الجمعة 3 أيار (مايو) 2013

التفاهمات بين المنظمات الصهيونية والنازية

الجمعة 3 أيار (مايو) 2013 par رغيد الصلح

خلال الأيام القليلة المقبلة تمر الذكرى الثمانون على بدء المفاوضات بين المنظمات الصهيونية من جهة، والسلطات الألمانية، من جهة أخرى، التي أسفرت عن الاتفاق بين الجهتين على تسهيل هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين . وعلى أثر نجاح هذه المفاوضات وتوقيع الاتفاق الذي دعي ب”اتفاق هعفارا” بين الفريقين خلال شهر أغسطس/ آب من العام نفسه، ارتفعت نسب أولئك المهاجرين إلى الأراضي الفلسطينية بصورة ملموسة، ما ساعد على إضفاء مصداقية على المشروع الصهيوني .

رغم أهمية تلك المناسبة وأثرها الواضح في تزخيم الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومن ثم في تسهيل قيام الكيان الصهيوني، فإنه من المقدر أن يتجاهلها “الإسرائيليون” . فهذه المناسبة تشكل جزءاً من تاريخ تحرص “إسرائيل” على إسدال ستار كثيف من النسيان عليه . ذلك أن المحادثات بدأت بعدما دبّر هتلر الانقلاب على الديمقراطية الألمانية، واستولى على الحكم، وشكل حكومة خاضعة كلياً للنازيين . ولقد أتى النازيون إلى الحكم ومعهم سجل حافل بالعداء للسامية وبالتحريض على اليهود، وتحميلهم مسؤولية الهزائم والمصاعب التي تعرضت إليها ألمانيا . ولم يكتم اليهود مخاوفهم من وصول هتلر إلى السلطة، ولكن الصهاينة الألمان الذين شاطروا اليهود الآخرين مشاعر القلق هذه، افترقوا عنهم بأنهم وجدوا في صعود النازيين فرصة لإقناع الدولة الألمانية بتبني مشروع إقامة دولة لليهود في فلسطين، وبالتعاون معهم على تشجيع الهجرة اليهودية إلى الأراضي الفلسطينية .

لقد صدقت تلك التقديرات، لكن هتلر الذي كان يفضّل ألا يذهب اليهود الألمان إلى بلد واحد، حتى لا يتحول ذلك البلد إلى مصدر شرور لألمانيا أو لأوروبا التي كان يطمح في السيطرة عليها، إلا أنه ما لبث أن اقتنع بعد فترة قصيرة بجدوى تهجير اليهود إلى فلسطين . ويجدر بالذكر أن الذي أسهم في الترويج لهذه الفكرة هم المسؤولون الألمان الذين كانوا، إضافة إلى انتمائهم إلى النازية أو محاباتهم لها، مقتنعين بأن الصهيونية ستكون عضداً للنازية ولمشاريعها في ألمانيا وأوروبا وفي العالم .

من البديهي أن ترغب “إسرائيل”، كما ذكرنا أعلاه، في التقليل من أهمية علاقات التفاهم بين النازيين الذين ألقوا بملايين اليهود في المحرقة، والمنظمات الصهيونية . غير أن “الإسرائيليين” يذهبون إلى أبعد من ذلك عندما يحاولون إغراق تاريخ العلاقة مع النازيين بسيل من المؤلفات التي توحي بأن العرب هم الذين أقاموا علاقات وثيقة مع النازيين . تستند هذه المؤلفات إلى علاقات متقطعة أقامها عدد قليل من الزعماء العرب مع ألمانيا النازية . وكثيراً ما تؤكد هذه المؤلفات أن العرب أقاموا حلفاً مع هتلر لأنهم يميلون أصلاً إلى حكومات الاستبداد .

في الحالات كافة، فإن ضرورات العمل ضد الصهيونية وضد العنصرية، تلح على أهمية تسليط الأنظار على هذه الحقبة من التاريخ العالمي . وحبذا لو سعت مراكز البحوث والمعرفة والتفكير في المنطقة العربية إلى تنظيم ندوات علمية جادة لدراسة هذه الحقبة التاريخية . ولسوف تحقق هذه المؤتمرات والمبادرات خدمة كبرى للعلم والمعرفة، ولكل متضرر من النظم العنصرية ومن مظالم الاستبداد، حيث إنه سوف يكون باستطاعتها الكشف عن الجوانب التالية:

* أولاً، الجذور المشتركة بين الصهيونية وغيرها من النظم والحركات العنصرية خلال الثلاثينات من القرن الفائت . ولسوف يساعد وضع اليد على هذه الجذور على إعادة تقييم أثر سقوط نظام الأبارتايد في إفريقيا على الجهود العالمية الرامية إلى القضاء على العنصرية . لقد كان الكثيرون يناضلون ضد نظام الأبارتايد على أساس أنه آخر حصن للعنصرية في العالم بعد سقوط العنصرية في أوروبا . غير أننا اليوم، نجد أنه بالرغم من أهمية الانتصار الكبير المتمثل في نهاية الأبارتايد، فإن العنصرية لاتزال مستمرة، وهي تسجل نجاحات سياسية وانتخابية في العديد من البلدان، وحتى في بلادنا العربية وغيرها تحت شعار مناهضة الهجرة أو الإرهاب . وتشكل “إسرائيل” وأنصارها الدوليون ظهيراً قوياً للنظم العنصرية ولأفكار التطهير العرقي والديني في العالم . ورغم توفر الأمثلة المعاصرة الكثيرة التي تؤكد مثل هذا الانطباع، إلا أن مراجعة تجارب الثلاثينات، حيث وصل العنصريون إلى ذروة قوتهم، سوف تكون عوناً كبيراً لنا للتعرف بدقة أكبر إلى الحركات العنصرية، وإلى دوافعها وأسباب صعودها وانحسارها .

* ثانياً، “عالمية” الحركة الصهيونية . فمن الكتابات المحدودة عن علاقة الصهيونية بالنازية، يخيل إلى البعض أن هذه العلاقة كانت خاضعة لاعتبارات مكانية، وبقيت محصورة في الدول والمجتمعات التي تضم كماً كبيراً من اليهود . إلا أن واقعة “الهعفارا” وما رافقها من تحركات للمنظمات الصهيونية في العالم يدلنا على أنها كانت حليفاً وظهيراً للأنظمة العنصرية والإمبريالية في أنحاء متفرقة من العالم . ففي أوروبا أقام الصهاينة علاقات وثيقة مع موسوليني في إيطاليا، وكانت علاقتهم معه وثيقة، كما أقاموا علاقات جيدة مع حكومة فيشي في فرنسا . بيد أن علاقات المنظمات الصهيونية لم تنحصر في المدار الأوروبي، بل بلغت اليابان، حيث دارت مفاوضات بين الحكومة اليابانية في الثلاثينات التي كانت تعتنق النظريات العنصرية حول التعاون بين الجانبين . وتمحورت المحادثات بصورة خاصة حول استقدام المهاجرين اليهود إلى اليابان، لكي يسهموا في تأسيس مستوطنات يابانية في الأراضي الصينية والأراضي الآسيوية التي تستولي عليها اليابان .

* ثالثاً، الفوارق المهمة بين الصهاينة الذين يضمون اليهود وغير اليهود، هذا من جهة، واليهود الاندماجيين من جهة أخرى . لقد وقف أكثر اليهود الألمان وبوضوح وجرأة ضد النازية وضد المشروع الصهيوني، وشكلوا جزءاً مهماً من جموع الألمان الذين ناهضوا الهتلرية عن طريق الحراك السياسي والمقاطعة الاقتصادية . بالمقابل وقف الصهاينة الألمان إلى جانب الهتلريين وتعاونوا معهم وساعدوهم على إحباط الحملات التي نظمها اليهود الاندماجيون، وعلى تفكيك منظماتهم وعلى عزلهم عن بقية الألمان الليبراليين والديمقراطيين والتقدميين، فأسهموا بذلك في ترسيخ الحكم النازي . هنا أيضاً لا نفيد من جهود البحث والدراسة لكي نطلع على فصل من فصول الماضي التاريخي فحسب، وإنما لمقارنته بأوضاعنا اليوم، حيث يغيب عن بال البعض منا أن اليهود ليسوا شيئاً واحداً، وأن مشكلة العرب والفلسطينيين هي ليست مع اليهود وإنما مع الصهاينة، سواء كانوا من اليهود أم من غير اليهود .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165611

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165611 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010