الثلاثاء 7 أيار (مايو) 2013

مستقبل القضية وشيء من الماضي....

الثلاثاء 7 أيار (مايو) 2013 par أيمن اللبدي

النكبة

أيام قليلة وتمر الذكرى الخامسة والستون لاغتصاب فلسطين ويستدعي ذلك التوقف لإحياء النكبة، هذه المرة ستكون مختلفة حقاً، لأن جوهر القضية الوطنية والقومية الفلسطينية غدا يتهدّده الخطر الحقيقي، يأتي ذلك مع مطالبة الكيان المغتصب ،مصحوبا بالدعم الذي يحظى به من حكومة الولايات المتحدة، لفرض اعتراف واضح وصريح بمسألة ما يسميه يهودية الدولة ، وهنا يجب التوقّف مطوّلا أمام هذا المنعطف النهائي في مسار القضية الفلسطينية، ذلك أنه منعطف باتجاه واحد لا رجوع فيه.
لقد عانت القضية الوطنية والقومية في فلسطين، ما عانته طيلة الستين والخمس الماضية وهي تحمل تسمية قضية العرب والمسلمين المركزية، وتصل اليوم إلى هذا المفرق الذي سيختبر فعلاً هذه التسمية في اختبار لا ملحق عليه، يأتي هذا في وقت تضطرب فيه مشاهد العرب والمسلمين على حد سواء، وفي وقت تغدو فيه الصورة أقرب إلى وضع هذه القضية بين العرب والمسلمين موضع القربان لنجاة الفرقاء والأخصام، كمشهد يعيد إلى الذاكرة توصيف التضحية بيوسف عليه السلام من أقرب الناس إليه وهما بأنه خلاصهم.
عندما دخلت القضية الفلسطينية مع عشرينيات القرن الماضي ملامح الخطر المؤكد، خارجة للتو من إشهار وعد بلفور بيد ولسان وزارة المستعمرات البيريطانية مندوبة عن حكومة التاج البريطاني، فيما لا تملك ولمن لا حق له ، كان العرب في وضع الانزياح نفسه، وصحيح أن هذا الوضع قد نشأ نتيجة رهانهم الخاسر بالمقامرة في استبدال ظالم بطاغية، أبدى لهم في أول الأمر معسول الوعود، وصحيح أيضا أن وضع المسلمين في أقطارهم قد تأثرت تأثراً بالغا بانهيار الخلافة العثمانية مع نواتج الحرب العالمية الأولى، فيما رزحت بلدانهم لنوع مشابه من التقاسم الاستعماري الكولونيالي، لكن الأصح منهما جميعاً أن فلسطين لم تكن في هذا الوقت تحظى بسوى التعاطف الوجداني والمبادرات المفردة لمجابهة خطر مؤكد كامن في عمليات الهجرة الصهيونية وتثبيتها على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه.
في الفكر الاستراتيجي، ثمة من يقارب بين موضوعة الاممية الاسلامية اليوم ،وامكانية اتخاذها منصة لتحقيق استدراك الجريمة التاريخية بضياع فلسطين، ويرفع ذلك في مواجهة ما يحمّله مسؤولية ضياع فلسطين من بين يديه، وللتاريخ كلمة لا بد من استقدامها في هذا الموضع لأهمية العبر والقياس على القياس، فالاممية الاسلامية التي فقدت الأندلس وأسلمت أمرها لله في شأنها وشأن ولايات إسلامية أخرى، لم تقم دليلا على أن هذه الأممية حال تشكلها في سمات دولة الخلافة المركزية مؤكد لها أنها ستسطيع استدراك ما فاتها، لا شأن للأيديولوجيا هنا بل الشأن كلّه للسياسة وموازين القوى، وفي حين لم تستطع الدولة العثمانية التي صارعت الغرب أول عهدها حتى وصلت تخوم النمسا، فإنها في مسألة الأندلس بقيت بعيدة، هل لأنها لا تملك الأدوات؟ هل لأنها كانت تريد استدارة كاملة كيما تصل إلى موقع الاندلس ولا تريد الذهاب طريق موسى بن نصير وزياد بن طارق!
في ذات الوقت صحيح أن الخليفةالعثماني القوي الأخير عبدالحميد ، قد أبى الانصياع لإغراء اليهود ومنظومة سالونيك وضغوطها للتفريط بفلسطين، ولكنه لم يستمر كذلك إلى عهد لاحق وربما كان الشأن في أراضي إسلامية أخرى أقل اعتراضا، لا يصلح هذا دليلا على الاطلاق، فالمفقود المضيّع زاد عن المستمسك به الأخير بأهمية موقع فلسطين،وفي ذات الوقت فإن ضياع فلسطين وجزئها الأول وقسمها الأكبر تم بوجود أنظمة سياسية عربية بعضها كات يتخذ خليط الدين بالسياسة منطلقا، ومع ذلك فقدت هذه القوى العربية التي صلب قوامها الليبرالية التي يعيد اكتشافها بعض الناس هذه الأيام ويتغنون بها الأرض العربية الأبرز في زمانها، وفي عهدها قامت فضائح الفساد والسلاح الفاسد..
لم تكن القومية العربية التي نشأت مع الناصرية وتطبيقات القومية والبعث بأحسن حالا في الفقدان، فنكسة عام 1967 والتي أودت بما تبقى من فلسطين عام 1948 حدثت في عهدها، وهي قطعا وارثة فقدان أراض عربية أخرى مثل لواء الأسكندرون لتركيا ومدنا مغربية لإسبانيا وأمثلة أخرى، لكنها على الأقل بنت حالة من الاستنهاض العام في البلدان العربية وحقّقت أنموذجا لمشاريع تنمية حقيقية وتأصيل للمسألة الفلسطينية والقضية الفلسطينية، بل لعل التسمية المرددة هذه الايام بتسمية القضية الكودية برمز “القضية المركزية” هي بنت هذه المرحلة منذ البداية، لا نستطيع أن نثبت كلّ المسؤولية في ضياع الجزء المتبقي من فلسطين على كاهل القومية العربية ونظرياتها وتطبيقاتها الطليعية، ففي هذا عسف بالغ، ذلك أن جزءا مهما من صراع هذه الأخيرة استغرقته الأوضاع الداخلية فيها من قوى وأحزاب كانت ترفع الأممية شعارا وتريد مقاتلتها على طول الطريق، منذ البداية وجدت لها الحزب الشيوعي من جهة وجماعة الأخوان من جهة أخرى، ليس هذا فحسب ، بل إن بقايا قوى الليبرالية المندحرة وتحالفاتها العربية والإقليمية وأحيانا الدولية، تكفلت بافتتاح حروب الظهر والتخريب عليها وعلى تجاربها.

من التضامن إلى النظام

قتلت الوحدة العربية في مهدها ،أما التضامن العربي والدور السياسي البناء لهذا الشكل من عمل العرب وتحت مظلة الجامعة العربية واتفاقيات التعاون المشترك وهو الحد الأدنى فقد انهارعقب رحيل جمال عبدالناصر، وإن كانت حرب العام 1973 قد تم خوضها بجيش ناصر الذي كان منذ ثلاث سنوات على الجبهة في حرب استنزاف قاتلة، وليس بأقل منه الجيش السوري على جبهة الجولان، والتضامن العربي الذي رفع شعار إزالة آثار العدوان وضرورة استرداد الكرامة العربية، بعد حرب رمضان- تشرين الرائعة اتجه إلى قتل ما أعلن عنه في الخرطوم اللاءات الشهيرة عقب حزيران، ومن هذه اللحظة بدأت عملية التخلي فعليا عن القضية المركزية كقضية تستوجب أولوية معالجة الخطر الذي أدى إليها، وتستوجب معها إعادة صياغة للمنظوم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في هذه البلدان تُمكِّن من توقّع معقولية عند طرح هذه الفكرة، بدلا من ذلك أصبحت جنيف ومؤتمر التسليم للعدو بجزء فلسطين عام 1974 هي المسيطرة.
ذهب التضامن العربي وأطل النظام العربي ليستبدل استرداد فلسطين بالتخلي عن جزئها الأكبر والسعي لتسوية فيها، هل ظلت بذلك القضية الفلسطينية هي القضية المركزية؟ إذا كان المراد بمعنى استحصال حقها، فالجواب المؤكد لا، وإذا كان السؤال بمعنى التخلي عنها ونفض اليد منها والشروع في البحث عن طريقة للتخفف من الأعباء،والمسؤولية فالجواب نعم,. لقد صارت القضية المركزية هي القضية المركزية للتسوية فيها ومنذ أن قرر العرب ومن فم الرئيس المصري السادات أنها آخر الحروب مع العدو وأنهم لن يحاربوا بعد ذلك، أصبحت قضية التسوية المركزية باستثناءات محدودة جداً، ولكن الكامب ديفيد الاولى عام 1979 أجهزت على معظم هذه المحدودية وغدت المسألة هي التسوية الساسية، وبدأت مسألة صياغة ذلك بترداد حدود الرابع من حزيران عام 1967، بل إن السادات نفسه قد أشاع دعايته الأساس أنه ذاهب لاسترداد الارض العربية بحدود الرابع من حزيران وهو ما كان مناط اتفاق العرب بعد العام 74، فلم الغضب الشديد بالنسبة له؟ طبعا بعض الغضب كان سيكون مفهوما لأنه ذهب منفردا وأرادوها جماعية.
واضح أن الثورة الفلسطينية التي انطلقت في العام 1965 كانت مبادئ انطلاقها هي التحرير الشامل لفلسطين السليبة، عندما وقف الراحل عبدالناصر أمام اندلاعها الذي كان يخشاه ثم ما لبث أن رحب به عقب هزيمة حزيران عام 1967 ليقول “ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة” ، كانت هذه الثورة التعبير المضاد لامكانية حالة التأجيل التي شهدتها القضية المركزية نظرا لانتقال المرحلة منذ خمسينيات الثورة الناصرية 1953 وحتى ستينيات التحرر الجزائري عام 1962، وبعض الذين وضعوا مسؤولية ما أسموها سياسة التوريط التي انتهجتها فتح معهم حق جزئيا في هذا، فاندلاع الثورة نفسه هو احتجاج على التأجيل، أما هزيمة النكسة فلم تغيّر في وضع وبرنامج الانطلاقة، بل زادتها عنفوانا عقب انتصار الكرامة الشهير عام 1968، وعقب ترداد النظام العربي “كلنا فدائيون”.
وللمفارقة فإن نتيجة حرب العام 1973 المنتصرة جزئيا هي التي شهدت تغييرا كبيرا في الثورة الفلسطينية ، وجعلت مسألة النقاط العشر وتبني ما أسموه ببرنامج الحل المرحلي يحدث بتبريرات من اختاروا اللحاق بهذا القطار المفدّى، إن هذه التسمية نفاق سياسي من الدرجة الأولى وقد يحمل ملامح الشرك والخديعة، فكيف ستكون هناك مرحلية تعلنها الثورة الفلسطينية التي سارت إلى جانب أول خطوة التسوية والتفريط بهذا التعديل، والاطار العام السياسي العربي فضلا عن الاسلامي المتواري خلفه يرفع شعار التسوية النهائية؟ هذا كان فيه نوع من القنابل الدخانية التي يبدو أنها كانت أكثف من اللازم وخاصة تلكم التي اختارت مثلا تسمية هذه السلطة بتسمية “سلطة مقاتلة”، إذ كيف تكون مقاتلة وتحمل عوامل المواصلة الموضوعية على المرحلية تجاه الاستراتيجية وهي ابنة شرعية لاستراتيجية تسوية ومحيط تصفية؟

بداية الانحراف

هل كان بمقدور الثورة الفلسطينية ألا تفعل؟
الجواب نعم وألف نعم، بل إن هذا كان واجبها ألا تندلق لهذا المصير الذي تصبح فيه قربانا وأداة تبرير في نفس الوقت، يعني أنها قربان شيطنة في نهاية الأمر، وإن قرار التمثيل في قمة الرباط عام 1974 لم يكن في الواقع كما بدا يوما انتصارا للثورة بمقدار ما كان فخ عمرها، صحيح ان هذا الوضع نفسه كان من الممكن توظيفه بطريقة مختلفة تماما تصون فيه الحقوق الوطنية الفلسطينية الكاملة، لو استخدم كابحا لمسيرة التسوية وعامل إبقاف هذا الانحدار لعربة فقدت قائد دولابها، أو على الأقل أن لا تعطيه هذه المشروعية التي فوق ارضها وقف العرب لاحقا ليقولوا شعارهم، نقبل بما يقبل به الفلسطينيون، وهي ذات الطريق التي أوصلت إلى أوسلو حيث الدّمار الأوسع والباب الذي فتح اتفاقيات وادي عربة ومسرح الحكواتي فيما يتعلق بالتطبيع بأنواعه.

هل كان أوسلو خطيئة وحيدة؟

أوسلو كان ترجمة كل الخطايا في واقع الأمر، وهو المعبر الذي استغله الكيان “الاسرائيلي” ليسير فيه خطوة خطوة بالضبط وفق الاستراتيجية التي رسمها شامير الذي لم يتورّع عن كشف برنامج هذا الكيان علنا بقوله سأفاوضهم مائة وعشراً ولن يأخذوا في النهاية شيئا، وهذا منطقي من قبله ولكن غير المنطقي كان مقبل الفلسطيني الذي بدخوله أوسلو قرّر في الواقع أنه لم يعد ثورة، وسالت أحبار كثيرة تدعو إلى مظهرة الحزب الحاكم الذي سيقيم دولة، والاتفاق نفسه لا يعترف إلا بأن منظمة التحرير الفلسطينية تمثل شعبا فلسطينيا لا أكثر ولا أقل، في مقابل أن خلعت هذه الثورة ثوبها النضالي وأدانته ونبذت “عنفه” وتعهدت أنها لن تعود إليه وستحاربه، والثمن هو بضعة كليومترات من الارض التي هي في مناطق الرابع من حزيران عربونا على ما سوف يتم في مفاوضات المائة عام وعشرة الشاميرية، مصحوبا بجملة اتفاقيات اقتصادية وأمنية تجعل من الهيئة التي تقيمها منظمة التحرير لتمثلها في هذه المناطق “الهيئة الاستشارية” والتي اطلقت عليها السلطة اسم حكومة ووزارة ودولة “الآن غير عضو في الامم المتحدة”.
من المؤكد أن النظام الرسمي العربي الناشئ على أنقاض مبدأ التضامن العربي الذي طحنته التطوّرات عقب غياب الزعيم جمال عبدالناصر وطحن الثورة الفلسطينية في ايلول من نفس العام في الأردن نتيجة التآمر على وضع التوافق القائم هناك صهيونيا لا سيما في ضوء نتائج معركة الكرامة غير المتوقعة من العدو، تعرّض بدوره لضربة مؤلمة مع ذهاب السادات إلى الكامب ديفيد عام 1979، ولم تفلح جبهة الصمود والتصدي الناشئة في ردم هوة التمزيق نتيجة الذي حملته التجربة من بدايتها بسبب تناقضات المشكّلات الرئيس لها بين جناحي البعث من جهة، وبين وضع الدول الذاهبة ثوريا إلى منتهى الصخب ودول الدعم الاقتصادي في الخليج تحديدا والتي اقتصر دورها غالبا على هذه الفئة، ولذا فشلت هذه التجربة وقادها إلى ضربة قاصمة الحرب العراقية-الايرانية أو ما عرف لاحقا بحرب الخليج الأولى، أما حرب الخليج الثانية فقد أجهزت على صحة هذا النظام الرسمي العربي بعد الانقسام العمودي والأفقي الحاث في هيكله، فما أن انتهت هذه الحرب حتى غدت جامعة الدول العربية فارغة المضمون ومجرّد منصة يمكن توجيهها بحسب توازن القوى للدول داخلها، والذي انتهى مؤخرا ليكون كارت فاقد المعنى عندما تم استخدامه لضرب ميثاق الجامعة نفسها مؤخراً.

من النظام الرسمي إلى نظام الطائرة

اليوم الصورة مختلفة بالكامل، فالنظام العربي السابق ميت فعليا،إنه أشبه ما يكون بوضع تابوت في طائرة مختطفة، وثمة حالة من الفوضى الخارقة تسود الواقع بحيث يمكن لمناورة دولة صغيرة أن تقود إلى جرّ كل بقايا هذا النظام العربي الرسمي بما فيها الدول الكبيرة ذات الثقل كمصر والسعودية إلى مغامرات ومقامرات تضرب في مقتل الوضع العربي بعمومه، ومن جهة أخرى فقد وصل هذا الأوسلو إلى منتهاه على يد تلميذ شامير وآرنس وغيرهما في الليكود بنيامين نتنياهو مرورا بشارون، هؤلاء أتقنوا توصية شاميرهم جيدا، ففي حين كانت العشرين الماضية دفعة على حساب المائة وعشرة والتي لم تنتج إلا المزيد من الحقائق النافية بالكلية ليس فقط لنية العدو السماح بما يتوهمه الأوسلويون، بل حتى مطاردة الفلسطيني البعيد الذي تدرك حكومة الكيان أنه صاحب تفويض هذه المنظمة الأول التي اعترفت بها ممثلة عنه، لذا فحكومة الكيان لم تكتف بقضم الارض وتهويد المقدسات والتنكيل الدائم بالفلسطيني في كافة أماكن وجوده داخل فلسطين وخارجها، ولا حتى اكتفت بكل الاتفاقيات التي طلبتها وانتزعتها من الفلسطيني الاوسلوي المفاوض والمدجّن جيدا، والمحاصر جيدا أيضا، والمسموح له بعقد مؤتمر تحت عينيها وليقل ما يريد، ففي نهاية الأمر من يصنع الحقائق التي تتوالى تأييدات وإقررات حليفها الامريكي عليها هو هي ذات الحكومة.

اليوم تمر القضية الفلسطينية بآخر شوط مركزية التصفية، وقبل إلقاء يوسف في البئر، يقولون له اعترف بيهودية الكيان، ويهودية الكيان التي يسعى عباس للتخفيف من خطرها ممارسا أسلوبا مراوغا مع حكومة نتينياهو لن تقبل به، هي نهاية المفاصل في هذه القضية، ومن الطريف أن نذكّر أن روح أوسلو كان ذات التكتيك الذي يحاول أن يطبقه اليوم عباس على حكومة اليهود الصهاينة، فالرئيس عرفات دخل أوسلو محاولا الاستفادة من ضبابية وشك ومخزون من الخبرة لديه يحمل في نهاية الأمر “تكتيك الايهام”ـ لقد حاول أن يقنع نفسه وبعض أقرب الآخرين بأنه يريد أن يحصل على موطئ قدم وعندها لكل حادث حديث، لقد بالغ عندما استخدم جملا من نوع، لقد كنا نرسل الدوريات من اجل ان نصل للعدو ونشتبك معه، نحن الان ندخل إلى قلبه، هذا صحيح لكن الدخول كان بأصفاد كثيرة لم تتح المجال لمناورة واسعة، حدث ان استخدم أبو عمار عدة مناورات فعلا ونجحت ومنها الانتفاضة الثانية، لكنه أمام الفخ لم يستطع المناورة ووقف الموقف الوطني برفض التنازل المطلوب.

العدو أعطى مجموعة من النقاط مقابل أوسلو كلّها فارغة المضمون تماما، وتحت ذات التكتيك ولكن ضمن استراتيجية مفاوضة العمر الشاميرية الشهيرة، اعترف بأمر واقع لا يستطيع أصلا إنكاره وهو أن منظمة التحرير تمثل الشعب الفلسطيني، وصمت على أمر واقع آخر هو تسمية السلطة والحكومة والوزير وما إلى ذلك، لكن هذا كله الاعتراف التكتيكي استخدمه نحو المزيد من شراء الوقت وبضاعته الكثير من الفوائد والثمار، وعندما حانت اللحظة ها هو يرفع اليوم طلب يهودية الكيان والاعتراف به، وعباس الذي قال سموها ما تريدون لا شأن لنا بالتسمية ومن ثم اردف بانها أي الاراضي المتبقية غير حدود العام 1967 بالنسبة له“اسرائيل” يمارس تكتيك نتينياهو وشاميره بالضبط يوم سكت عن تسمية الهيئة الاستشارية حكومة، لكنه يعرف ما يفعل، انه لن يشتري من عباس اعتراف الأمر الواقع هذا، إنه يحدد بالضبط ما يلي: يهودية الدولة بالنسبة له ، الاعتراف بأن ملكية هذه الأرض لما يسميه “الشعب اليهودي”، “كانت كذلك وتبقى كذلك بقطع النظر عن واقعها السياسي الذي تغيّر عبر التاريخ”.

ماذا يعني اعتراف عباس والعرب بهذا المضمون وعلى هذا النحو؟

ثمة الكثير ليقال في هذا الشأن، وبعضه تطبيقات قانونية وأخرى سياسية فاجتماعية فأكلاف اقتصادية فمضامين وجدانية، هناك مسألة في غاية التعقيد يحسن أن يبدأ اليوم الناس بتلمس معناها المتوقع على امتداد الآجال القصيرة والمتوسطة فالطويلة إن حدثت هذه الكارثة، ذلك أن الضياع الحقيقي لفلسطين على الطريقة الأندلسية سيتم مباشرة فور تحقيق مثل هذا المطلوب صهيونيا من العرب، وقطعا هم يطلبونه من الفلسطينيين بالأساس فلا يهمهم العرب الذين عدّلوا المبادرات عشرات المرات بحيث غدت دعوة إلى حفل زفاف، واليوم يحاول البعض تسطيح هذه المخاطر عبر الاشارة بأن القصة مسألة تبادل أراضي، ومع أن المصيبة الأكبر أنهم يتحدثون عن أراضي فلسطينية كلّها، إلا أن المصيبة الأعم التي ما بعدها خطر، أن حقيقة الأمر ليست كذلك، إذ بعد الاعتراف بهذا ستصبح كلها بموجب هذا الاعتراف إن حدث شيئا آخر.
هناك معاني تتلوها استحقاقات لا تعد ولا تحصى ولعل القانونيين العرب والفلسطينيين أولى الناس بتبيانها لهذا الجيل المنكوب، ولكن في المعاني المباشرة تظهر التالية على الأقل:
1- نسف الرواية العربية والفلسطينية والاسلامية بل وحتى المسيحية تماما، بما يعني قلب التاريخ 180 درجة بكل المضامين المحمولة وعلى كل المستويات.
2-يصبح بهذا الاعتراف الشعب الفلسطيني معتدٍ وكل كفاحه تخريب واعتداء في الماضي والحاضر والمستقبل والعرب الذين دعموا هذا النضال “التخريب” يصبحون بالتضامن مدانين حكماً.
3- تسقط نهائيا مسألة حق العودة ،بل على العكس يقدّم الكيان مشروعا سيحظى بقوة القانون عندها بمطالبة الشعب الفلسطيني والعرب بتعويضات عن سابق استغلاله ووجوده على هذه الارض طيلة الوقت كما سيقدم مطالباته لنواتج عمليات ما سيتغيّر من كفاح إلى عدوا، بمعنى الادعاءات بالحق العام والخاص “لضحايا” هذا العمل وورثتهم، مما يفتح قضايا قانونية لا حصر لها .
4- وضع الشعب الفلسطيني في حدود عام 48 لا يشذ عن ذلك ،وتستطيع دولة الكيان أن تمارس كل ما تريد من خيارات فستصبح مفتوحة على كل مصراع، من اسقاط صفة سكان شرعيين او “اصلاء البلاد” لمعتدين، ويغدو تسفيرهم مجرّد خيار رحيم من العدو لهم.
5-اوسلو اعتراف بمنظمة ممثلة لشعب من لدن العدو (هذا الشعب لم تحدد ارضه فيها) ما بني على كل ما تبعها لا قيمة له، فالرئاسات والحكومات والوزارات والسلطات ،كلها هياكل تنفيذية وتمثيلية لشعب معتد.! وقصة دولة غير عضو لا تزيد ولا تنقص، فهي دولة لم يتم تحديد ارضها هل هي في شارع أم في سيناء أم في الاردن ام غيرها.
6-تصبح فيها كل الفصائل الفلسطينية بصفة مستجدة كما كان العدو يستخدم لها دوما (مخرّبون) بدلا من مناضلون لأجل الحرية، وكذلك فسكان الضفة وغزة استخدم لوصف كل أملاكهم ومعاملاتهم لها طيلة الفترة الماضية التعبير( ساكن غير مالك) وكل ما يتعلق بالاوضاع التي نشأت كمرحلة تفاوض ستلغى بحكم قوة هذا الاعتراف الذي قد يستتبع إعادة التفاوض – إن قبل العدو- من نقطة صفرية جديدة يحددها هو منفرداً.
7_ثم شيء آخر مهم جدا لإضافته حيث تصبح فيه المقدسات غير اليهودية تحت يد الدولة اليهودية ومن حقها تنظيم وضعها وتوكل من تريد لكيفية التعامل معها كبرامج سياحة او مزارات الخ...وقد تهدم وتبني كما تشاء ..فلا أقصى ولا مهد آو قيامة والهيكل يغدو قانونياً بحكم الاعتراف، أما الأسرى فهم من وضع أسرى حرية ونضال سيتحولون فوراً إلى مجرمي وضع جنائي.
نترك الباقي لخيالكم فن واقع خبرتكم مع تاريخ هذا العدو السلمي جدا والأليف جدا والقنوع جدا، ولا يقولن أحد أن الرباعية أو الولايات المتحدة أو الاتفاقيات أو ما شئت من ذلك الطيف الذي خبرته القضية الفلسطينية جيداً من أول وعد بلفور إلى الكتاب الأبيض فالتقسيم فالاعتراف بالعدو الصهيوني فالموافقة له على ما اكتسب من أرض بالحرب الأولى عام 1948، فالسكوت عن ضمه للجولان والقدس، فالسكوت والخرس عن وضع المستوطنات والتهويد الحاصل بالقدس نهارا جهارا، وكل ذلك يجري ضمن ألعوبة المجتمع الدولي التي لم تفق إلا على هضم حق الفلسطيني والعربي بشكل عام، ناهيك عن حماية الفيتو الأمريكية الشهيرة المضافة إلى الدعم المالي والاقتصادي فالسياسي فالحلف الاستراتيجي العسكري مع أمريكا.

ما العمل؟

العمل أن ننجز فرضنا أولا ، وعليه فإن التنظير بانتظار الاممية الاسلامية لتحرير القدس وفلسطين، سواء أكانت هذه الأممية بقيادة تريد أن تكون وريثا للعثمانية السابقة وبتفاهم مع جماعة الأخوان ، أو كانت هذه الأممية على طريقة القاعدة والنصرة ومفرداتها من الذي أسموه بالجهاد العالمي، أو كانت حتى على الطريقة الشيعية التي قد يقولها مستقبلا وضع الجمهورية الاسلامية الايرانية وحزب الله اللبناني رغم أنه للحق لم يطرحا شيئا كهذا حتى الساعة، ولا حتى التنظير بالقومية العربية التي ظهرت واختفت برحيل الرئيس جمال عبدالناصر وانتهت بشنق الرئيس صدام حسين علنا، والقول بأن انتصار سوريا في المعركة الكونية ضدها كفيل بإعادة استنهاض القومية العربية من جديد في أجيال أصلب وأقوى، ولا هو أيضا بمأمون النتائج على ضوء الاصطفافات السياسية الغاذة بالنفس الطائفي والمذهبي والعرقي في إقليمنا، بل هو أولا وآخرا وقفة فلسطينية جديدة وجادة تقطع مع كل الماضي لجهة التعويل على نماذج وقياسات واستشرافات واجتهادات قديمة، وقفة تفتتح ورشة عمل فلسطينية لا تحكمها لا صلات أيديولوجية ولا صلات فكرية، بل تحكمها المصلحة الوطنية الفلسطينية أولا وأخيرا، تضع أمامها سؤال محدد، لماذا فشلت قضيتنا المركزية العربية والاسلامية والانسانية ووصلت إلى هنا؟ لماذا نحن اليوم إزاء طلب نفي الذات تماما وقبول الاغتراب عن الحقيقة والاستجابة للشيزوفرانيا المطلوبة من شعبنا؟ ثم إلى سؤال مع العمل لاسترداد فلسطيننا، على شعبنا أن يتسلّح بالقوة الاضافية ليقف هذا الموقف اليوم، ليس فقط أن يرفض ما هو مطلوب منه أو ما هو يباع باسمه في قصة يهودية الدولة، بل في مجمل عملية التصفية التي لبست اسم التسوية السياسية تقية وخداعا، على شعبنا اليوم أن يقول بقوة هل يريد وطنه حراً أم لا ولا مجال للمراوغة من أي جهة سياسية كانت لأنها بهذا المأزق الذي أوصلتنا إليه قد فقدت كل ما تبقى من ثقة وكل ما تبقى من تفويض، على الشعب الفلسطيني أن يدقق لماذا فشلنا ودهمتنا النكبة عام 1948، ولماذا يطلبون منا اليوم الأفول عام 2013 ويقدمنا بعض العرب هدية وقربانا قريبا من بئر يوسف عليه السلام؟،على الشعب الفلسطيني اليوم أن ينهض إلى مؤتمر عام جديد يطلب فيه حقه كما ذهب هؤلاء الأدعياء إلى مؤتمرهم في بازل بسويسرا عام 1897 ليسرقوا وطنا اسمه فلسطين ومستقبلا لأجيالنا الفلسطينية المظلومة في أرحام أمهاتها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 34 / 2166088

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع مستشار التحرير   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2166088 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010