الأربعاء 22 أيار (مايو) 2013

هل تخشى« إسرائيل» الإسلاميين؟

بقلم:د. ايمن مصطفى
الأربعاء 22 أيار (مايو) 2013

في الصراع السوري تحليلات كثيرة واستنتاجات اكثر، ولكل طرف طريقته في التحليل والاستنتاج استنادا إلى موقفه وزاوية نظره للصراع. ومن الاستنتاجات المثيرة حقا تلك التي تقول بأن اسرائيل تخشى من زيادة نفوذ الاسلاميين في سوريا لذا فهي تسهم في الابقاء على نظام الاسد في الحكم. إن القول بأن اسرائيل تخشى الاسلاميين في السلطة في دول الجوار لا تعززه الشواهد، بل ربما كان العكس هو الصحيح.
منذ ثمانينات القرن الماضي والتحليلات الاستخباراتية الاسرائيلية، التي يعتمد عليها الاميركيون الى حد كبير في تقرير سياساتهم في المنطقة، تقوم على ان الاسلام السياسي هو القوة الوحيدة القادرة على “ضمان الاستقرار” في دول المنطقة كبديل عملي لانظمة الحكم التقليدية الحليفة للغرب. ومنذ قمع العسكر لمحاولة وصول الاسلاميين الى السلطة في الجزائر مطلع التسعينات من القرن الماضي، والاميركيون يعملون ـ لا يمكن ان يكون بعيدا عن التنسيق مع حليفهم الرئيسي في المنطقة ـ على استكشاف امكانية التعامل مع الاسلاميين كحليف يعتمد عليه. وكانت القوة الرئيسية في تيار الاسلام السياسي ـ اي الاخوان المسلمين وامثالهم في بقية دول المنطقة ـ تسعى حثيثا للتواصل مع الاميركيين لتقدم نفسها بديلا للانظمة العسكرية او المدعومة من العسكر.
ويصعب تصور ان كل تلك المحاولات لم تكن تتقاطع مع الاسرائيليين ـ ولو بشكل غير مباشر عن طريق وسطاء من المنطقة او خارجها. وقد بدأت بشائر ذلك تظهر منذ صعود الاخوان المسلمين، وقوى الاسلام السياسي عموما، الى السلطة في الدول التي شهدت تغييرات تعرف اعلاميا بوصف “الربيع العربي”. فالاخوان المسلمين في مصر ـ وبرعاية قطرية وثيقة ـ حريصون على العلاقات مع اسرائيل بقدر حرصهم على ضمان دعم واشنطن. وربما يقدمون للاسرائيليين “خدمة العمر” بتسوية الصراع في فلسطين بأفضل شروط ممكنة لاسرائيل وباتفاقات مع حركة حماس في غزة تبرر اي تنازلات فلسطينية فيما يتعلق بالارض والسيادة وخلافه. ربما يرى البعض ـ عن حق ـ ان النظام المصري السابق لم يكن حريصا على الوصول إلى تسوية للإبقاء على دور اقليمي. لكن الصحيح ايضا ان النظام السابق ـ وسنده الجيش والمخابرات ـ لم يكن مستعدا لاجبار الفلسطينيين على تفريط لن يتورع الاخوان عن امر حماس به طلبا لود تل ابيب وواشنطن.
هناك بالطبع رد منطقي هنا، وهو ان قوى الاسلام السياسي تختلف عن الجماعات المتشددة المسلحة التي تخشى منها اسرائيل في سوريا. للوهلة الاولى قد يبدو الامر كذلك، لكن لو استثنينا حزب الله اللبناني ـ الى حين ـ فإن كل الحركات “الجهادية” ليست مشكلتها اسرائيل وليس تحرير القدس الا شعارا لفظيا ترفعه من باب لغو الحديث الديني لكن سلاحها وتفجيراتها تستهدف مسلمين اخرين اكثر من اي اجنبي. ولعل تجربة “الجهاد” في افغانستان، وما تلاه من عنف يستوطن الان افغانستان وباكستان، مثال جيد على ما تستهدفه تلك الجماعات التي تقاتل في سوريا الان وليس هدفها “تحرير الجولان”. ولا نحتاج إلى الذهاب بعيدا، فما يجري في العراق خير مثال على كيف “تخدم” تلك الجماعات اهداف الاسرائيليين ـ ولو بشكل غير مباشر ـ بمواصلة تدمير ذلك البلد الذي شكل في فترة ما رديفا لما كانت تسمى “دول المواجهة” في حروبها مع اسرائيل. وبغض النظر عن التفاصيل، والحجج والاقاويل، فإن القوى الاسلامية ـ سياسية وعنيفة ـ هي التي اخرجت اهم بلدين عربيين من خارج “دول الطوق” من اطار الصراع مع اسرائيل: اي الجزائر والعراق.
لا يود المرء ان تبدو الخلاصة ان الاسرائيليين والاميركيين يقررون مصير المنطقة ومن يحكم فيها ومن يقود، وبالتالي بما ان الاسلاميين يصعدون فإن اسرائيل وراء ذلك الصعود. فمهما كان العامل الخارجي مهما ومؤثرا لا يمكنه ان يحسم امور شعب ما لم يكن هذا الشعب سائرا في الطريق ذاته. لكن لا شك ان الاسرائيليين ـ وان لم يرحبوا علنا بتقدمهم ـ لا يخشون صعود الاسلاميين إلى السلطة ولا انتشار جماعات العنف الموصوفة بالاسلامية. فتلك القوى والجماعات انما تبقي على دول المنطقة في حالة تفتت وصراعات داخلية تؤدي بالتفريغ السلبي إلى استمرار تفوق اسرائيل. بل ان تلك القوى والجماعات كفيلة ـ في المدى المتوسط ـ بالنيل من القوتين الاقليميتين الاخريين اللتين توازنان اسرائيل وهما تركيا وايران.
لا اتصور ان اسرائيل، التي تعمل على تعزيز يهوديتها (اي دولة دينية) تخشى الاسلاميين، بل ربما يكون وجودهم في السلطة عاملا مساعدا لادعائها الديني وترسيخ اقدام الاحتلال في المنطقة اكثر. ويجب الا نتجاهل حقيقة بسيطة، تكاد من بساطتها الا تلفت الانظار، وهي ان دولة الاحتلال الاستيطاني في فلسطين قامت على اساس ديني (باعتبار فلسطين وطنا موعودا لليهود بعد الشتات) بغض النظر عن مدى صحة ذلك الادعاء. وحتى استغلال الصهاينة للدين ما هو الا تماثل قوي اخر بينهم وبين الاسلاميين الجدد لدينا، سياسيين كانوا ام جهاديين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 6 / 2165640

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165640 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010