الثلاثاء 28 أيار (مايو) 2013

الاستقواء بالمصالحة

الثلاثاء 28 أيار (مايو) 2013 par ناجي صادق شراب

لعل من أبرز المظاهر اللاعقلانية والغرائبية في المشهد السياسي الفلسطيني هذه القدرة على التعايش والتكيف مع بنية الانقسام التي أصبحت متجذرة حتى على مستوى الفرد العادي، الذي لم يعد يبالي وغير قادر على التمييز بين الانقسام والمصالحة . ومن المظاهر اللاعقلانية أيضاً قدرة كل من القوتين الرئيستين المتحكمتين مواصلة الحديث عن المصالحة، ووضع الشعب الفلسطيني بل القضية الفلسطينية في داخل نفق لا نهاية له، وعدم قدرتهما على الجهر بصوت صريح بأنهما لا تريدان المصالحة، ولا أمل في التغلب على حالة الانقسام، وأن على الشعب الفلسطيني أن يكيّف نفسه مع هذه البنية الانقسامية . وهي الحالة الأقرب إلى الواقع، التي تتوافق أيضاً مع حالة التفتيت والانقسام على المستوى العربي، ومن باب أولى البدء في تثبيت الانقسام الفلسطيني الذي هو المدخل لتفتيت الكيانات العربية إلى كيانات صغيرة على أسس جديدة من المذهبية والطائفية والعشائرية والدينية .

ومع ذلك لا تقوى أي من القوتين الرئيستين على هذا الإعلان الصريح والواضح، وكل منهما يستقوي بالمصالحة، وينبري للدفاع عنها، وما زالتا متمسكتين بالتلويح بها، لأنها ما زالت هي سفينة النجاة الوحيدة لغرق أي منهما . وهذا الذي يفسر هذه التصريحات القوية في التمسك بالمصالحة كخيار استراتيجي، وباعتبارها مصلحة وطنية فلسطينية، وثابتاً من الثوابت الفلسطينية، والحقيقة عكس ذلك لأن الذي يفرض هذه الخيار هو الطبيعة الاحتلالية للأراضي الفلسطينية، وعدم إنهاء الاحتلال “الإسرائيلي”، وعدم قيام دولة فلسطينية . ولو توفرت هذه المعطيات، أي الدولة الفلسطينية الكاملة، وإنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” لأخذ الانقسام شكلاً آخر . ولكنها الحالة الفلسطينية التي يختبئ الكل داخل عباءتها، ولعدم قدرة أي منهما على تحقيق هذا الثابت .

وهنا تتضح بعض أبعاد الصورة الفلسطينية أنها حالة من عدم القدرة والعجز في إنهاء الاحتلال، وحالة من التبعية السياسية الخارجية، ورهن القرار الفلسطيني لحسابات إقليمية ودولية، وبالتالي المفاضلة هنا لمصلحة الانقسام الذي يتعمق مع كل يوم في غزة والضفة .

وعندما تغيب الثوابت، يبقى هدف الانقسام والانفراد بالحكم والسلطة قائماً، وحتى يبقى ويستمر الكل، فإنهم يحتاجون إلى غطاء ألا وهو ثوب المصالحة، والتمسك بمظاهرها، والاحتماء بها . وهنا تتعدد هذه المظاهر التي من أبرزها: التمسك بمسميات السلطة الوطنية الفلسطينية، وبمسميات الوزارات التي أوجدتها وأسست لها الانتخابات الفلسطينية الأولى نفسها وفقاً لاتفاقات أوسلو المنشئة للسلطة الفلسطينية، وما زالت المصالحة تعبر وتجسد نفسها بوحدانية الرئاسة الفلسطينية، التي على رأسها رئيس واحد للسلطة الفلسطينية، وبعدم القدرة على التخلي عن إطار منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وبوجود تمثيل دبلوماسي واحد يمثل سلطة سياسية واحدة، ووجود دولة فلسطينية واحدة حتى لو كانت تحت صفة مراقب، لكن لا أحد يستطيع أن يرفض اعتراف الأمم المتحدة بها . ومن المظاهر التي لن تستطيع بنية الانقسام أن تتغلب عليها هي وحدانية الشعب الفلسطيني وقدرته في الحفاظ على كينونته وشخصيته الوطنية، أو النكبة بكل تداعياتها وآثارها الاقتلاعية لم تطمس هوية هذا الشعب، لذا فإن الانقسام لن يقدر على تفتيت وتجزئه هذه الشخصية التي عجزت حتى “إسرائيل” عن طمس خصائصها وملامحها الوطنية، وهي السبب الرئيس في بقاء القضية الفلسطينية حية .

هذه هي الحالة الصعبة التي يعجز الفلسطينيون، وتحديداً فتح وحماس على فك رموزها، وإيجاد حل لها . والبديل لذلك هو التمسك بالمصالحة مظلة حامية وراعية للانقسام . لكن خطورة هذا الواقع أنه قد يصل ببنية الانقسام إلى مرحله يصعب التغلب عليها، واستئصال جذورها، لأنها ستكون قد وصلت إلى ما هو أعمق من بنية الانقسام السياسي، وهو الانقسام الذي قد يقود إلى تذويب وضياع القضية الفلسطينية . وهذا ما ينبغي التحذير منه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165358

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165358 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010