السبت 11 أيار (مايو) 2013

لا حياد لأحد

السبت 11 أيار (مايو) 2013 par عبداللطيف مهنا

في فلسطين تُستهدف هذه الأمة من قبل المفترض أنها جامعتها، والتي باتت تفرِّقها ولا تجمعها، بتنازلاتٍ كارثيةٍ ليست سوى استجابةٍ مشينةٍ لإملاءاتٍ تجر إلى ما سيلي من تنازلات مستجيبيها، وهي رغم فداحتها لا يلقي العدو بالًا لها ولا لمتنازليها ويزدريهم، بل ومن عادته أن يستدر منهم تلك التي من بعدها، وسيحثهم راعيه الغربي، وكالعادة أيضًا، على الإسراع بجديدها.

عبر تاريخها البعيد والقريب، ظلت الأمة العربية قيد الاستهدافات المعادية. لقد كان هذا بلا توقفٍ وبدا وكأنما هو قدرها المرافق لتاريخها. وعبره وهو المديد فلَّت، بما تمتلكه من أسباب الصمود والبقاء والانتصار، هذه الاستهدافات فأفشلتها وذهب ريحها وبقيت هذه الأمة. وفي قرني هذا التاريخ الأخيرين، بل قل ثلاثتهما، كانت هدفًا دائمًا لاستهدافات المشاريع الغربية المعادية تحديدًا، تلك التي كانت أبرز تجلياتها تقسيمها سايكسبيكويًّا وزراعة الكيان الصهيوني المفتعل في أحشائها. هنا الوقائع كثيرة وتفاصيلها أكثر وأمثلتها وتعداد محطاتها في مختلف أزمنتها وأمكنتها لا تعد ولا تحصى، فنحن إزاء متوالية من سياقاتٍ تآمريةٍ لا تنقضي فصولها إلا ببدء جديدها وليس من مجالٍ هنا للغوص فيها. بيد أن أخطر مرحلةٍ في مستمر هذه المواجهة المصيرية التاريخية المفروضة على هذه الأمة، وفي كافة مراحلها، هو ما نشهده راهنًا من تحالفٍ للمال والانهزامية العربيين المدعومين بتواطؤٍ من العجز الرسمي عامةً مع آخر تجليات هذه الاستهدافات الغربية المعادية والتماهي معها ... هذه الاستهدافات التي باتت، موضوعيًّا في شقها العربي وبالجلي المباشر في شقها الغربي، تحاول توجيه ضربة تتمناها أن تكون القاضية لكل آمال وطموحات وأحلام هذه الأمة المتعلقة بحريتها وكرامتها ووحدتها ونهوضها من كبوتها وأخذها لمكانها المفترض والذي يستحقه تاريخها بين أمم الأرض ... وتنطلق في راهنيتها في مسارين متلازمين ومتكاملين ولا ينفصلان:
وأحدهما، محاولة تصفية قضية الأمة المركزية في فلسطين نهائيًّا، لإدراكها أن هذه القضية إنما هي بوصلة تحررها ووحدتها ونهوضها، بل وشرط قيامتها، مهتبلةً هذا الخواء والضياع الضارب أطنابه في الساحة العربية، وجارٍ الهروب البائس لأغلب النظام العربي الرسمي من همومه القومية قالبًا ظهر المجن لما كانت بالنسبة له، أو كما قيل ذات يوم، القضية المركزية، لتثبيت الكيان الصهيوني الاستعماري وتأبيده، وبالتالي قطع دابر كل ما له علاقة بطموحات الأمة التي تمت الإشارة إليها ... آخر التجليات التآمرية لهذا التحالف هو ما أقدمت عليه جامعة دول زمن الانحدار والتبعية العربية، حين أعطت لنفسها، وهي التي لا تملك، بل ولم تعد تمثل حتى نفسها، حق التنازل باسم الأمة عن أرضٍ فلسطينيةٍ لمن لا يستحقها مقابل أرضٍ فلسطينيةٍ اغتصبها. أو بعض من نتفٍ من ما تبقى ولم يهوَّد بعد منها مقابل نتفٍ مما نهب وهوَّد منها.

والثاني، محاولة التدمير المخططة والموجَّهة والممنهجة لسوريا العرب، وطنًا وشعبًا ودولةً، بعد أن نجحوا في قطع الطريق على حراكها الشعبي السلمي نحو تحقيق أهدافه المشروعة التي لم يكن من خلاف عليها داخل سوريا، عبر ركوب موجته والتمكُّن من حرفه وتحويله إلى حالة نزف مريع يطول إنسانها وإمكاناتها، والهدف هو القضاء على موقع ودور هذا البلد المحوري والريادي في نضالات هذه الأمة التائقة للانعتاق والوحدة والتقدم والخلاص من ربقة التبعية. لذا ظلوا يواصلون سعيهم المستميت تحت ستارٍ مهلهلٍ من عديد اللافتات الزائفة والمضللة لمنع أي توافقٍ وطنيٍّ سوريٍّ يوقف هذا النزف، ومن شأنه أن يجمع كافة السوريين على ما يوصلهم إلى ما يحفظ سوريا لهم ولأمتهم، ويُمكّنهم من رسم صورة دولتهم التي يصبون جميعًا إليها مستقبلًا، ووفق ما يتطلع إليها كافة السوريين.

في فلسطين تُستهدف هذه الأمة من قبل المفترض أنها جامعتها، والتي باتت تفرِّقها ولا تجمعها، بتنازلاتٍ كارثيةٍ ليست سوى استجابةٍ مشينةٍ لإملاءاتٍ تجر إلى ما سيلي من تنازلات مستجيبيها، وهي رغم فداحتها لا يلقي العدو بالًا لها ولا لمتنازليها ويزدريهم، بل ومن عادته أن يستدر منهم تلك التي من بعدها، وسيحثهم راعيه الغربي، وكالعادة أيضًا، على الإسراع بجديدها. وفي سوريا تُستهدف الأمة في بلدٍ كان على الدوام حاضنةً رؤوما لروح أمته الحية، وموطئًا ومنطلقًا لشعلة أتواقها، وموئلًا دافئًا لنبض ضميرها وحداء وحدتها المنشودة، وظل في شتى أزمنة العار والانحدار وحقب التكالب عليها ملاذًا آمنًا لوجدانها.

... بالعدوان الصهيوني الأخير على أهدافٍ منتقاةٍ في ضواحي دمشق كشَّرت جبهة أعداء الأمة عن أنيابها بحيث لم يعد من مجال لحيادٍ لأحدٍ من كافة هؤلاء الذين يعدّون أنفسهم في خندق قواها الحية، فإما هم معها أو معهم ... مع أمتهم في فلسطينها والذي يعني بالضرورة معها في سوريتها وبالعكس، أو مع تحالف هذه الانهزامية العربية مع هذا الغرب المتآمر، والذي كان على رأس أهدافه الاستراتيجية طيلة أمد الصراع في فلسطين وخلال حربه الراهنة على سوريا حماية الكيان الصهيوني وتثبيته وفرضه مركزًا مقررًا تدور من حوله مزق هزيلة من كيانات المنطقة المفتتة التابعة ... لقد بان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وهو الذي لم يكن يومًا بخافٍ على ذي مبدأ ورؤية وموقفٍ، واتضح حتى لمن ما زال ديدنه وضع رأسه في التراب، وعليه، آنت ساعة الفرز، أمع الأمة أم مع أعدائها؟؟!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 40 / 2166009

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2166009 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010