السبت 11 أيار (مايو) 2013

روسيا وذكرى النصر

السبت 11 أيار (مايو) 2013 par أمجد عرار

مشهد العرض العسكري الهائل والبالغ الدقة والتنظيم في الساحة الحمراء في موسكو، أعادنا إلى أيام الحقبة السوفييتية . كل شيء في الساحة وفوقها، ومنابر الخطابة احتفالاً بالذكرى الثامنة والستين للنصر على النازية في الحرب العالمية الثانية، أعاد إلى الأذهان أياماً كان فيها عجائزنا الأميون يطلقون على مواليد جدد أسماء مثل خروتشوف وروسيا ورشا، وبخاصة بعد موقف موسكو الحاسم الذي أوقف العدوان الثلاثي على مصر بعد قرار الزعيم الخالد جمال عبد الناصر المفعم بالكرامة الوطنية والقومية، تأميم قناة السويس، ذلك القرار الذي قد يبدّده القادة الجدد بتأجير القناة .

قد يكون من أهم ما قاله فلاديمير بوتين أمام العرض العسكري، إن روسيا ستعمل كل ما بوسعها من أجل ألا يتمكن أحد من إشعال الحرب، وكل شيء من أجل تعزيز الأمن على الأرض . هذا ما تحتاج إليه البشرية، فالحرب العالمية الثانية صفحة مأساوية سوداء وتراجيديا مرعبة ظنناها طوت نزعة الحرب في النفوس الجشعة الباحثة عن المصالح فوق الجثث . لقد كان للاتحاد السوفييتي الفضل الأكبر والأبرز في ذلك الانتصار الذي أوقف الوحش النازي عن افتراس البشرية، حيث قدم الاتحاد السوفييتي بين ستة وعشرين وواحد وثلاثين مليون إنسان من أبنائه قرابين على مذبح النصر، لذلك كان جديراً بأن يسمي تلك الحرب بالحرب الوطنية العظمى التي أودت بأرواح خمسين مليون إنسان من واحد وستين بلداً، لكن أكثر من نصفهم من السوفييت . هذا فضلاً عن الدمار الهائل لعشرات المدن وآلاف القرى وانهيار ثلث الاقتصاد الوطني، في حين لم يسقط عمود كهرباء في بلدان أخرى، كالولايات المتحدة، لكنها سارعت إلى المشاركة في قطف ثمار الانتصار .

على العموم، كان نصراً أهميته لا تقدر بثمن ليس للاتحاد السوفييتي وروسيا فحسب، وإنما للبشرية جمعاء .

كانت قوة الاتحاد السوفييتي في حقبة الحرب الباردة مبعث التوازن الدولي ومصدراً لردع النزعة العدوانية للإمبريالية، ولولا الدور الأساسي للسوفييت في ذلك النصر الذي مكّنهم من تبوؤ موقع القطب المضاد دولياً، لشهد العالم عشرات الحروب المدمّرة، الأمر الذي حصل فعلاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث تأكدت توقّعات بعض المحللين بأن انهيار الاشتراكية سيفضي إلى بديل بربري يستسهل حروب النهب والسيطرة وتغيير النظم السياسية بالقوة العسكرية .

كان الغرب يبرر وجود حلف “الناتو” بوجود حلف “وارسو”، لكن انهيار الأخير لم يؤد إلى حل الأول، بل عمدت أمريكا وشركاؤها إلى توسيعه والزحف إلى مشارف روسيا نفسها، الأمر الذي استفز الشعور القومي لدى الروس الذين نفضوا غبار مرحلة الهوان والتبعية التي فرضها عصر بوريس يلتسين، لتنتقل روسيا إلى عصر جديد فيه كثير من العودة إلى القديم، من خلال ظهور فلاديمير بوتين .

عندما انتفض الروس على العصر السوفييتي كانت انتفاضتهم ضد سلبيات ذلك العصر، وبخاصة في المجال الاقتصادي والحريات، لكنهم لم يحرقوا الأخضر واليابس، ولم يرفعوا الشعار الغوغائي “إسقاط” كل شيء، البلد والتاريخ والثقافة والإنجازات، ولم يسيئوا إلى الرموز التي أسهمت في بناء مجدهم وعزة وطنهم، لذلك بقي ضريح لينين المحنّط في الساحة الحمراء، وصمدت تماثيله ودوره في مناهج التعليم . لم يتردّد بوتين في استحضار أحد وسائل التحفيز التنموي من الحقبة السوفييتية، فأحيا جائزة “بطل العمل” التي كان لها دور بارز في دفع الإنتاج وتصعيد الكفاءات . بنهج كهذا تستعيد الدول هيبتها لتعطي النصر قيمته .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165797

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165797 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010