الأحد 19 أيار (مايو) 2013

نهج العزلة وثقافة الكهوف يعززان مشروع إقليم قناة السويس

الأحد 19 أيار (مايو) 2013 par محمد عبد الحكم دياب

يلجأ حكام مصر إلى نهج خاص بالتغيير يمكن أن نعرفه بنهج التغيير بالصدام، وهو غير أسلوب التغيير بالصدمة، الذي أخذ به السادات. والفرق بين السادات ومرسي أن الأول صاغ القوانين والتزم بها، واعتمد على ما سُمي بـ’ترزية القوانين’. أما مرسي فإنه يصنع القانون ويعمل بعكسه ويستثني ‘الأهل والعشيرة’ من تطبيقه، حتى أنه لم يحقق أو يحاكم أيا من المتهمين منهم بتعذيب واغتيال الثوار، والفرق الآخر أن السادات لم يتخذ لنفسه مرجعية خارج مؤسسات الدولة، ولم يكن لديه مرشد أو مكتب إرشاد؛ فوق القانون والدستور والرئاسة والحكومة والقضاء.
وإذا ما كان طابع الجناح المسيطر على مكتب الإرشاد الحاكم ‘طائفيا دمويا’ فقد كان السادات ‘مستبدا تابعا’، وليس ‘مستبدا عادلا’، وهي صفة أضفيت على عبد الناصر. ونضع هنا جملة اعتراضية تعكس وجهة نظرنا بأن الاستبداد والعدل نقيضان لا يلتقيان، وعبد الناصر كان ‘ثائرا شعبيا’، وأكسبت ثورة 1952 حكمه شرعيته، التي ما زال بعض المثقفين يتحفظون عليها؛ وذلك غير ظروف ثورة 25 يناير، التي ما زالت هائمة في الشارع، وتتحرك خارج الحكم، تراهن على الساسة والعمل الحزبي، والثورة لا تتمكن من أهدافها إلا بعمل ثوري، وتحت حكم الثوار!!.
مكتب الإرشاد الحاكم يصيغ الدولة بلونه، ويعمل من خارجها، وهو لا يعلم أن الدولة المصرية غالبا ما تكون طيعة لا تعنيها كثيرا عقيدة الحكم ولا هوى الحاكم، في سبيل العمل على خدمته؛ وتتحلى بهذه الصفات حتى يظهر من يعبث بها فتنقلب عليه، وهذا ما حدث مع ظهور ‘التوريث’ في عائلة مبارك، ودور النجل في استبدال مؤسساتها وهياكلها وأجهزتها بالشركات التجارية والمالية ومنظمات رجال الأعمال والسماسرة، فتمردت على حكم مبارك وكل ما يمثله، وخرجت عن طوعه، والدولة في مصر قد تتحمل الاستبداد والفساد والتبعية، لكنها لا تقبل بمن يذبحها أو يصفيها، وهذا شئ لا يعيه مكتب الإرشاد الحاكم.
والنهج الجاري لذبح الدولة أيقظ ماردها الذي كان قد عاد إلى قمقمه خلال حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فلم تكن الدولة تشعر بما تشعر به الآن من تهديد، وهذا هو سر الحراك الراهن من أجل جمع 15 مليون توقيع لسحب الثقة من مرسي، والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، والشئ الملفت للنظر هو مسلك الشعب ورغبته الرافضة للعنف، ومواجهة العنف السياسي والطائفي؛ الرسمي والأهلي، بحراك سلمي واسع المدى؛ يمارسه الشعب بشكل مباشر، وهو عمل ديمقراطي رفيع المستوى يستحق تقدير العدو قبل الصديق.
والمشكلة في نهج وثقافة الجناح القطبي الحاكم، وكما كان الحل الأمني خيار مبارك الوحيد، فإن الصدام الدموي خيار حكم مكتب الإرشاد الأوحد، وقد قطع شوطا كبيرا في تحويل سلطات الدولة إلى سلطات شخصية، ومحاولات مستميتة لـ’خصخصة’ السلطتين التنفيذية والتشريعية، فأخون الأولى. وأسند التشريع لمجلس الشورى، ومنحه سلطة ليست له، وحصنها بإعلان دستوري باطل، ووضع صهره عليها، فتحولت إلى سلطة عائلية بدلا من أن تكون سلطة دولة.
وبدأت محاولات ‘خصخصة’ السلطة القضائية؛ بسلخ النيابة العامة منها، ومرسي الذي ليس له سلطان على القضاء، ومع ذلك منح نفسه حق التدخل في شؤونه وأخونته قطعة قطعة، وعيَّن نائبا عاما لحسابه، وشَكّل جماعة سياسية؛ حملت اسم ‘قضاة من أجل مصر’، تؤيده وتناصره، وتمكنه من الهيمنة على السلطة القضائية، وبذلك تخلخلت قواعد الدولة الحديثة، التي تفصل بين السلطات، وتحول دون تغول سلطة على الأخرى.
ولا نقر من يقول أن ما يحدث يعود إلى عدم فهم أو لنقص في الخبرة، وهذا غير صحيح، فهو متعمد، قاعدته نهج مستقر وثقافة راسخة؛ أما النهج فهو طائفي أحادي النظرة؛ لا يرى إلا جماعة عاشت في الكهوف وداخل الأقبية لعقود، وكانت في حاجة إلى من ينتزعها من هذه الحالة، ويؤهلها علي الحياة الطبيعية بعيدا عن رهاب الكهوف وفوبيا الأقبية، ويساعدها في التعامل والاحتكاك السوي والإنساني والثقة في الشعب غير ‘المُأَخْوَن’.
أما الثقافة إذا جاز التعبير فمنغلقة ومذهبية، لا علاقة لها بالحياة ولا المثل العليا التي غرستها الأديان في النفوس، ووحدت بينها رسالات السماء، بشروطها الثلاثة، التي وردت في الآية 64 من سورة البقرة، وربطت ‘الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين’؛ شروط واضحة وهي ‘من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا’، دون تفرقة ولا تمييز بين أحد. أما أن يأتي ما هو عكس ذلك فليس من الدين في شئ، وهو ما كان يترجمه المصريون (مسلمين ومسيحيين)، وهم يعملون ويكدون ويُصَلّون ويصومون ويحجون ويتصدقون ويفرحون ويحزنون ويمرحون ويتوادون؛ موحدين غير متفرقين، وأصبح مطلوبا منهم أن يكونوا عكس فطرتهم، وهو انقلاب في الشخصية لا يتحملونه، ويعيدهم إلى عصر الحاكم بأمر الله، الذي خرج ليلا صاعدا بركوبته إلى أعلى ‘جبل المقطم’ ولم يعد أو يُعرف له مكان حتى اليوم. هل هذا هو سر بناء قلعة جماعة الإخوان الحصينة ومقرها الرئيسي في أعلى نفس الجبل؟(!!)
وتحولت الدولة على يد مكتب الإرشاد إلى زنزانة مغلقة، ليس فيها إلا سلطة الحاكم السجان، وباقي السلطات تُصارع من أجل البقاء؛ وهي إنتكاسة سياسية وديمقراطية وتطور سلبي في مسار الدولة المصرية، من الولاية المستقلة ذات النزوع التوسعي الإمبراطوري لعهد محمد علي، إلى الدولة الخاضعة مع نهاية عصر اسماعيل، ثم الدولة المحتلة مع الخديوي توفيق، وبعد هزيمة أحمد عرابي، ودولة شبه مستقلة نتيجة ثورة 1919 إلى دولة مستقلة من 1952 حتى 1970، ثم دولة تابعة بعد 1970 وحتى الآن، وفي العقود الثلاثة الأخيرة مرت بأطوار الدولة البوليسية، وانتقلت إلى طور ‘الدولة الشركة’ التي أدارها رجال الأعمال والسماسرة، وانتهت دولة برسم التقسيم والإلغاء، والبداية مشروع ‘إقليم قناة السويس′.
إن التسمية من البداية تبعث على الريبة، وتعني كيانا مستقلا بذاته، ومصيره معلق بإرادة شخص رئيس الجمهورية، الذي يعين هيئة إدارة الإقليم من 15 شخصا، ولا يُخضعها لأي رقابة بما فيها رقابة البرلمان، ورئيسها بدرجة نائب رئيس وزراء. وهذه الهيئة تنوي إنتزاع منطقة شرق بورسعيد وشمال وغرب خليج السويس ومنطقة وادي التكنولوجيا بالاسماعيلية؛ تنوي انتزاعها من المحافظات التابعه لها، وتُضم للاقليم مع مناطق اخرى لم تحدد بعد، ولرئيس الجمهورية الحق الوحيد في ضم مناطق إضافية. وتحويل شرق القناة مع سيناء إلى إقليم مستقل عن الدولة الأم.
وإذا ما مر مشروع القانون فسيطبق على المشروعات القائمة بالفعل بأثر رجعي. ومن المقرر أن يكون للإقليم قانون أساسي أقرب إلى الدستور؛ باسم ‘لائحة تنفيذية’ يضعها مجلس ادارة الاقليم؛ بعيدا عن سلطة التشريع المركزية، وتحدد اللائحة تفاصيل الهيكل التنظيمي ونظم العمل وتحديد الادارات والتأمينات الاجتماعية. ويمنح مشروع القانون هيئة الاقليم صلاحيات واختصاصات الوزراء كافة مثل التعليم والصحة والثقافة و التأمينات الاجتماعية والتموين وغيرها والهيئات العامة والمحافظين فيما عدا الدفاع والداخلية والعدل والخارجية. ويقر رئيس الجمهورية مشروع الموازنة السنوية للإقليم؛ مستقله عن موازنة الدولة الأم.
ويرسم مجلس ادارة الاقليم السياسة العامة للتنمية، ويقر الخطط والبرامج ويحدد المشروعات، ويحصر الاراضي ويخصصها، ويبرم العقود مع الشركات والمستثمرين، ويصدر قرارات تقسيم الاراضي وتراخيص البناء، ويضع نظام السجل التجاري، ومراقبي الحسابات ويؤسس الشركات. وينشئ مكاتب للإقليم في الداخل والخارج؛ كفروع وممثليات خاصه به، ويبني المطارات والموانئ، التي يديرها مجلس الاقليم منفصلا عن وزارة الطيران المدني في الدولة الأم. ويقيم منظومة تعليم منفصله. ويُخضع انتقال البضائع من الاقليم الى باقي محافظات الدولة الأم واليها لنظم الاستيراد والتصدير القائمة بين الدول، وتنظمها اجراءات ونظم معتمدة من هيئة إدارة الاقليم.
وفي الوقت الذي لم يوضح فيه القانون معايير اختيار اعضاء هيئة الاقليم بإستثناء ممثلي وزارات الدفاع والداخلية والعدل والخارجية؛ فإن القانون يجعل من إدارته ‘سلطة مهيمنة’، ويمنحها حق ‘استغلال ثروات الاقليم’ دون التقيد بقانون المناقصات والمزايدات والمشاركة مع القطاع الخاص وقانون تأجير العقارات المعمول بهم في الدولة الأم، وملكية الاراضي ونزع ملكيتها وملكية المنشآت، وتخصيص الاراضي للغير بحق الانتفاع لمدة 60 عاما، ومنح التراخيص والموافقة على التنازل عنها للغير، وتحديد العملة التي يدفعها المستثمر مقابل حق الانتفاع. ولم يحظر مشروع القانون على رئيس الجمهورية واعضاء حكومته واقاربهم الاستثمار في الاقليم سواء بالتعاقد المباشر او من الباطن.
ووصل الأمر إلى منح إدارة الإقليم حق طلب قروض ومنح واعانات وهبات، ولم يضع شروطا لها سوى موافقة رئيس الجمهورية فقط. وفي الوقت الذي تخصص فيه الموازنة العامة للدولة الأم جزءا منها ليدخل في رأسمال الهيئة الا ان اموال الهيئة تعتبر مالا خاصا بها، كما ان الموازنة مستقلة عن موازنة الدولة. واعطى مشروع القانون امتيازات للشركات و المستثمرين اهمها عدم جواز الحجز الاداري عليها، والتمتع باعفاء ضريبي مدته 10 سنوات و5 سنوات للتوسعات، واعفاء من الدمغات ورسوم التوثيق في الشهر العقاري وعقود الرهن والقرض لمدة 3 سنوات، والاعفاء من الجمارك للالات و المعدات.
ولم يشر مشروع القانون لاي نوع من التأمين الصحي، ولا لوجود مستشفيات حكومية، او خضوع سكان الاقليم لاي نظام تمويني.
وكل هذا يؤكد أن إقليم قناة السويس مشروع سياسي عسكري استعماري، يكشف تواطؤ المسؤولين في تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد، ومن الممكن أن يكون الإقليم محميا بالفراغ الجغرافي والسكاني في سيناء، ومدعوما من القوات الأمريكية في وسطها، ويجد من يمده بالسلاح والمقاتلين، وتمكينهم من بناء قواعد إرهابية وانفصالية فيها، وتظهر فيه النية مبيتة لخلق بيئة إنفصالية حاضنة للإرهاب تقسم مصر بتواطؤ مكتب الإرشاد، وهذا استفز قوى ثورية ووطنية عدة، فلجأت للمحاكم لوقف تنفيذ هذا المشروع المشبوه، وهناك من وصف في بلاغاته الذين يقفون وراءه بالخيانة العظمى، فهل ما زال هناك من يتحمل تبعة هذا الاتهام إذا ما تغيرت الأحوال، وتبدل الحكام؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165989

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165989 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010