الأربعاء 22 أيار (مايو) 2013

عصافير السجن وخارجه

الأربعاء 22 أيار (مايو) 2013 par أمجد عرار

في فبراير/ شباط الماضي استشهد المعتقل الفلسطيني عرفات جرادات في سجن مجدو . لم يقتله المحققون مباشرة، ولا هو استشهد من نوبة قلبية كما زعم الاحتلال . ما ظهر لاحقاً أنه اغتيل بأيدي عملاء الاحتلال في قسم العملاء المسمى “العصافير” في سجن مجدو . لم تتوقّف المنظمات الحقوقية الدولية عند هذا الأسلوب الإجرامي .

قبل بضعة أيام نشر تقرير إعلامي تناول ظاهرة العملاء الذين يدسّهم الاحتلال الصهيوني في أوساط المعتقلين الفلسطينيين والعرب في السجون، وقد اعتاد الأسرى الفلسطينيون على إطلاق مسمى “عصافير” على هؤلاء العملاء . التقرير عرض شهادات لمعتقلين خاضوا التجربة وانتزعت منهم اعترافات عبر هؤلاء العملاء، لكنّه لم يقدّم صورة واضحة لهذه القضية ودلالاتها، وما يمكن أن يترتب عنها من إسقاطات حتى خارج السجون، باعتبار أن هذا يحتاج إلى شرح طويل .

هذه الظاهرة، من حيث الدور والأسلوب والإسقاطات على الصراعات خارج السجن، جديرة بالانتباه ليس من جانب الفلسطينيين فحسب، بل من خارج الدائرة الفلسطينية لأن العقلية الصهيونية التي تعمل في السجون، هي ذاتها التي تعمل في أي مكان . في مرحلة التحقيق يتقصّد محققو الاحتلال زرع عملاء في الزنازين باعتبارهم معتقلين على ذمة قضايا وطنية، وعندما يضع المحققون معتقلين معهم يحاول هؤلاء العملاء عن طريق الخداع انتزاع معلومات منهم، فينجحون في حالات ويفشلون في أخرى، ارتباطاً بوعي الأسير . لكن الاحتلال طوّر أساليبه وعمد إلى تجميع العملاء الفارين بعد اكتشافهم من جانب الأسرى، في أقسام داخل السجن نفسه يطلق عليها أقسام “العصافير”، بحيث يصار إلى تحويل المعتقل غير المعترف إلى هذه الأقسام بعد أن يوحي له المحققون بأن التحقيق معه قد انتهى .

عندما يوضع المعتقل في إحدى غرف “العصافير” يجد نفسه ضمن ظروف تشبه الصورة الموجودة في ذهنه عن السجون، ويقدم “النزلاء” أنفسهم له باعتبارهم “مناضلين” في فصائل المقاومة ومنفذي عمليات فدائية، ويطلبون من المعتقل تقريراً يتضمن انتماءه وأسماء مناضلين في تنظيمه لكي يتم إبلاغهم بهدف “أخذ الحيطة والحذر”، وأسرار أخرى لم يعترف بها .

أحد المعتقلين روى أنه أسّر ل “العصافير” أنه ألقى أربعمائة وخمسين زجاجة مولوتوف على مركبات الاحتلال . هو لم يفعل ذلك لكنه اضطر لارتداء ثوب البطولة لأن هؤلاء قدّموا أنفسهم كثوار لكل منهم قائمة من العمليات الفدائية، فأراد أن يبرهن لهم أنه ليس أقل منهم .

في الصراع المحتدم يلجأ كل طرف لتطوير أساليبه، ولهذا اعتمد الاحتلال كثيراً على “العصافير” وطوّر هذا الأسلوب بما يرد على وعي المناضلين الفلسطينيين والعرب وكشفه . في الثمانينات روى بعض الأسرى حادثة تشير إلى الطرائق التي تتبعها مخابرات الاحتلال . عندما قوبلوا بصمود أحد المعتقلين في التحقيق، أدخلوا إلى زنزانته رجلاً ملتحياً بملابس رثة، وبدأ هذا الزائر الجديد يتقرّب تدريجياً من المعتقل ويؤم به الصلاة التي يتبعها بباقة من الأدعية والمواعظ . تعمّد “البوح” بالاتهامات الموجّهة اليه، وأنه اعترف بهذه الاتهامات لأن عدم الاعتراف يعني “إلقاء النفس إلى التهلكة” . وبعد إحدى صلوات اليوم الثالث، وضع هذا “الزائر” يده على يد المعتقل واستحلفه بالله أن يخبره أين خبأ السلاح المتهم بحيازته . كان هذا المدخل الديني كفيلاً بهدر شهرين من الصمود، ذلك أنه صدق القشور الدينية التي تخفي أحياناً مهمات قذرة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2178765

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2178765 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40