الاثنين 13 أيار (مايو) 2013

حسن نصر الله: دعوة مقاومة حكيمة وشجاعة...

الاثنين 13 أيار (مايو) 2013 par أيمن اللبدي

في الكلمة الأخيرة التي القاها سماحة سيد المقاومة الوطنية والاسلامية اللبنانية السيد حسن نصرالله، ثمة أبعاد استراتيجية عميقة يجدر التوقف عندها قطعا، ذلك أنها من جهة تنهي فترة ما قبل 9 أيار لجهة تحديد مسار هذا الاقليم ومصيره، وإن كانت النقاط التي حددها سماحته في معرض هذه الكلمة والتي استرعت انتباه جل المحللين الاستراتيجيين الصهاينة بالدرجة الأولى فيما يتعلق بمآل جبهة الجولان والأسلحة الكاسرة للتوازن، فإن ثمة من بعد استراتيجي أعمق كان قد ورد ضمن سياق هذه الكلمة لم ينتبه له معظم المحللين لا من جهة خط المقاومة ولا من جهة العدو، ذلك أنها وردت دون أن يرقمها في هذا العرض على الطريقة التي قدّم بها ردود المقاومة على عدوان طائرات العدو الصهيوني التي ضربت في دمشق.
كان البعد الأعمق في هذه الكلمة هو الدعوة المفتوحة التي وجهها سماحته للمقاومة الفلسطينية وتحديدا لحركة المقاومة الاسلامية حماس، ولعل هذه الدعوة لا تقف عند حدود المخاطب الفلسطيني بشكل خاص فيما يتعلق بخياراته لاستراد حقوقه الوطنية والقومية والحفاظ على مقدساته التي صادف وأن عرض تدنيس العدو ومستوطنيه وتهديدهم للحرم القدسي الشريف بعدد قدّر بستين ألفا من هذه القطعان قبيل هذه الكلمة، إن حسن نصر الله اختار أن يذكّر المتقاتلين في هذا الإقليم بأن مصير الاشتباك القائم فيه مهما طال هو إلى نهاية محددة، هي نهاية على حساب هذا الاقليم وعلى حساب شعوبه فضلاً أنه على حساب قضاياه المصيرية وفي مقدمتها مقدساته وثرواته ومستقبله وتنميته وقضاياه الوجودية، لقد أوضح أن هذا المآل لن يضرّ لا الولايات المتحدة ولا الغرب ولا حتى العدو الصهيوني، فهذه الجبهة هي جبهة الفرجة في أي اقتتال من أي نوع بين شعوب هذا الاقليم.
من الواضح أن حربا على سوريا لمدة عامين ويزيد لم تخسر فيها لا الولايات المتحدة ولا الغرب ولا العدو الصهيوني جندياً واحدا ولا دولاراً واحداً، هي حرب استثنائية في هذه الوفرة التي تحققها للعدو الصهيوني أولا تضاف إلى مكاسبه من حروب الآخرين البينية كما في حالة حروب الخليج وتحطيم العراق، أو حروب القاعدة على الدول العربية وبنيانها السياسي والاجتماعي كاستهداف المملكة العربية السعودية في التسعينيات والانتقال لاستهداف العراق فسوريا ومن يعلم ما هي الامتدادات الممكنة في حالة انفلات عقال الارهاب المتلبس ثوبا دينيا، والاشتباكات البينية القائمة بين الدول أو بين المذاهب أو الطوائف أو الأعراق كما لا يخفى هي أسهل وأبسط وصفات الراحة الممكنة للعدو الصهيوني ولطمع ولرغبات النهب وجشع الاستغلال الغربي المفتوح على مصاريعه وخاصة عقب أزماته الاقتصادية الخطرة وفشله في تطبيقات الاقتصاد الائتماني ومشتقاته وحيل الاستغلال الفاحش والفساد الدولي.
وفي اللحظة التي تحس فيها هذه الاطراف الغربية ومعها الولايات المتحدة والعدو الصهيوني أنها باتت لا تملك القدرة الاستنزافية لمقدرات هذا الاقليم الا عن طريق الحروب البينية، فهذا دليل مؤكد على عجزها البالغ وتراجعها العام، فهذه الدول ذاتها التي جردت سيوفها في العراق وأفغانستان بمنتهى منطق الصلف والعنجهية ومارست الأحابيل والتضليل حتى من بوابة الامم المتحدة ومجلس الامن وما تسميه النظام الدولي الذي اشتقت له مع بداية التسعينيات تسمية الجديد ، خارجة للتو مما حسبته زهو الانتصار على الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، وأنها في طريقها لحكم العالم أجمع عبر قطب واحد لا غير، لم تستطع بعد معركتها القاصمة في العراق وأفغانستان إلا أن تواجه الحقيفقية، فمثلما سقط الاتحاد السوفيتي دون طلقة واحدة كما أحب هؤلاء أن يفاخروا في نيويورك وواشنطن ولندن مطولاً، فإن منظومة الغرب كلها باتت تخر شيئا فشيئا أيضا دون طلقة رصاص واحدة باستثناء الانهاك الذي اعتراها في حربي العراق وأفغانستان، لقد تكفل جشع وطمع هذه الميجا-امبريالية بنخرها.
المشهد الذي قدمته هذه في ليبيا ليس مشهد قوة على الاطلاق، بل هو مشهد ضعف مؤكد، وتوالي مشهد محاولة الانسحاب من افغانستان بأخف الخسائر وأقل ذل ممكن هو أيضا مشهد مضاف، أما المشهد الاكثر جلاء فهو حرب لمدة عامين على دمشق لم تجرؤ أيها على الاندفاع المعروف للكاوبوي الامريكي والعربدة الغربية أن تفعله لعدة عوامل أهمها الضعف الحقيقي في بنيانها الاقتصادي وتاليها موقف صاحب القوة الاقتصادية الدولي الجديد الكامن في الصين وروسيا ومنظومتي البركس السيادية وشنغهاي العسكرية، ولذا فإن ما تفعله الولايات المتحدة والغرب عموما هو مزيد من إغراق هذا الاقليم بكل أنواع الحروب البينية لعلها تستطيع وهي تنكمش إلى الهادي والاطلسي أن تبقي لها قدماً زائدة من خلال تفاهمات استراتيجية مع القوى التي تدخل لترث هذا الاقليم، وهو الامر الذي كانت تحرص عليه دائما في سياساتها السابقة.
اليوم لا مجال لانكار تضعضع الصورة السابقة لهيمنة القطب نهائيا وأن منظومة الاقطاب التي حلت مكان حالة اللاقطب التي اعترت العالم قبل أن تفرز الامور بشكل جيد كما هو قائم اليوم تستدعي تحديد الخيارات من قبل قوى هذا الاقليم، فالرهان على عنصر آفل مثلما تفعل بعض القوى والشخصيات أو الحكومات هي ترتكب أشنع أنواع الأخطاء حماقة، ولا بد لها أن تتدارك ما تفعله إجمالا من خلال قراءة الموقف الاستراتيجي جيدا وصياغة تقدير موقف استراتيجي صحيح، مهم أن يحل تشابك المصالح بين هذه القوى وتجسير المصالح وفق قاعدة الاولويات والمشتركات، لان هذه هي الطريق ليس فقط لوقف استنزاف الاقليم من خلال هذه التسلية والالعاب التي يمارسها الآفلون، بل لأن هذا الذي جرى تسمينه يوما أي الكيان الصهيوني يدرك تماما أن انسحاب المعسكر الذي طالما كان سببا في وجوده وفرضه قويا هو بالنسبة إليه الزوال المؤكد، ولذا فهو ليس من الترف أن يبدأ اليوم بالالحاح على الهوية وعلى المطالبة بقبوله يهوديا كما يظن انها طوق النجاة له في صراع الوجود الذي ينتظره عميقا.
إن التلاقي بين القوى الفاعلة بغض النظر عن جسامة الاخطاء التي وقعت فيها وهي كثيرة ومن كل الاطراف معا مع فارق في فداحة واحد منها علن الآخر في مجال تقييم ما سبب هذه الحالة من الاستقطاب والتنافر والتعسكر، لكن قطعا هناك من هو أكثر اتزانا من آخرين وبشكل واضح قدّموا أوضاعهم وأحوالهم على أساس أنها أداة فقط في يد اللاعبين المركزيين والمشكل أنهم كأداة كانوا أشد فتكا رغم محدودية حجومهم وأوزانهم وتاريخ رصيدهم في هذا الاقليم في كل المستويات، إن الذهاب أولا إلى إعادة التوازن في الحوامل الاساسية لهذا الاقليم بين كل من إيران والمملكة العربية السعودية، وإيران وجمهورية مصر العربية، وسوريا وتركيا والسعودية، ثم سوريا ومصر، هي الصيغة لاصطياد كل القنابل المتفجرة والأفخاخ المنتظرة بيد هؤلاء الآفلين، وهي الصيغة لاعادة نصب نظام رسمي عربي متضامن متكافل نشط ويمتلك ورقة انضمام إلى مستقبل عديد الاقطاب، ولم يفت أي أوان بعد لهذا فإن لجم قوى صغيرة عن تهديد وإيذاء نفسها بالقدر الذي تؤذي مجمل الحالة بما تضم من الأكبر منها بكثير هو موضع النزف الذي يجب أن يتوقف لئلا يقود لما هو أخطر سيما وأنها قد أخذت شوطها الكامل وحصدت الفجيعة الآن بما يهدد مصير كل الاقليم.
هل صحيح أن المقاومات في فلسطين ولبنان والعراق واليوم سوريا من بوابة الجولان لن تستطيع أن تكون إلا حركة تابعة لحركة القوى الأكبر والتي قد يكون بعضها يعتقد ويظن أنه المرجع الفكري أو السياسي أو حتى أبعد من ذلك مع ما في هذه الافتراضات كلها من مدركات وانزياحات شتى بحسب الحالة؟ إن الجواب الحقيقي هو لا فعلا وليس اعتسافاً، وليست الحالة قياسا على ما هو قائم في بعض الدول كما هو في تأثير دول بعينها على تيارات أو قوى أو أحزاب غير مقاومة ضد العدو الصهيوني كما في حالة السلفيين وتيار المستقبل اللبناني أو تيارات صدرية في العراق أو تيارات تسمى سنية أيضا في العراق إلى ما شابه من هذا الطيف، فالقوى المقاتلة ضد العدو الصهيوني ناظمها الأساس أنها تستطيع بما تقدمه لهذه الامة من تضحية بالغة وبما ثبت ورسخ في سجلها أن تكون هي اللاصق المطلوب بين القوى الكبرى وهي المحفز لتفعيل انزيمات التواصل المطلوبة وليس العكس، ومن هنا فإن دعوة من هذا النوع وهذه الدرجة تستدعي من هذه القوى المقاتلة أن تسعى أولا لترميم الفجوات وسد الثغرات وتدارك ما تشقق وما تبعثر جرآء صخب حالة والانجرار السلبي لما كان لا يجب ان تكون محصلة العزوم فيه غيرصفرية على هذه القوى احتراما لتاريخها وعهدها وما قدمت نفسها له من واجب مقدس، ولديها من نقاط الجذب أكثر مما تظن جماهيريا وشعبيا في الرصيد الراسخ، ولذا عليها اليوم أن تبدأ وتستجيب لهذه الدعوة المباركة.
إن إعادة تحديد الاولويات الحقيقية في الحفاظ على الذات القومية والوطنية مع هامش من التنمية والتطوير والاستعداد للمستقبل القادم بيد منظومة جديدة ستحل مكان منظومة الحمايات والاستغلال ومفهومها العام الماضي، سيكون أفضل بكثير من المراهنة على عوامل انتصار في معركة بينية كل نتائجها خسارة الجميع وتقدم فرص العدو الصهيوني ليناور لاحقا أطول فترة ممكنة، ولكي يرهق بواقي ونواتج الصراعات الطاحنة ويجعل حتى قيمة ما تخرج به من صراعها الطويل جرآء حروب الداخل مجرد كومة من قش أمام استعداداته اللافتة. نعم لقد حان الأوان للتشبيك والتلاقي والتفاهم بدلا من منطق الصراع ومنطق حروب الجهالة والجاهلية بغض النظر عن الدوافع والمبررات، فهل نشهد استجابة حقيقية لمثل هذه الدعوة تبدأ اولا بإعادة اصطفاف المقاومة الفلسطينية مع المقاومة اللبنانية وجديده المقاومة السورية التي أصبحت اليوم القادم المؤثر في معركة الامة ضد عدو مقدساتها وتنميتها ومصيرها؟ سؤال برهن القوى وعقلائها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 46 / 2165988

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع مستشار التحرير   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165988 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010