الجمعة 24 أيار (مايو) 2013

وعد العودة لايموت

الجمعة 24 أيار (مايو) 2013 par علي بدوان

مرت قبل أيام قليلة الذكرى الخامسة والستون لنكبة فلسطين وولادة المأساة الكبرى التي مازالت تجرجر ذيولها في المنطقة والعالم بأسره، بعد فقدان الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني، وإقامة الدولة العبرية الصهيونية على أنقاضه بعد أن كان كياناً عامراً بشعبه ومدنه وقراه في حيفا ويافا وعكا واللد والرملة وبيسان والناصرة وصفد وطبريه وفي كل زاوية من أرض فلسطين التاريخية.
كما مرت ذكرى النكبة الخامسة والستين، والأسى يعتصر كل لحظة جموع اللاجئين الفلسطينيين في الشتات وفي دياسبورا المنافي، الذين حرموا من رؤية النور تحت شمس وطنهم وبلادهم، وقد ولدت غالبية أجيالهم المتبقية على قيد الحياة خارج فلسطين في مخيمات وتجمعات المنافي.
على حدود الوطن الفلسطيني
اللاجئون الفلسطينيون يشكلون الآن أكثر من (65 %) من أبناء فلسطين، وغالبيتهم تقيم خارج أرض فلسطين التاريخية وعلى مقربة منها في سوريا والأردن ولبنان. فأبعد مخيم أو تجمع فلسطيني في دول الطوق (لبنان، سوريا، الأردن) هو مخيم (حندرات) الذي يقع قرب مدينة حلب وعلى بعد نحو (500) كيلومتر من حدود أرض فلسطين التاريخية، فيما تقع غالبية المخيمات والتجمعات الفلسطينية على مسافات قريبة من أرض فسطين وبعضها عدة كيلومترات كمخيمات الرشيدية والبص والبرج الشمالي والقاسمية جنوب لبنان، ومخيمي درعا وخان الشيخ في سوريا ...
وفي هذ الصدد، تشير المعطيات الموثقة بأن تعداد الشعب العربي الفلسطيني بات يفوق احد عشر ونصف مليون نسمة، منهم بحدود خمس ملايين ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وداخل المناطق المحتلة عام 1948، فيما يقيم خارج حدود فلسطين التاريخية نحو خمسة ملايين ونصف مليون نسمة من اللاجئين الفلسطينيين الذين تعود أصولهم الى المناطق المحتلة عام 1948 في الجليل والمثلث والنقب والساحل.
كما أن أعداد المواطنين الفلسطينيين المسجلين في قيود وسجلات وكالة (الأونروا) يبلغ الآن نحو (5.1) مليون لاجئ مع نهاية العام 2012 وبداية العام 2013، وهو الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين. علماً بأن اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية والمسجلين لدى الوكالة يشكلون ما نسبته (17.1 %) من إجمالي اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها، مقابل (23.8 %) في قطاع غزة غزة، ونحو (40 %) في الأردن، و (9.1 %) في لبنان، و (10 %) في سوريا.
كما تقول المعطيات إياها، بأن غالبية هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين، مازالوا يقيمون على حدود الوطن الفلسطيني في سوريا ولبنان والأردن، على آمل العودة الى فلسطين طال الزمن أم قصر، يشحذهم في هذا إيمانهم العميق بأن الحق لا يموت، مهما تَجَبّر الطغاة، ومهما إختلت موازين القوى. فموازين القوى ليست حالة استاتيكية سكونية وثابتة لا تتغير لأبد الأبدين، بل هي دوماً في حالة تحوّل وتبدل خصوصاً مع تعاظم المد الوطني والتحرري في العالم وتعالي أصوات الحق والعدالة بالرغم من هذا الإجحاف والظلم الذي تُعامل به قضية فلسطين من قبل بعض القوى النافذة في المجتمع الدولي، والتي لولاها لما استمرت الدولة العبرية الصهيونية في الوجود سوى لزمن محدود.
قوة الحق في مواجهة حق القوة
إن جموع المواطنين الفلسطينيين الموجودين في العمق وفي القلب داخل الجزء المحتل عام 1948 والذين يُطلق عليهم بعض الاعلام العربي والغربي زوراً وبهتاناً مسمى «الأقلية العربية في اسرائيل» أو «عرب اسرائيل» يخرجون كل عام وهذا العام في ذكرى نكبة وطنهم في فعاليات استثنائية، منها على سبيل المثال زيارة القرى والأوابد والبيوت المدمرة عام 1948، وقد أقيمت على أجزاء كبيرة من أراضيها المستعمرات الصهيونية لليهود الذين تم استجلابهم من بقاع المعمورة المختلفة للإقامة والاستيطان على أرض فلسطين. فالمسيرات إلى تلك القرى المدمرة ومنها قرية (الطيرة) في قضاء حيفا، ليست سوى تأكيد على أن الشعب الفلسطيني والأجيال الشابة منه التي لم تعاصر أحداث النكبة متمسكين بحقهم العادل في العودة إلى ديارهم ولم ينسوا أرض آبائهم وأجدادهم وقراهم التي دمرها الاحتلال والغزو الكولونيالي الاستيطاني الاحلالي الإجلائي الصهيوني لفلسطين.
في هذا السياق، إن دعاة تحطيم الآمال الوطنية، وأصحاب الخيبات، يرون بأن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم التاريخي ليست سوى أضغاث أحلام، وأن العودة باتت امراً طوباوياً خيالياً، بينما يراها اللاجئون الفلسطينيون في سوريا ولبنان والأردن حُكماً مقدراً، وأمراً لامفر منه حتى وإن طال زمن الشتات. فاللاجئون الفلسطينيون يقولون إن نصرهم قادم.
الآخرون يرونه بعيداً ويراه اللاجئون الفلسطينيون «قريباً، فالنصر صبر ساعة» وصبر ساعة في حياة الشعوب يعني مرحلة فاصلة قد تكون مديدة ومديدة، ولكنها تنتهي وإن طالت بانتصار (قوة الحق على حق القوة).
إن فلسفة (حق القوة) تتهاوى اليوم كما تهاوت في الماضي عندما انهارت إمبراطوريات وقامت دول، واستقلت قوميات، وعاشت الشعوب حرة في معظم بلدان العالم في عصر أفول الاستعمار التقليدي. وتلك الفلسفة إياها ستنهار في فلسطين فـ (قوة الحق) هي القوة العليا مادامت إرادة أصحابها باقية ومتقدة، وهو حال الشعب الفلسطيني الذي لم يتوقف عن إدامة كفاحه الوطني منذ وعد بلفور اللئيم عام 1917، حيث استمر شلال الدماء ينزف دون توقف حتى اللحظة على أرض فلسطين وفي كل مواقع العمل والتواجد الوطني الفلسطيني.
إن صرخات الأسرى في سجون الاحتلال تترافق هذه الأيام مع احياء يوم النكبة، لا كذكرى بل كيوم أسود في تاريخ الشعب الفلسطيني، لايتم شطب سواده إلا باستمرار العملية الوطنية الفلسطينية، وعلى طريق عودة كل الفلسطينيين إلى أرض وطنهم التاريخي.
إن قوة الحق لا يمكن أن تكون فلسفة أو فكرة طوباوية، بل هي قوة الحياة ذاتها التي لايستطيع كائن مخلوق في دنيا الوجود أن يفرملها أو أن يوقفها عن الدوران، أو أن يلجم حركتها الأبدية. والشعب الفسطيني في هذا المضمار يواصل مسيرته المعبدة بالتضحيات والضحايا، وكله أمل بأن فجر الانتصار سينير سطعاً في سماء فلسطين، هناك في قلب الوطن المغتصب عام 1948 وفي عموم الوطن المحتل عام 1967 .
إن العبرة في يوم النكبة، تُحتم على الجميع في الساحة الفلسطينية ضرورة العودة لإعادة بناء الوضع الذاتي الداخلي الفلسطيني، وطي صفحة الانقسام الأسود، وإسدال الستار عليه، فلا انتصار مع وجود حالة التمزق والانقسام، ولا إنجاز ممكن مع بقايا الوضع الفلسطيني متشظي ومنقسم على حاله. فنداء الوحدة الوطنية بات الآن يَصُمُ الأذان وهو يدوي وينطلق على لسان الشارع وعامة الناس في فلسطين والشتات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2177273

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177273 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40