السبت 18 أيار (مايو) 2013

خمس وستون ذكرى نكبوية .. وإما فلسطين أو فلسطين!

السبت 18 أيار (مايو) 2013 par عبداللطيف مهنا

خمس وستون عامًا نكبويًّا، وذكريات نكبوية معتَّقة تترى تسوطنا دوريًّا بسوطها. تذكِّر كل من غشت أبصارهم وفقدوا بوصلتهم وتاهوا في أوهام التسويات التي يستدرونها كلما فطمتهم أو لطمتهم. غاصوا حتى العنق في أوحال مخططات التصفيات الجهنمية ... تذكِّرهم أن جميع نكبات الأمة في مشارقها ومغاربها، ولثلثي قرن أو ما يقارب، إنما تناسلت وستتناسل من نكبة فلسطين.
خمس وستون ذكرى نكبوية آخرها غشتنا هذه الأيام. وها هم المنكوبون يلاقون آخرها كما لاقوا سابقاتها .. من الجد، الذي عاش بدايتهن، إلى الحفيد، الذي تغشاه الأخيرة، مرورًا بالأب، الذي كابدهن ... هنا شعب عصي على الانكسار، لم ولن يستسلم. أهوال المعاناة المديدة وصروف العذابات العديدة والت صناعة أجيالٍ يتخطى لاحقها بتضحياته وابتكاراته النضالية سابقه. لما قارب الثلثا قرن ومسلسل هذه الذكرى الزائرة بما تحمله معها من مذاقٍ نكبويٍّ يلاقيها المنكوبون بصمودهم العنيد الذي غدا من تفاصيل ما حوته أسفار تلكم الملحمة الفلسطينية جدًّا...
خمس وستون ذكرى نكبوية مرت حتى الآن، ومخيمات الانتكاب الحزينة حتى العظم، والمتناثرة على تخوم الوطن المسلوب المنكوب، وديار الشتات القريب والبعيد، ومغتربات المنافي والمهاجر، ظلت الحصن المنيع والرحاب الأنفس الأقدس للذاكرة الفلسطينية الحية، المسطرة حروفها النورانية الدامعة بالدم على ألواح الزمن الظالم ... ظلت حاضنةً رؤومًا يفيض مددها الثر باعثًا هذه الملحمة النضالية المستمرة بمحطاتها الكفاحية المسترسلة المتتالية.
خمس وستون ذكرى نكبوية تتخطى في قدومها الأخير انكسارات وقيامات، ثورة وانحرافات، هبات وانتفاضات، محارق ومواجهات... ومفتاح البيت معلق على شواهد بؤس مخيمات اللجوء. إذ ليعلم القاصي والداني، العدو والصديق، والشقيق المضيف والغريب المتفرِّج، أن لا بديل لفلسطين إلا فلسطين، وحتام حتام العودة لها، من بحرها إلى نهرها ... وحق العودة، المسطَّرة آياته غير القابلة للتصرف بدماء الأجيال، والمنقوش هدفه في الروح، والكامن توقه في الوجدان، قاهر للزمن، صامد في حقب الانحدار والانحطاط، عصي على التفريط والمساومات والتنازل... أبديته أقضت مضاجع الطارئين الغاصبين، هو فوبياهم القاتلة الناهشة لدغل كيانهم المفتعل والمدجج الهش... والأم الفلسطينية ولاَّدة ... كانت الذكرى النكبوية الطازجة الأولى قد مرت على ما ينوف على المليون منهم بقليلٍ، وها هي اليوم تمر وقد تعتقت سنونها الرهيبة، وقد بات شعب الشهادة ما ناف على الأحد عشر مليونًا بكثيرٍ...
خمس وستون ذكرى من نكبةٍ عربيةٍ في فلسطين العرب حوَّلت أثقالها وأوزارها وابتلاءاتها الفلسطنة إلى هويةٍ نضاليةٍ وليست زمرة دمٍ، وقالت إنما لا يواجه قدومها إلا بإما فلسطين أو فلسطين ... وهي إذ تقرع أجراسها الدورية الحزينة المنذرة، تذكِّر من غشت أبصارهم وماتت كرامتهم فوهنت عزائمهم، واستمرأوا ذل الدونية فساقتهم إلى درك الخنوع والتبعية، بأن النكبة كانت وما زالت ليست الفلسطينية فحسب، وإنما هي عربية عربية عربية من المحيط إلى الخليج، كما لا مهرب من مسؤولية استمرارها، ولا منجاة لأحدٍ من تداعياتها، وأولهم من دفن رأسه تحت أردية الأعداء أو تدثر بها، وثانيهم من توسلهم حلولًا تخلصه من عبئها ... يقول التاريخ الذي لا يرحم، وتؤكد الجغرافيا التي تقرر أن للخلاص بوصلة واحدة فحسب هي فلسطين.
خمس وستون ذكرى نكبوية عربية في فلسطين، مرت آخرها فلاقاها سواد الأمة بإما فلسطينها أو فلسطينها ... ولاقاها عرب جامعة الزمن الرديء وأحقاب العار والانحدارات بتنازلات “بلير هاوس” المهينة، والغزاة الصهاينة يردون على مكرمة المتنازلين التفريطية المشينة، وعلى المناسبة الحزينة، بهوجةٍ تهويديةٍ غير مسبوقة الزخم، واستباحات كرنفالية لأولى كعبتيهم وثالث حُرمهم الشريفة، بعد أن التهمت غوائل التهويد الزاحف أكناف بيت مقدسهم، وصموا آذانهم عن وامعتصماه شقيقةٍ ظلت تقرع أبوابهم لخمسٍ وستين ذكرى نكبوية مرت ... ثبَّتوا في رحاب “بلير هاوس” تحت الجناح الأميركي التهويد، فرد المهوِّدون المزدرون لهم، وعلى طريقتهم المعتادة، ردوا على تحيتهم التنازلية هذه بما هو بالنسبة للصهاينة أحسن منها ... ردوا عليها إهمالًا وتهويدًا!
خمس وستون عامًا نكبويًّا، وذكريات نكبوية معتَّقة تترى تسوطنا دوريًّا بسوطها. تذكِّر كل من غشت أبصارهم وفقدوا بوصلتهم وتاهوا في أوهام التسويات التي يستدرونها كلما فطمتهم أو لطمتهم. غاصوا حتى العنق في أوحال مخططات التصفيات الجهنمية ... تذكِّرهم أن جميع نكبات الأمة في مشارقها ومغاربها، ولثلثي قرن أو ما يقارب، إنما تناسلت وستتناسل من نكبة فلسطين ... قالت وتقول لهم، إنه لا من منجاةٍ من عقودكم النكبوية المطردة، ولا من نهوضٍ أو قيامةٍ للأمة المقهورة، بدون استعادتها لفلسطينها ... وقالت:
إنما العجز والدونية، فالخنوع والتبعية، فالتواطؤ، وإدارة الظهر للقضية، التي كانت وستظل، وشاء من شاء وأبى من أبى، القضية المركزية للأمة، كل هذه المصائب، فرادى ومجتمعة، هي النكبة المستدامة وتعادلها ... أجل تعادل نكبة فلسطين، التي هي أم النكبات العربية جميعًا ومفتاح خلاص الأمة وانعتاقها منها ... فلسطين هي البوصلة ولا من سبيلٍ لفلسطين سوى المقاومة، وإما فلسطين أو فلسطين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 45 / 2165306

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165306 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010