الجمعة 3 أيار (مايو) 2013

منافقون

الجمعة 3 أيار (مايو) 2013 par عوني صادق

أستمع أحياناً لبعض الصهاينة “الإسرائيليين”، وأحياناً أقرأ لبعضهم، فتصيبني الدهشة ويستولي علي، للحظات، وهم مفاده أن بين الصهاينة من يريد السلام، ويندد بالاحتلال، ويقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، فلماذا لا نعترف بذلك؟ لكن ما هي إلا لحظات، وعادة قبل أن ينهي المتحدث حديثه، وينهي الكاتب مقاله، أصحو على الوهم الذي اجتاحني، وأجد نفسي أمام دجال .

جدعون ليفي كاتب صحفي، صهيوني “إسرائيلي”، يصلح نموذجاً للدجال الذي قصدته، أحرص دائماً على متابعة كتاباته، وأعترف أنه “مختلف” عن غيره، بل إنه أحياناً يدهشني، لأنني أجده أعلى صوتاً من كثير من الكتاب العرب وبعض الفلسطينيين في تنديده بالاحتلال “الإسرائيلي”، والنظام العنصري لدولته وممارساتها، والمطالبة بالاعتراف ببعض الحقوق الوطنية الفلسطينية . وهو بالتأكيد لا يعجب كثيراً أغلبية الصهاينة “الإسرائيليين”، وغير “الإسرائيليين” .

في الأيام الأخيرة كان ليفي في زيارة لجنوب إفريقيا، وعاد منها مفعماً بالقناعة بأنه يمكن حل القضية الفلسطينية سلمياً، ووضع حد للصراع “الإسرائيلي- الفلسطيني”، وإقامة دولة واحدة لشعبين تسودها المساواة، ونظام عادل تنتفي فيه مشاعر الحقد والعداء والكراهية في فلسطين التاريخية . وقد بشر بذلك في ثلاثة مقالات، حتى الآن، نشرتها صحيفة (هآرتس-21 و25 و28 /4/2013) .

في مقاله الأول، تحدث ليفي عن “درس” ل”الإسرائيليين”، استقاه من تجربة جنوب إفريقياً ونظامها الذي كان عنصرياً، فقال: “الدرس الرئيس ل”إسرائيل”، هو في اللحظة التي تغلغل فيها وعي أنه ما عاد يمكن الاستمرار في الفصل العنصري . وحين صيغ هذا الوعي أصبح الطريق قصيراً” . ويضيف: “فلو كانت “إسرائيل” أشد وعياً لوضعها لكانت الآن أيضاً في مكان ما تقول: ما عاد يمكن الاستمرار”!

وفي مقاله الثاني، يقدم “الدرس” للفلسطينيين، فيخبرهم أن نضال السود في جنوب إفريقيا العنصرية اختصر “في قضية واحدة، وهي حق الجميع في التصويت”، تحت شعار “إنسان واحد، صوت واحد”، ويضيف: “لم يكن شعار إنسان واحد صوت واحد الذي طالب به نيلسون مانديلا شعاراً فقط، بل كان هدفاً استراتيجياً” . ورأى أنه “حان الوقت ليتبناه الفلسطينيون، وليعترفوا بأن حلم الدولتين أصبح غير ممكن، وأن الاحتلال أقوى منهم، وأن المستوطنات أكبر منهم”، وأنه “حان الوقت أيها الفلسطينيون الأعزاء لتغيير الاستراتيجية” !

ويعتقد ليفي أنه إذا ما “وعى” “الإسرائيليون” بأنه “ما عاد يمكن الاستمرار”، واقتنع الفلسطينيون بتغيير الاستراتيجية، وتبني شعار، أو هدف، “إنسان واحد، صوت واحد”، فإن النتيجة ستكون “أمراً من اثنين”: أن ينجح الفلسطينيون في إزالة المخاوف، وأن “الدولة الديمقراطية الواحدة مستقبل واعد”، أو “أن يصحو “الإسرائيليون” ويسارعوا إلى إخلاء جميع المناطق، ويمكنون من إنشاء دولة فلسطينية ذات بقاء” . . ويجزم بأنه “لا توجد إمكانية عادلة ثالثة” . وفي مقاله الثالث، لا يضيف ليفي جديداً إلى ما قاله في مقاليه، والتزم لغة التبشير، دون التعرض لأية حقائق تاريخية أو على الأرض، مؤكداً أن الحل الذي يقترحه ليس “أسطورة” .

لا أريد أن أشكك في نوايا ليفي التي قد تكون “طيبة” بالنسبة لصهيوني “إسرائيلي”، مع أن في ما كتب ما يدعو إلى التشكيك . والمشكلة، على أية حال، ليست في النوايا، بل في الحقائق التي تجاهلها ليفي عند قراءته تجربة جنوب إفريقيا، ونظامها الذي كان عنصرياً . وتجاهل تلك الحقائق وحده كاف للتشكيك في نواياه .

أول تلك الحقائق التي تجاهلها ليفي، أن المستعمرين الإنجليز الذين استوطنوا جنوب إفريقيا، لم يأتوا إليها بناء على “وعد إلهي بمنحهم تلك الأرض”، ولم يزعموا أنها كانت وطنهم قبل آلاف السنين، وأن “عودتهم” إليها كانت استجابة لذلك الوعد الإلهي المزعوم .

وثاني تلك الحقائق، أن المستعمرين الإنجليز لم ينفوا أن السود هم أصحاب البلد، وإن استولوا على أرضها وثرواتها، بل كانوا يسمونهم “السكان الأصليون” . لذلك لم يسعوا يوماً لطردهم أو تهجيرهم منها بكل الوسائل الممكنة، وأولها الإرهاب والقتل .

وثالثها، أنه عندما رفع نيلسون مانديلا شعار “إنسان واحد، صوت واحد”، كان يعرف أن المستوطنين البيض كانوا قلة، وأن وضع الشعار في التطبيق يعني أن تؤول السلطة إلى أصحابها الحقيقيين، إلى أصحاب البلد الأصليين . بينما أصحاب البلد الأصليين في فلسطين التاريخية لا يشكلون حتى الآن الأغلبية، ولا يعني إعطاءهم حق التصويت انتقال السلطة إليهم .

ورابع الحقائق التي تجاهلها ليفي وأخطرها، تلك المتعلقة بوضع اللاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين، والذين يصل تعدادهم إلى ما يساوي نصف الشعب الفلسطيني بمجموعه . بمعنى آخر، تجاهل ليفي حق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي طردوا منها، ولم يكن ذلك “سهواً” بل عن سبق إصرار وترصد . فلأنه باعترافه تمسكه بصهيونيته، وباعترافه، أيضاً في مقالات سابقة له، لا يوافق على عودة اللاجئين، لأن عودتهم ستغير من الواقع على الأرض، خصوصاً إذا تمسك بشعار “إنسان واحد، صوت واحد” . لذلك كان عليه أن يسقط عامداً متعمداً موضوع عودة اللاجئين، وربما على أساس أننا يجب أن نبدأ “بما هو موجود الآن” في فلسطين التاريخية . . وربما بدون قطاع غزة أيضاً .

لقد أوضح ليفي أن ما يقترحه لن يتم في يوم وليلة، بل سيأخذ “بعض الوقت” . حسناً، ومن دون أن أسأل كم من اليهود يمكن أن يقبلوا اقتراحه، أعلن هنا كفلسطيني، أنني على استعداد لتأييد اقتراحه ومن دون الاعتراض على شيء، شريطة أن يشمل الحل عودة اللاجئين الفلسطينيين، فهل يقبل ليفي ذلك؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165924

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165924 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010