الأحد 5 أيار (مايو) 2013

“المبادرة” ومسمار جحا

الأحد 5 أيار (مايو) 2013 par بركات شلاتوة

الآن بدأت تتضح أكثر من أي وقت مضى معالم تصفية القضية الفلسطينية وإحالتها إلى النسيان، خاصة أنها باتت في ذيل الاهتمامات بعد أن كانت قضية العرب المركزية . الاستفراد بالقضية الفلسطينية بدأت تنكشف فصوله فصلاً بعد آخر مع توغل ما يسمى بـ”الربيع العربي” في بلدان المنطقة واجتياحها واحدة إثر أخرى، ومع تصاعد التقسيم المذهبي والطائفي وتصنيف بلاد العرب وشعوبها بين “قيسي ويمني” .

آخر الفصول التي تجلت القبول بمبدأ التنازل عن جزء مهم من فلسطين المحتلّة لصالح الاستيطان والمستوطنات تحت بند ما يسمى “تبادل الأراضي” من خلال تعديل مشبوه، في الإجراء والتوقيت، للمبادرة العربية، التي هي بحد ذاتها قدمت تنازلات، ورغم ذلك فقد رفضتها “إسرائيل” منذ اللحظة الأولى .

المؤسف أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تعلّق حتى الآن على الموقف الجديد للجامعة العربية، صاحبة المبادرة وراعيتها، في ما يبدو أنه موافقة ضمنية على ما جاء فيها، رغم أنها تأتي في ظل تصعيد صهيوني وهجمة شرسة على الأرض والشعب في فلسطين المحتلّة .

أخطر ما في التعديل الجديد هو التعبيرات الفضفاضة فيه، بغض النظر عن رفض المبدأ من الأساس، لأن كلمات مثل “تبادل بسيط” و”متفق عليه” هي فخاخ بحد ذاتها، فمن يحدد أن تبادلاً ما للأراضي في المناطق المحتلة عامي 1948 و1967 بسيط أو كبير؟ فكلمة بسيط ليست وحدة للقياس وهذه أمور لا يمكن قياسها بالمتر، عدا عن ذلك فإن مصطلح “متفق عليه” يلغي الصيغ القانونية والقرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية الصادرة عن الأمم المتحدة، ناهيك عن كمون الشيطان في التفاصيل دائماً، والشيطان الصهيوني ذو طبيعة خاصة تتماثل مع العقلية الصهيونية .

فالتبادل بحد ذاته يكرس المستوطنات كأمر واقع في الأراضي المحتلّة عام 1967 وبالتالي يلغي قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، كما يلغي إمكانية إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً، لأن هذا البند أوجد أساساً للإبقاء على كتل استيطانية كبرى مثل “معاليه أدوميم” و”أريئيل” جاثمة على ال22 بالمئة المتبقية من فلسطين التاريخية، وسيتبع ذلك تذرّع “إسرائيل” في المستقبل بقضية “النمو الطبيعي” الذي سيتطلّب توسعة هذه المستعمرات على حساب الأرض الفلسطينية، ما سيبقيها كـ”مسمار جحا” في أراضي الدولة الفلسطينية المنتظرة .

الرد “الإسرائيلي” على التنازل العربي الجديد لم يتأخر كثيراً، فقد زعم رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو أن الخلاف ليس على الأرض وإنما على وجود الكيان، مطالباً بمزيد من التنازلات، وذلك بالاعتراف بـ”إسرائيل”، “دولة يهودية”، ما يعني شطب حق العودة وتقديم فلسطينيي الـ 48 لقمة سائغة للكيان للمضي في التضييق عليهم وسلب حقوقهم في مقدمة لطردهم . كما أن الأمر سيريح “إسرائيل” من كابوس يؤرّقها منذ اغتصاب فلسطين، هو المشكلة الديمغرافية التي تتمثّل في فلسطينيي الـ 48 .

“إسرائيل” وجدت في التعديل الجديد باباً جديداً لجر العرب إلى التطبيع معها تحت مسمى “السلام”، فهي ترى أن تحقيق التسوية مع الفلسطينيين سيتيح لها إقامة علاقات تطبيعية مع جميع الدول العربية، كي تصبح جزءاً من المنطقة وتدخل في علاقات معها، وقد تنتسب في النهاية لجامعة الدول العربية، راعية المبادرة العربية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165607

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165607 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010