الخميس 24 حزيران (يونيو) 2010

الدور المحوري الجديد لتركيا وتغير قواعد اللعبة في منطقة الشرق الأوسط

الخميس 24 حزيران (يونيو) 2010 par د. سولي أوزيل

بداية من المواجهات مع إسرائيل حول غزة ومروراً بالاتفاق النووي الثلاثي الذي وقع مؤخراً بين تركيا وإيران والبرازيل، كانت تركيا في بؤرة الضوء والاهتمام العالمي مؤخراً. ولأن حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم ينتمي للتقاليد التركية الإسلامية، ينظر عدد كبير من الأشخاص إلى سياق الأحداث التي وضعت تركيا في بؤرة الاهتمام العالمي مؤخراً على أنها نتيجة للتحول الفكري في السياسة الخارجية التركية.

ولكنني أؤكد بأن معظم هذه الحوادث، بما في ذلك حادث الهجوم الدموي الأخير على سفن أسطول الحرية الذي يمكن أن يكون قد غير طبيعة العلاقات التركية الإسرائيلية إلى الأبد ينبع من أسباب بنائية تتعلق بالرؤية التركية الجديدة لنفسها “كقوة مركزية” في منطقة الشرق الأوسط على نطاق واسع.

وتمتلك تركيا وإسرائيل رؤى مختلفة جداً حيال الأوضاع الراهنة في منطقة الشرق الأوسط لدرجة أن أولوياتهما وتوجهاتهما السياسية أصبحت غير قابلة للتوافق بشكل متزايد. وهناك أيضاً شعور بالمنافسة بين البلدين. وتحت مسمى “الشراكة النموذجية” التي أثارها الرئيس أوباما في زيارته الأولى إلى تركيا، الدولة ذات الأغلبية المسلمة بعد انتخابه لرئاسة الولايات المتحدة، تعتقد أنقرة بأنها تستطيع صياغة علاقة جديدة مع الولايات المتحدة كشريك أساسي لها بالمنطقة، في عملية سوف تقوض بشكل حتمي من وضعية إسرائيل في المنطقة كشريك مفضل للولايات المتحدة تحرص واشنطن على حمايته.

والمفتاح الأساسي لتنفيذ رؤية تركيا هو استقرار الأوضاع الشرق الأوسط، والاعتماد على التكامل الإقتصادي والإستقرار السياسي في المنطقة. وتحقيق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين هو الشرط المسبق الوحيد لهذا الوضع، ولكن السياسات الإسرائيلية الحالية تعوق الطريق إلى السلام. وما زالت اسرائيل مصرة بثبات على عدم رفع الحصار عن قطاع غزة، كما أنها تمتنع عن الإلتزام بشكل جاد تجاه عملية السلام المقبولة. وتعتقد تركيا بضرورة رفع الحصار المفروض على قطاع غزة وحتمية التوصل إلى طريقة لإشراك حركة حماس في العملية السياسية، وهو مشروع طموح بكل تأكيد.

وفي نفس الوقت، تستمر تركيا في التواصل مع إيران، على الرغم من الانتقادات القائلة بأن طهران تستغل هذه الجهود لشراء الوقت من أجل تخصيب المزيد من اليورانيوم. وتستمر تركيا في إثارة قضية الترسانة النووية لإسرائيل في كافة المنتديات العالمية. وفي هذا الشأن، يبدو أن ثبات تركيا قد آتى ثماره. فقد مرر مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي، الذي عقد في نيويورك مؤخراً، قراراً بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، يطالب اسرائيل بإتاحة المجال أمام المفتشين الدوليين لفحص برنامجها النووي.

وفي ضوء هذا السياق الكبير، ينظر إلى الغارة الإسرائيلية الدموية والقاسية على سفن أسطول والتي لم يكن لها أي مبرر أو داعٍ بشكل واسع في تركيا على أنها نتيجة للقرار الإستراتيجي الذي اتخذه الإسرائيليون لإحباط هذا النشاط الجديد.

وحتى إن كان هناك صوت أيديولوجي إسلامي محدود يمكن إدراكه فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الحالية لتركيا تجاه إسرائيل، فإن المشاركة المتزايدة لتركيا في منطقة الشرق الأوسط بشكل واسع قائمة في الأساس على تحقيق المصالح التركية، ويجب أن تفهم على هذا النحو. وهؤلاء الذين يصرون على طرح تفسير إسلامي للسياسة الخارجية الجديدة لتركيا يغفلون تماماً الانفتاحات التي طبقتها تركيا في علاقاتها تجاه الدول غير الإسلامية في منطقتي البلقان والقوقاز بخلاف روسيا.

والرؤية التي يمكن شرحها بشكل واضح عن نشاط تركيا الجديد الذي تحركه المصالح يأتي من أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية الحالي؛ حيث يرى أوغلو أن موقع تركيا في محيط ما يطلق عليه اسم “الفضاء الأفريقي الأوروبي الآسيوي” الذي اتحدت فيه الإمبراطوريات الكبرى في يوم من الأيام يمكنها من الارتقاء إلى وضعها “كقوة مركزية” في المنطقة بأكملها. وعبر القضاء على الصراعات مع جيرانها، فسوف تتمكن تركيا من تعزيز قيادتها الإقليمية ولعب دور عالمي جديد في البيئة الإستراتيجية لمرحلة ما بعد الحرب الباردة.

ويرى أحمد داود أوغلو أن ثمة أربعة مبادئ توجه العلاقات مع الدول الإقليمية الأخرى، وهي :

(1) تأمين منطقة الجوار اعتماداً على التفاهم الأمني المشترك.

(2) الدخول في حوار سياسي على مستوى عالٍ مع الجميع.

(3) الترابط الاقتصادي في العلاقات الإقليمية من خلال تجاوز الحدود عبر خلق مناطق تجارة حرة (وقد رفعت تركيا والعديد من دول الجوار شروط التأشيرة للمسافرين ووقعت على عدة اتفاقيات مع دول الجوار في مجالات التجارة والنقل والاستثمار.

(4) التعايش والتناغم مع الثقافات والديانات المتعددة.

ويترك بروز تركيا كدولة واثقة بشكل متزايد، أو ربما كدولة مفرطة الثقة وكلاعب مستقل نتائج مهمة على شكل الطبيعة الجغرافية السياسية خلال العقود القادمة. وبعدما واجهت رفضاً واضحاً كدولة تطمح في عضوية الإتحاد الأوروبي، قرر الرأي العام التركي أن تركيا من الأفضل لها أن تشق طريقها بمفردها.

والأمر المثير للسخرية أن تفكك الاتحاد الأوروبي سوف يؤدي إلى ضعف دور هذا الكيان في النفوذ العالمي، وسوف تصبح تركيا أكثر أهمية كدولة إقليمية.

وسوف يتم تعريف العلاقات عبر الأطلسية لتركيا بشكل متزايد من خلال علاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة بدلاً من تعريفها كجزء من أوروبا إذا لم تأخذ العلاقات الأوروبية التركية منحنى جيدا للأفضل خلال فترة قريبة. ويمكن أن تسبب إيران من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، عقبات خطيرة لنموذج التعاون الجديد بين الولايات المتحدة وتركيا، كما يمكن أن تصبح تركيا لاعباً أساسياً في المساعدة على حل هذين الصراعين. وفي كلتا الحالتين، سوف تقف العلاقة الجديد على أساس متساوٍ بشكل أكبر من أي وقت في التاريخ الحديث.


titre documents joints

Turkey’s emergence as a center power in the Middle East is a game changer

24 حزيران (يونيو) 2010
info document : HTML
77.5 كيلوبايت


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165622

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165622 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010