الخميس 24 حزيران (يونيو) 2010

اللاجئون الفلسطينيون في لبنان مأساة متواصلة

الخميس 24 حزيران (يونيو) 2010 par علي بدوان

لم يكن مفاجئاً هذا الاصطفاف الطائفي الصارخ الذي وقع في جلسة المجلس النيابي اللبناني الأخيرة، ورفض نواب كتل حزب الكتائب والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، تمرير نص مشروع القانون الذي تقدمت به كتلة اللقاء الديمقراطي التي يتزعمها وليد جنبلاط، والداعي لمنح حقوق مدنية للاجئين الفلسطينيين في لبنان (لاحظوا حقوق وليس الحقوق)، في العمل والتملك والاستفادة من الضمان الصحي والاجتماعي، وفق ضوابط محددة.

فقد كانت نتائج الجلسة البرلمانية للمجلس النيابي اللبناني المشار إليها مخيبة للآمال وأصابت اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وبكل مستوياتهم، وكل المهتمين بمآساتهم وبحقوق الإنسان بالصدمة والذهول، وأزالت كل أجواء التفاؤل التي سادت خلال السنة الماضية من إمكانية تحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بعد عقود طويلة من المواقف السلبية تجاههم، في ممارسات كادت أن تصل في مراحل معينة نحو التنكيل بهم (نعم نحو التنكيل بهم) داخل تجمعاتهم التي تحولت عبر الأيام إلى تجمعات مكتظة تحاصر آدميتهم، بنحو يشبه البانتوستانات والمعازل التي صنعها البيض الأوربيين في جنوب إفريقيا للشعب الأسود هناك.

وتكفي (مرارة اللجوء وذل النكبة) حرقة وألما شديداً في داخل كل فلسطيني، عندما يستعيد اللاجئ الفلسطيني في لبنان مشاهد العشرية الأولى والثانية من عمر النكبة، عندما كان (المساعد أو الرقيب) في الدرك والمكتب الثاني اللبناني (الاستخبارات العسكرية للجيش اللبناني) يسيطر على مخيم أو تجمع فلسطيني بأكمله وبيده السوط والكرباج المسلط على ظهور ورقاب الفلسطينيين في خطوات لم تكن بريئة لقصم أي نزوع وطني أو أي تداخل وطني للفلسطينيين في لبنان مع الشعب اللبناني وقواه السياسية الوطنية والعروبية.

ومن هنا، كان اللاجئ لفلسطيني في لبنان ومازال ضحية للعنصرية ولنظرة ورؤية القوى للطائفية المقيتة، التي تلوّح دائماً بسلاح وهمي عنوانه الخوف من التوطين، لكنها بلا خوف فعلي على ما سميه (الوجه الحضاري للبنان).

لقد أظهر اجتماع مجلس النواب اللبناني الأخير، ومواقف بعض الكتل النيابية، هذا الاصطفاف الطائفي المقيت الذي كاد أن يدمر لبنان في حقبة ماضية ليست بالبعيدة، ومازال إلى الآن يهدد لبنان العربي ومستقبله. فقد توحّدت القوى الطائفية المعروفة المختلفة فيما بينها، والتي جاءت بغالبيتها من متاريس الحرب الأهلية في أزقة وشوارع بيروت وعموم لبنان، لتتفق على موقف كريه مزمن لا يصب أصلاً إلا في صالح أعداء لبنان وفلسطين والأمة العربية، ولا يخدم إلا مخططات التهجير للفلسطينيين وسياسات التوطين، التي يرفضها الفلسطينيون أصلاً، ويقاومونها بكل إمكانياتهم، ولا يستبدلون فيها بقعة من أرض فلسطين حتى لو عرضت عليهم المعمورة بأكملها.

إن قرار المجلس النيابي اللبناني الأخير ورفضه منح حقوق مدنية (لاحظوا حقوق فقط وليس الحقوق) للفلسطينيين يعيد فتح الصفحات السود في تاريخ لبنان، وهي الصفحات التي أحرقت وجه لبنان الحضاري الذي يتحدث به بعض المتشدقين من الذين دأبوا على استخدام فزاعة التوطين في الاستهلاك الداخلي اللبناني، متلذذين بلعبة التكاذب والخديعة.

لقد آن الأوان للحديث بصراحة وجرأة عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذين رمت بهم عثرات الأقدار من نكبة إلى نكبة ومن كارثة إلى كارثة، وهم يئنون منذ سنوات طويلة تحت أوجاع الإجحاف الكبير الذي ألحقته بهم القوانين والتشريعات الرسمية اللبنانية، وفي وقت مازالت فيه المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأراضي اللبنانية، تغرق في البؤس الذي رافق نشوئها، وأصبح القهر سمتها الغالبة، بل وتخضع التجمعات والمخيمات إياها لسيادة المنطق “التمييزي الاضطهادي” تجاه الفلسطينيين، وهو منطق لم يكن ابن لحظته، بل كان تاريخياً هو المنطق السائد في التعاطي الرسمي اللبناني مع شعب شقيق لجأ إلى لبنان مؤقتاً بفعل ظروف قسرية.

ففي أحوال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يمكن القول بأن معاناتهم تختصر مأساة اللجوء والشتات، كما تختصر “ذل النكبة” التي رمت بهم إلى لبنان الشقيق المجاور لفلسطين دون إرادة مسبقة منهم، كما رمت بغيرهم من أبناء شعبهم إلى سوريا والأردن، ولكن الفارق بينهم وبين إخوانهم من أبناء شعبهم في سوريا أن التشريعات السورية أنصفتهم، وساوت بينهم وبين المواطن السوري في كافة الحقوق والواجبات، مع احتفاظهم بجنسيتهم الفلسطينية، وكذا الأمر في الأردن مع فارق وحيد يتعلق بتداخل الجنسية الأردنية مع الفلسطينية نظراً لخصوصية الأردن وخصوصية اللجوء إليه. وعلى سبيل المثال، أثبتت الوقائع أن اللاجئ الفلسطيني في سوريا من أكثر فئات المجموعات الفلسطينية اللاجئة تمسكاً بحقه في العودة، فلم تنسيه عملية المساواة التامة مع المواطن السوري بالحقوق والواجبات قضيته ووطنه فلسطين.

إن فلسطينيو لبنان مازالوا يعاملون معاملة الأجنبي وفق كافة القوانين والتشريعات اللبنانية، بما في ذلك غياب حق التملك، والحرمان من العمل في حوالي ثلاث وسبعين مهنة، والحرمان من حمل بطاقة العمل، وكل هذا مازال يتأتى منذ أكثر من ستين عاماً من نكبة فلسطين تحت شعار “محاربة التوطين” ؟

وهو الشعار الاستعمالي الاستخدامي الذي ولد نتائج سلبية مباشرة دفعت نهاية المطاف، بالآلاف من فلسطينيي لبنان للهجرة إلى خارج لبنان بحثاً عن التعليم وعن لقمة العيش، وستراً لغوائر الزمن، في وقت يحظى به عشرات الآلاف من أفراد العمالة الأجنبية الوافدة إلى لبنان، من سيريلنكا والبنغال وإفريقيا ودول الكتلة الشرقية سابقاً بحقوق العمل والإقامة الكاملة.

وزاد مع تواتر الشعار الاستعمالي المعنون بـ “محاربة التوطين” توالد الأصوات النشاز في مراحل معينة من أزمات لبنان الداخلية، التي سبق لها وان ملأت الأجواء صراخاً هستيرياً ضد الوجود الفلسطيني المسلح والمدني على حد سواء، متحدثة عن مخاطر “بعبع التوطين” المزعوم، ووصل الأمر في حينها أن وصف وزير لبناني سابق قبل عقدين من الزمن، اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بـ “النفايات البشرية” الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة في كافة الأوساط الفلسطينية والوطنية اللبنانية في ذلك الوقت.

هذا إذا ما تذكرنا بأن “هجرة وتطفيش” الفلسطينيين نحو البلدان البعيدة ترافق معها فعل مشبوه وغير بريء تمثل في تواصل عمليات التشطيب البطيئة في قيود وسجلات من يغادر الأراضي اللبنانية من اللاجئين الفلسطينيين نحو بلدان المهاجر البعيدة في كندا وأستراليا وغيرها، بينما يفتقد أكثر من (25) ألف فلسطيني من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة المقيمين في لبنان (نتيجة ظروف معينة) لأية أوراق ثبوتية أو سجلات نفوس عائلية، ويعيشون تحت الرحمة بين الطارق والسماء.

من هنا، على أصحاب الوجه الحضاري للبنان، أن يغادروا متاريس الحرب الأهلية وترسباتها بشكل فعلي وحقيقي، وعليهم أيضاً أن يغادروا مواقع الرهان على تحييد لبنان في الصراع الدائر في المنطقة (وبالطبع هذه ليست دعوى لإعلان لبنان الحرب على إسرائيل).

كما عليهم أن يمعنوا النظر قليلاً وليتحسسوا مدى الظلم والإجحاف الذي لحق ومازال بالتجمع الفلسطيني اللاجئ إلى لبنان منذ عام النكبة في واقع مرير أقل ما يقال فيه انه واقع غير إنساني، انطلاقاً من القول والتأكيد بأن حياة الفلسطينيين الكريمة في لبنان ليست هي التي ستوطنهم في لبنان، وبأن حياتهم الراهنة المليئة بالاضطهاد المقونن (قوانين المنع من ممارسة 73 مهنة مثلاً) ليست هي التي ستعيدهم إلى فلسطين يوماً قادماً، وبأن عدم إيجاد حل لأوضاعهم المزرية لن تريح لبنان، ولن تعطيه الاستقرار المنشود.

أخيراً هل يجوز أن تأتي المناشدات لإنصاف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ودعوات فك الحصار عن تجمعاتهم ومخيماتهم، فيما يذهب أحرار لبنانيون للمساهمة في كسر الحصار الإسرائيلي على غزة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 42 / 2165829

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165829 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010