الأربعاء 22 أيار (مايو) 2013

باسم يوسف.. القط المصري الذي اخترق كل العوائق

الأربعاء 22 أيار (مايو) 2013 par لينا أبو بكر

باسم الطفل الذي جعل من أوباما رئيسا’، هو العنوان العريض على غلاف مجلة الاقتصاد والأعمال الأمريكية اFirst Companyب مع صورة للفتى كريس هيوز، الذي قاد حملة أوباما الانتخابية للفترة الرئاسية الأولى.
إنه طفل إذن، أو صبي صغــــير، كما رآه الإعــلام الأمريكي، ولكنه الطفل المعجزة، الذي ألهب مشاعر الناخبــــين بخطابات استطاع أوباما أن’يتقمصها حتى بدا أنه صاحبها فعلا، وبها اخترق البيت الأبيض لأول مرة في تاريخ السلالة البيضاء لأباطرة الكاوبوي، فكان من حيث يدري او لا يدري ـ وعلى يد هذا الطفل ـ يعيد مجد أجداده الأفارقة الذين سبقوا كولومبس إلى العالم الجديد.
كريس هيوز ابن العام 1983، ينتقل من قيادة الحملة إلى قيادة الناخبين، حيث خصص له أوباما مكتبا في البيت الأبيض، ليدير صفحة الرئيس على الفيسبوك، الـــتي ضمت وقتها سبعة عشر مليونا من المعجبين، كان يتواصل معهم باسم الرئيس شخصيا.. ليصبح الفتى، شئنا أم أبينا، رئيسا فيسبوكيا لأمريكا، علما بأن الفيسبوك يُعتبر المجال الخامس للعمليات العسكرية، بعد البر والبحر والجو والفضاء، حسبما صرح وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس، فمن أكثر أهمية من الآخر يا ترى: الرئيس الافتراضي أم الواقعي؟
ربما تسهل الإجابة لما نعرف أن الصين التي تضم ثلث سكان العالم ترفض حتى الآن التعامل مع موقع الفيسبوك والتويتر وتحظرهما، لإدراكها مخاطر الوقوع في فخ الاستخبارات الإعلامي الحديث، رغم أن إدارة الفيسبوك لم تزل تتفاوض معها حتى بعد ابتكارها لنظامين بديلين هما (رنرن وسينا) استخدمهما حتى العام 2011 مئة وأربعة وخمسون مليون شخص، من أصل خمسمئة مليون مستخدم للإنترنت فيها.
كل هذا يدل على أن الزعامات المعاصرة تتكئ في وجودها وديمومتها على ترسانة إعلامية تكفل لها عنصري التحقق والاستمرارية، ومن يرفع الريس أو يخلعه بالضرورة هو ‘ابن … إعلام’! ولو افترضنا أو تخيلنا هكذا أن ‘الولد’ هيوز، أصابه أمر ما في دماغه، فخرج عن إطار الشخصية الفيسبوكية المفترضة للرئيس، هل سيسقط الرئيس يا ترى وقتها؟ ويضربه الناخبون بطماطم الشبكة العنكبوتية مثلا؟
نهاية التاريخ قد تكون على يد أنستغرامي مهوس أو تويتري محنك، أو إعلامي قرر أن يتحول إلى كاهن يوزع صكوك’الغفران على أعوان الدكتاتوريين بعد حفلات انقلاب تنكرية، ويُلقي الشعب في سلة المهملات الوطنية، أو على يد إعلامي جراح قرر أن يجري عملية استئصال ورم رئاسي من فخذ نعجة جف ضرعها ولم يزل ركابها يبيعون حليبها الافتراضي في المزاد الإعلامي.
فكيف يمكن أن يخرج الزعيم من غرفة الجراحة بلا قُطب ولا خدوش؟
أما الجراح فهو باسم يوسف، الذي هدد عرش الرئيس، لتتدنى مستويات التأييد الشعبي له إلى أكثر من النصف، مما يعني أن ليلة القبض على برنامج ‘ البرنامج’ لم تكن خطوة احترازية، وقد فات اوانها، إنما خطوة تهديدية بما ان مبدأ الضحك الذي يقوم عليه البرنامج ليس من اجل الضحك والسخرية فقط إنما لتحريك الوعي وتفعيل الإرادة، متخطيا حاجز الخوف تماما، مادام الرئيس نفسه تحت المجهر.
يوسف أول إعلامي عربي يهز عرش النظام بقهقهات الشعب، القهقهة التي تشي بمرونة تُحول الواقع إلى مشهد كوميدي للتخفيف من وطأته، من دون الاستكانة له، فالسخرية أرقى أشكال الثورة المصرية التي تتدفق منها روح النكتة الشعبية وثقافة التهكم وخفة الظل. وبين هيوز ويوسف شعرة، فأحدهما يصل بالزعيم إلى العرش، والآخر ينحيه!
وبين جدية حملة الناشط الإعلامي كريس هيوز وطابع حملة باسم يوسف التهكمي، يصبح الأول أشبه بمن يلعب رياضة الهبوط بالمظلة على أعلى قمة الهرم الإمبراطوري المعاصر، (البيت الأبيض)، وهبوطه ضمان لأمنه، طالما أن الارستقراطية السياسية هي الحاضن الأساسي له، وقد يلعب بالحرية كرهان فقط من أجل ضمان سلامة الهبوط.
أما صاحبنا المصري فهو لاعب الباركور الأكثر مهارة بين ‘الترايسورز′ لأنه وطوال فترات القفز وتخطي الحواجز، يمارس فنا قتاليا من أجل التصدي للخوف والعوائق، للظفر بالمزيد من الحرية، والقتال هنا لابد أن يظل في إطاره الفني كي لا يفقد مبدأ السيطرة بالمهارة، وليس بالعنف، مما يعني عدم الوقوع في فخ الجد في برنامج كان أساس نجاحه وتأثيره، الهزل الفني الهادف والواعي! مع الاحتفاظ بأكبر كمية ممكنة من الطاقة من دون استهلاكها إلى حد النفاد.
لاعب الباركور، قادر على ابتكار قفزات جديدة وترويض أخرى ضمن التزامه بالشرط الفني، وبين الابتكار والالتزام يكون الاتزان، إلى الآن لم يزل باسم يوسف يمشي على قمة الحاجز بتوازن معقول، وما يمارسه من دحرجات محتملة هو ضرورة لامتصاص الصدمة بعد الهبوط، مادام متمرسا وبالفطرة على لعب فنه القتالي بكامل رشاقته حتى على أكثر الجدران وعورة.
إعلام باسم يوسف لا يلمع الرئيس على طريقة البويهجية، الذين تكاثروا في عهد المباركية، ولا هو إعلام الهبوط بالمظلة على طريقة هيوز، الذي لا بد أن يكون سقوط أوباما – لو حصل – سقوطا له بالدرجة الأولى، مما يدفعه للشره لالتهام المزيد من الأصوات، كي يبقي الرئيس رئيسا، والافتراضية مبدأ وجودي له، فيصبح تطرفه همه الشاغل وليس شعارات حملته.
إعلام قفز الحواجز الذي ابتدعه المصري باسم يوسف، سجل سبقا في تاريخ الثورة الإعلامية التي جاءت حصادا مثمرا لثورة احبطتها القوى الحزبية وتطورات المشهد السياسي المضمر في كواليس اللعب مع الكبار. وربما يكون لقاؤه مع جون ستيوارت فنا قتاليا، لقفز حاجز وهمي طالما أن التطرف يتعلق في أحيان كثيرة بأصحاب اللحى الشقراء أيضا، والحذر يكون واجبا وطنيا في هذه الحالة، فلهذا الغرب مآرب ليس أولها الحرية، أو الاحتفاء بالأحرار حول العالم .
أذكر على سبيل المثال وليس الحصر لحروب اللحى الشقراء، لقاء الإنكليزي المتطرف ستيفن سكور صاحب برنامج ‘الهارد توك’، مع رئيسنا الفلسطيني بالتبني الراحل تشافيز، وقد تعامل مع هذا الرئيس من منطلق المحقق وليس المحاور، لمجرد أن تشافيز لا يقف في طابور المعسكر الغربي، بل وله رؤيته المناهضة له، وهو تعبير عن الحرية، التي تصبح من المحرمات لما يتعلق الأمر باسرائيل ومن وراءها.
كان الزعيم تشافيز ذكيا وماهرا أمام حروب التطرف الشقراء، حيث رفض اتهام سكور له باعتقال رفيق نضاله لمجرد أنه خالفه وقال له: ‘انا اعتقلته لانه متهم بالفساد، هل تريدني أن أغفر له فساده لمجرد أنه صديقي؟’.
باسم يوسف مع ستيورات كان محقا لما أخبره أن المتطرفين في مصر سيتهمونه بالعماله لأمريكا’واليهود على وجه الخصوص، وهذه حقيقة مرة يواجهها الكثير من المثقفين والإعلاميين العرب، لما يرسخون حضورهم واسمهم في الغرب، غير أن قول الحقيقة أمام أصحاب اللحى الشقراء يجعل الحقيقة عرضة للخطر، لأن التطرف ليس مقصورا على جماعة السلفيين في مشرق مدجج بسوء الظن وثقافة التخوين.
الحاجز الوهمي في هذه الحالة يصبح أكثر الحواجز خطورة على الإطلاق، لأنه موجود رغم أنك لا تراه، ووهميته أصل وجوده،’وكل ما يحتاجه باسم يوسف في هذه الحالة هو المرونة والثبات والذكاء المضاعف لقفز الحاجز حتى لو لم يتمكن من رؤيته.
لم تكن باربرا وولترز بحاجة إلى أكثر من لقاء واحد كي ترى في القذافي ما لم يكن يريدها أن تراه، فهو لم ينظر لها أبدا خلال الحوار، وهو ما دفعها لكشفه: ‘لقد كان خائفا’ …
كشْفُ ما هو ليس مرئيا لا يحتاج أبدا إلى نظارات أو حتى إلى عينين، عند الإعلامي يحتاج فقط إلى مخالب كي تمكنه من القفز بثبات وتوازن، وهو ما سنظل نتوقعه من الجراح الإعلامي باسم يوسف.
ليس لدينا أدنى شك بمهارة هذا القط المصري الذي اخترق كل العوائق لينتصر بالقفز وحده، وهذا كفيل بتطوير مهارة الحرية والمضي قدما، لا بل والبحث عن المزيد من الحواجز، من أجل الظفر بحرية اختراقها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2166058

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

28 من الزوار الآن

2166058 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010