الجمعة 24 أيار (مايو) 2013

يائير لابيد الحمل: بعد أن علم أن أباه ذئباً !

الجمعة 24 أيار (مايو) 2013 par د.عادل محمد عايش الأسطل

لا خلاف بين اثنين، بأن المواقف العربية المتذبذبة بالنسبة إلى القضية الفلسطينية منذ حدوثها وإلى وقتنا الحالي، هي من الدوافع الرئيسة وراء التشدد الإسرائيلي بشأن التوصل إلى حل عادلٍ وشامل للصراع العربي- الإسرائيلي بشكلٍ عام. تلك المواقف المبنية على التراجعات والتنازلات العربية لصالح الطرف الأسرائيلي من جهة، والضعف السياسي والعسكري العامين، أمام التحديات الإقليمية والدولية المختلفة من جهةٍ أخرى، جعلت التيارات الحمائمية والأقل تطرفاً داخل النخبة والشارع في إسرائيل، لأن تغير شكلها السياسي والأيديولوجي في طرحها للقضية الفلسطينية إلى أقصى درجة، واضطرتها إلى ارتداء أقنعة الصقور الكاسرة، نحو أيّة مشروعات سياسية باتجاه تسويةٍ ما للأزمة المزمنة والصراع الدائر.

فبعد أن كان من أولى مبادئ “يائير لابيد” - حامل لواء الطبقة الوسطى- التي تضمنها برنامجه الانتخابي أوائل هذا العام للوصول إلى الكنيست، هو إيجاد صيغة مناسبة تهدف إلى استئناف المفاوضات السياسية مع الجانب الفلسطيني. بمعنى، ضرورة تقديم تنازلات إسرائيلية مهمة تعمل على استمالة الفلسطينيين وزيادة الرغبة لديهم، للعودة إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى تحقيق الهدف النهائي وهو (حل الدولتين) لشعبين، دون ذكر (دولة يهودية)، كما كان معارضاً على مسألة إقامة مستوطنات جديدة، أو شرعنة بؤر استيطانية داخل حدود الضفة الغربية، باعتبارها هي التي تقف عثرة أمام استئناف المفاوضات وتحول دون تحقيق السلام.

الشيء المدهش هو أن “لابيد” بعد فوزه في الانتخابات بـ 19 مقعداً داخل الكنيست – وهي نسبة كبيرة ومهمة حيث جاءت في المرتبة الثانية بعد الليكود بيتنا- هادن في مبادئه ومواقفه المعلنة، لا بتفاوض مهم مع “بنيامين نتانياهو” حول السلام مع الفلسطينيين، بل بأحاديث ودّية مع زعيم حزب البيت اليهودي “نفتالي بينيت”. الأصولي الديني والأقرب إلى اليمين المتطرف، لا لشيء مشترك بينهما- كما خال لنا- سوى الإطاحة بقوة (الليكود بيتنا) برئاسة “نتانياهو” والسعي إلى إرساله إلى مكان لا وجود فيه لأيّة قيمة يمكن أن تٌذكر، إلى جانب بعض الأمور الثانوية الداخلية.

لقد تبخر كل ما صدر عن “لابيد” سريعاً، وكأنّ أحدهم أنبأه بأنه من جذور يهودية توراتية وبأنه لآباء وأجداد صهيونيين حقيقيين، وهو ملزم باتباعهم والاقتداء بآثارهم، حيث رفض منذ علمه بذلك، جملة الأفكار الداعية إلى تجميد الاستيطان، بما فيها الدعوات الأمريكية والغربية الأخرى، لأنه وكما الرأي الدارج فقد رأى أن الاستيطان أهم لديه من السلام، كما ادعى بأن القدس عاصمة إسرائيل الأبدية ولا يجوز تقسيمها أو التنازل عن أي جزءٍ منها بأي حال وتحت أي ظرف.

كشفت تصريحات “لابيد” بأن إسرائيل وحكوماتها –يمينية أو يسارية- لا تريد السلام. كما أنه لا فرق بين الأحزاب اليسارية أو اليمينية في إسرائيل وأن كل الأحزاب الإسرائيلية تتبنى مشروع الاستيطان، وتتقاطع في نهج التنكر لكافة الحقوق الفلسطينية، وهي تريد المفاوضات غطاء لمشاريع التوسع ونهب الأرض الفلسطينية وتهويدها. ولا يوجد على أجندتها سوى مشروع واحد، وهو تقويض حل الدولتين. حيث برزت مؤخراً أصوات من خلال مسؤولين إسرائيليين تنادي بضرورة إلغاء مشروع حل الدولتين والسعي إلى إقامة الدولة اليهودية الكبرى.

علاوةً على ما تقدم، فإن تصريحات “لابيد” حملت بداخلها أفكاراً عنصرية وتطرفاً صارخاً ومغالطات كثيرة، تتنافى مع القوانين والشرائع الدولية، فبالإضافة إلى زعمه أن من غير الملائم المساواة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فإنه رأى أن بالإمكان العودة للمفاوضات والاستمرار في البناء الاستيطاني وزعمه هذا، لا معنى له سوى أنه ضد العدل الذي يعيد للفلسطينيين حقوقهم، الذي كان ينادي به قبل ركوبه موجة اليمين الصهيوني، واستقراره على مقدمتها.

يعلم “لابيد” بأن السياسي الذي يحترم نفسه لا يمكنه أن يغادر المباديء التي وضعته في موضعه، مقابل أي شيء أو من أجل أي شيء. “لابيد” غير جلده في كل مرة، حيث بدا لا يتميز عن غيره من الصهيونيين أصحاب فكرة إسرائيل الكبرى. حيث أكدت أفكاره الآتية، أنه لا جدوى من التفاوض مع حكومة “نتانياهو” التي ينتمي إليها ويُعتبر هو أحد أقطابها، حيث تتبنى الاستيطان نهجاً، وتتنكر للحقوق العادلة للشعب الفلسطيني.

إذاً فهو منذ الآن وصاعداً، قد سطّر اسمه في سجل المتشددين والأكثر تطرفاً من الصهيونيين والحريديين معاً. وما دام الأمر كذلك، فإن ما يمليه المنطق علينا جميعنا، أن لا نفترض قدوم أي حلٍ للقضية الفلسطينية، من خلال حكومة إسرائيلية جامدة، حمائمها بدت أشد قسوةً من صقورها. وعلى الفلسطينيين عدم الركون إلى مثل هذه الحكومة، ولا إلى الإغراق في جلب الآمال، بشأن أيةّ مفاوضات مقبلة، خاصةً في ظل تسارع الإهداءات العربية المتلاحقة لإسرائيل، التي كانت ولا تزال لها الباع الأطول، لإيصال الأمور إلى ما وصلت إليه من حال النقص والشرذمة، حتى تتراجع تلك الإهداءات أو تتوقف على الأقل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165504

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165504 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010