الأحد 26 أيار (مايو) 2013

“إسرائيل” تتمادى برعاية أمريكية

الأحد 26 أيار (مايو) 2013 par علي جرادات

المواجهة الوطنية الفلسطينية مع العدو الصهيوني - في عمقها وجوهرها ونهاية مطافها - تتأثر، إيجاباً وسلباً، تقدم الأمر أو تأخر، ببعدها القومي العربي بالمعنيين الرسمي والشعبي . ولعل هذا واحد من أهم، إن لم يكن أهم، أسس الصراع التي على أطراف الحركة الوطنية الفلسطينية المتنوعة أن تعيها وتتشبث بها وتتصرف على أساسها، سياسياً وميدانياً، وعلى المستويين التكتيكي والاستراتيجي . وغير ذلك ليس إلا تجريداً للقضية الفلسطينية من عمقها القومي وفصلها عنه . وهذا إن حصل: بوعي أو بجهالة، إنما يصب الحَب في طاحونة أحد أهم الأهداف “الإسرائيلية”، بل الصهيونية، الاستراتيجية الثابتة .

لذلك، وبالنظر إلى ما تعيشه الحاله العربية من هزات عاصفة غني عن الشرح انعكاسها السلبي في المدى المنظور، وربما المتوسط، أيضاً، على النضال الوطني الفلسطيني الذي يعيش انقساماً داخلياً عبثياً مدمراً، لعله الأسوأ منذ انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، فإن من الطبيعي أن نشهد ما تمارسه الولايات المتحدة - بطلب “إسرائيلي” - من ضغط محموم لا حدود له لانتزاع تنازلات رسمية عربية جوهرية مسبقة تمس، بل تنسف، جوهر “المبادرة العربية للسلام”، بذريعة طمأنة حكومة المستوطنين “الإسرائيلية”، وتشجيعها على استئناف مفاوضات ثبت - بالتجربة - عُقْمُها، وصلف طرفها “الإسرائيلي”، وعداء راعيها الأمريكي للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية والتاريخية، وتأكد - بالتجربة أيضاً - مدى ما ينطوي عليه استمرار تجريبها من مخاطر، أقلها مواصلة السير وراء أوهام سرابها، المرادف للحيلولة دون مراجعة دروسها، وإعاقة إمكان بناء استراتيجية سياسية وميدانية وطنية فلسطينية موحدة جديدة تقوى على التصدي لما يتعرض له الشعب الفلسطيني وحقوقه، ولما تتعرض له أرضه تحديداً، من استباحة شاملة ومخططة، صار واضحاً أن هدفها تعزيز نجاحات 115 عاماً من تطبيقات المشروع الصهيوني الذي رام - منذ البدء - استيطان أرض فلسطين وتفريغها وتهويد هويتها بإقامة “دولة يهودية كما هي إنجلترا إنجليزية . .” . هكذا - بالحرف وعلانية وقبل قيام “إسرائيل” - قال حاييم وايزمان، أحد رؤساء الحركة الصهيونية .

وعليه، يجوز القول - بلا مبالغة أو تطيّر - إن ثمة جديداً نوعياً من الخطورة في مساعي وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، إلى استئناف المفاوضات بين “إسرائيل” وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية . فجون كيري هذا، وإن كان ليس المبعوث الأمريكي الأول الذي يواظب على الزيارات المكوكية إلى المنطقة بغرض تفعيل هذه المفاوضات، إلا أنه الأول الذي يحمل إلى قادة حكومة المستوطنين في “إسرائيل” موافقة رسمية عربية مجانية على فكرة “تبادل الأراضي”، المرادفة، ( بمنظور قادة “إسرائيل” على الأقل)، لاحتفاظ “إسرائيل” بالكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة والقدس . وهي الفكرة التي سبق لقيادة منظمة التحرير أن وافقت - بتأويل خاص - عليها . هذا علماً أن الولايات المتحدة تطالب بإحداث تعديلات جوهرية أخرى على “مبادرة السلام العربية”، تطال بنودها المتعلقة بحق عودة اللاجئين، وبدء التطبيع العربي مع “إسرائيل”، والاعتراف بها “دولة للشعب اليهودي” . والمهم أن الولايات المتحدة تطالب بكل هذه التعديلات عبر تقمصِ دور الراعي “النزيه”، وقبل بدء المفاوضات و/أو قبل التوصل إلى أية اتفاقات أو تحديد إطارها العام، ما يعني أن ما تطالب به الولايات المتحدة من تعديلات على “المبادرة العربية” يساوي - بالتمام والكمال - المطالب “الإسرائيلية”، بل الصهيونية، الهادفة - بلا لبس أو إبهام - إلى تصفية القضية الفلسطينية، رواية وحقوقاً وطنية وقومية وتاريخية .

إذاً، نحن هنا إزاء تطور نوعي في مستوى تماهي الموقف الأمريكي مع المطالب “الإسرائيلية” . فالولايات المتحدة بهذا الضغط على أسس الموقف الرسمي العربي من القضية الفلسطينية، تكون قد انتقلت من طور استخدام رعايتها للمفاوضات وسيلة لإدارة الصراع دون حله لإعطاء “إسرائيل” مزيداً من الوقت لتعميق الاحتلال وعمليات الاستيطان والتهويد، فضلاً عن تعميق الانقسام الفلسطيني وإطالة أمده، إلى طور استخدام هذه الرعاية مدخلاً لتوسيع التنازلات الفلسطينية المجانية المتسرعة السابقة، وتحويلها إلى موقف رسمي عربي . يشي بهذا التطور مسارعة وزيرة العدل “الإسرائيلية”، تسيبي ليفني، المكلفة إدارة ملف المفاوضات، إلى الترحيب بموافقة الوفد السباعي من وزراء الخارجية العرب على فكرة “تبادل الأراضي”، حيث قالت: “المهم هو أن “المبادرة العربية” لم تعد موضوعاً إما أن تأخذه كله، وإما أن تتركه كله، بل صارت موضوعاً قابلاً للتفاوض” . هذا علماً أن تسيبي ليفني هذه، (أيام توليها منصب وزيرة الخارجية في حكومة إيهود أولمرت)، كانت أول من طالب القمة العربية التي انعقدت في الرياض في العام ،2007 إجراء ما تطالب به الولايات المتحدة اليوم من تعديلات على “مبادرة السلام العربية” . ماذا يعني هذا الكلام؟

إن مطلب قادة “إسرائيل” اليوم، بدعم الولايات المتحدة ووساطتها، الاعتراف بكيانهم “دولة للشعب اليهودي”، ليس تكتيكاً أو تشدداً تفاوضياً، بل هو تصعيد سياسي نوعي يستغل ما تعيشه الحالة العربية من تحولات عاصفة وملتبسة المآل والنتائج، لفرض تسوية للقضية الفلسطينية، وفقاً للرؤية “الإسرائيلية” وشروطها التعجيزية التي لم تتزحزح، وأولاها، بل جوهرها، انتزاع اعتراف رسمي عربي وفلسطيني بما حققه المشروع الصهيوني على أرض فلسطين من استيطان وتفريغ وتهويد للهوية . وهو تصعيد غير مفاجئ، بل هو نتيجة طبيعية لمسيرة المشروع الصهيوني وصيرورته وهدفه النهائي .

في دراسته القيمة: (“إسرائيل” وجنوب إفريقيا - دراسة مقارنة)، يرى الباحث السياسي المصري، مجدي حماد، أن المشروع الصهيوني، كأي مشروع استعماري استيطاني آخر، انتقل - في أولويات تركيزه - من العمل على جلب المهاجرين اليهود ككمّ بشري يقتضيه إنشاء كيان مؤسساتي مرتبط بالأرض، إلى العمل على انتزاع شرعية دولية لدولة استيطانية تمارس التوسع والعدوان والتطهير العرقي . ونضيف: وصولاً إلى العمل على انتزاع الاعتراف بها “دولة للشعب اليهودي”، ما يعني أن سمة الديمقراطية العلمانية التي ألصقها بن غوريون ب”إسرائيل” يوم أعلن قيامها، لم تكن سوى إضافة زائفة لتسهيل كسب الشرعية من هيئة الأمم لدولة تطهير عرقي مارقة نشد مؤسسوها - منذ البدء - أن تكون “دولة يهودية خالصة على كامل أرض فلسطين” .

بقي القول: إن تجاهل الحقائق أعلاه وعدم التصرف على أساسها، لن يفضي إلا إلى إعفاء النفس من مواجهة مفروضة على الشعب الفلسطيني، خصوصاً، وعلى شعوب الأمة، عموماً . ف”إسرائيل” تتمادى في شروطها ومطالبها برعاية أمريكية لا لبس فيها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165241

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165241 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010