستساغا القيام بمثل هذه الأفعال علانية من قبل الحكومات المعنية، اتجاه الشعوب المستهدفة المغلوب على أمرها، وإن كان يتم تنفيذ شبيه لممارساتها بطرق مواربة، لخدمة سياسات ومصالح دولية، كما مأساة تشريد شعب فلسطين عام 48 ، التي حدثت في ظلها، وحدوث مذابح عرقية وطائفية متعددة في مختلف أنحاء العالم، كما مذابح كوسوفو في البلقان، ورواندا في القارة السمراء، أو العراق، ذلك بعد أن يتم التحريض عليها خفية وتحت مسميات مخملية مختلفة والإعداد لها بإتقان، ولا يشذ آخرها عن ما سبقها تلك المتمثلة في أحداث مذابح اليوم في سوريا، التي تطال ألوانا من النسيج السوري باسم ثورة الحريات ودعاوي الجهاديات التكفيرية المستنحتة مفرداتها من التراث، والمستقدمة أدواتها من أنحاء البلاد،
إذن كان لا بد من استنحات طرق أخرى في تغيير تركيبة السكان، ليست العرقية أو الطائفية، أو اللغوية وما شابه في الدلالات الخلافية، أو اعتماد التغيير في جغرافية تواجدهم، وإنما بالسكان ذاتهم، ذلك في تبديل طرق المحاكمات العقلية فيما بينهم، ونظرتهم لذات الأمور المعروضة أمامهم.. بدءا من أماكن استنباتهم، من خلال قلب ظروف بيئاتهم الحياتية..؟
فعلى مدى عقود من الحكومات الوطنية الاستقلالية، تمت وفق ضرورات منها سلطوية أمنية إضافة لحاجة ترتيب الولاءات حول كل من السلطويات المستجدة، إعادة توزيع الثروات العامة والخاصة، وتبني دور الاضطلاع في مهام الاقتصاديات الاجتماعية الإنسانية وما يترتب عنها، تلك التي توفر الضرورات الحياتية كالخبز والوقود والخدمات التعليمية المجانية والصحية، وأساسيات المواد الأولية الحرفية والمستلزمات الزراعية، التي كان من نتيجتها إضافة إلى غيرها وإلى مركزية المشاريع وحصر فرص العمل في المدن الرئيسية، إلى استجرار مواطني الأرياف إلى أفخاخ الحضرية المدنية المغلوطة، فجرى حشر آلاف الخريجين الجامعيين الذين لا فائدة منهم في مشروعات خلبية خارج اختصاصاتهم، وإلى احتواء الآلاف ممن يمتلكون قوة العمل في تورمات الدولة الاقتصادية دون عمل وإنتاج مجدي، وقد استدعت حاجة إقامتهم إلى التوزع حول المدن في سكناهم كجسم غريب في بيوت البلوك الاسمنتي، الشبيهة بالمخيمات، والتي توسعت إلى أحياء غير نظامية في كل الاتجاهات، طبعت أبنائها في أنواع من السلوكيات الخاصة المتوترة، وهذه الأحياء جرفت في نموها الفوضوي حتى أراضي الزراعة القريبة المعدة لحاجات أهل المدن..؟
وكان من جراء نمو ظاهرة الفوضى السكانية المستجدة هذه، المخالفة للقواعد الأساسية في إقامة الدول والمجتمعات، إلى تبدل للمفهوم المدني القائم في وجوده على حاجة المجتمع إلى حكمة العدل، لنوع من المفهوم المدني الأهوج القائم على الردع الاستنسابي المتدرج في عنفيته إلى الظلم والطغيان والقهر، وتبعا إلى تواجد مجتمع مدني مزيف مظهري، إلى جانب المجتمع المدني الأصيل، يقوده الموالون الذين استولدوا بدورهم موالين من جنسهم، تمفصل أشخاصهم عناصر دائمة في مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية وفي نقاباتها واتحاداتها ومراكز القرار فيها، مما أدى ذلك إلى تبدل المفهوم الاقتصادي والقانوني والأخلاقي للمجتمع الجديد، وشيوع مفهومه من مجتمع يرتبط دخل الفرد فيه بما يقدمه من إنتاج مفيد إلى مجتمع يرتبط الدخل الفرد فيه لمستلزمات عيشه المتميز، وإلى رفاهيته الفاجرة، وتقويمه الاجتماعي على الموالاة، أو اللا مشروعية في الخروج عن رقابة السلطات وقوانينها.. وكان هذا من العوامل الرئيسية التي أدت إلى إلغاء محاكمة العقل، وإلى ضمور الفكر والإبداع والقيم المؤسسة على العمل والانتاج، وسببا في الفساد والإفساد وشيوعه، وبالتالي إلى نشوء شرائح واسعة من السكان شرهة لا تشبع، كل ما تقدمه، وكل رأسمالها ادعاء المولاة..؟
هذه الشرائح السكانية المتشكلة على تنوعاتها قد تميزت في غالبيتها من أفراد لم يعرفوا الارتباط بالإنتاج وعلاقاته، ولا آلياته الاجتماعية والأخلاقية، فلا مهارات حرفية لديهم ولا عمل لهم، أو يمكن إدراجهم عقب أن احتوتهم الدولة لقاء أجر شهري منتظم، ذلك في إشغالهم ضمن مشاريعها المستحدثة، أو في تضخيم جهاز الدولة الوظيفي والأمني والعسكري، ضمن آليات تقنيع البطالة، في خانة البطالة المقنعة، مما شكل كل هؤلاء وعائلاتهم ومن هو مرتبط بهم في الإعالة، تجمعات سكانية تزاوجت وتناسلت، وحصّل أفرادها العلم المجاني العالي أو البسيط ، وغادروا تقاليدهم ونسوها إلى ما اعتقدوا أنها حداثة ومدنية، وعاشت هذه على هامش المجتمع المدني المستقر وسلوكياته وعاداته ومعتقداته وأعرافه المتوارثة واقتصادياته الانتاجية، وإن تداخل اليعض من شرائحها أو أفرادها في سكناهم مع جغرافيته كجسم غريب..؟
حقيقة الأمر فقد تحول هؤلاء الهامشيون في طبائعهم وفكرهم إلى حالة ما قبل الاجتماع الإنساني واستقرار المجتمع، إلى حالة الأسروية الفردية المستقلة واقتصاد الصيد والالتقاط، وشبه حيوانية، لكن في صور أخرى، تتناقض ممارساتها العملانية الخفية والمعلنة حتى مع محفوظاتهم النصية للشرائع والأعراف والقوانين والقيم، فأضحت هذه غير مفهومة ولا قيمة لها، فالحرية لديهم هي نقيض مفهومها الوظيفي كضرورة للعمل الإنتاجي والسياسي، وتعني لهم التحرر من الكوابح التي تفرضها ضرورة الاجتماع الإنساني وقيوده وبالتالي الانفلات، وتعني الغنم والفجور والتخريب، فكل ما حولهم، أصبح مشاعا لديهم، وما يملكه الغير هو في اعتقادهم حق لهم قابل لوضع اليد عليه وامتلاكه واستهلاكه، إذا انتفى المنع عنه أو الخطورة، فلقد تحولوا إلى قطعان افتراسية في مظهرية آدمية، وحالة ذئبية كل شيء لديها قابل للالتهام.. فلا انتماء لها ولا أخلاق ولا أوطان.؟
وأن كل ما كان يحتاجه هؤلاء هو الفرصة المؤاتية لإعلان حقيقتهم، كي ينتقلوا مما هم عليه من الممارسة المواربة الخجولة المتعبة إلى الصريحة لإشباع فورات شهواتهم، ومن حالة التبعية المقيدة الممانعة في إطار الدولة والسلطة لضروارات التوازنات المجتمعية السياسية لاستمرار سيادية الدولة وبقائها ووحدة أبناء مجتمعها، إلى سياديتهم الهوجاء المشرعنة، لاختراق كل محظور، والتصرف بما ليس لهم، أو حقهم أو ملكهم.. فلذا لم يكن مستغربا من مثل هكذا تكوين أن يتواءم أفراده أو جماعاته مع دعوات الفوضى الوافدة والتدخل الغريب، وخلع الشرائع، وإزالة الدولة وتهجير الشعب والإبادة وخراب العمران، وبيع الأوطان والديار، وأن يستجيبوا للدعوات التكفيرية الجاهلية الوافدة ذات التركيب الفكري البسيط، بما يسمح من كم تبريري، عبر إسقاط كل ما هو قائم لإعلان دين الله، وإقامة دولة الإسلام، وكي يعلنوا أن كل ما حولهم دار حرب وكفر، وكل ما تحويه من بشر وضرع وشجر وأرض وثروات مغانم للمجاهدين المنصورين من الله..؟
فالمتتبع لتفشي هذه الظاهرة الوبائية السكانية في دولة ما ومنها سورية، وخاصة الدوائر الدولية ذات المصلحة المعادية، لا بد أن تلاحظها، وتواليها، وإلى أن تعمل على استغلالها وتفاقمها، وتجييش أفرادها وتجمعاتها، هذا إن لم يكن قد سبق وأن ساهمت في التأسيس لها، لتنفيذ مآربها ضد الدولة، فإن كان من الروادع التي تحبط انفلات همجية هذه الجماعات، هو الخوف على مصدر رزقها، وهنا الدولة، عملت على استبداله في عطاءات سخية تعويضية، وإن كانت القوى الردعية العاملة بموجب القوانين الاقتصاصية، عملت على إلغائها في إحداث الفوضى وإشغال الدولة وتعطيل مؤسساتها، وإن كان قد تبقى لدى البعض من أفرادها القليل من التقليد القيمي الاجتماعي والديني الموروث، عملت على إلغائه في مفهوم بديل يحلل الحرام ويمنح الثواب لما كان قد أوجب أو نهى عنه السلف..
ففي إحصائية معلنة شبه تقريبية ترافقت مع بدء الأحداث في سورية: قدر أن عدد الملاحقين قانونيا الصادر في حقهم أحكاما غيابية لقيامهم بأفعال جرمية، ما يقارب الستين ألفا، وهو رقم كبير يدلل على ما كان يعتري المسار الوظيفي للدولة من خلل، يداني المأساة، عدا عن ما كان من احتمالات مرجحة في أن يتشكل جيش تخريبي من هؤلاء الملاحقين بالإضافة إلى غيرهم، لبدء افتعال الأحداث السورية.. وهذا ما كان قد حدث..؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165925

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165925 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010