الجمعة 3 أيار (مايو) 2013

أمَّة في «موت سريري»!

الجمعة 3 أيار (مايو) 2013 par جواد البشيتي

“العربي”، والذي لجهة وجوده الواقعي، ووجوده في مشاعر الانتماء، بين “مَدٍّ” و“جَزْرٍ”، هو الآن، وأكثر من ذي قَبْل، يعاني “أزمة هوية”، أو “أزمة إعادة تعريف نفسه”؛ وإنِّي لا أُغالي في شعوري بالإحباط والتشاؤم إذا ما قُلْت إنَّ “العرب”، وعلى كثرتهم العددية، هُمْ الآن قِلَّة قليلة، وإنَّ القابِض على “عروبته”، أو “انتمائه القومي”، كالقابِض على الجمر، وعليه أنْ يتحمَّل الهزء والسخرية منه، ومعاملته على أنَّه “طوباوي” في تفكيره، مُنْفَصِلٌ، في إحساسه، عن “الواقع”؛ فـ“العربي”، ولجهة وجوده، ماضيًا وحاضِرًا ومستقبلًا، هو، على ما يرى “الواقعيون”، في ملاذتهم الطائفية والمذهبية والقَبَلِيَّة والعشائرية..، كـ“العنقاء”، كائنٌ خرافيٌّ.
في زمن غير هذا الزَّمن كُنْتُ أرى في كل انتماءٍ قوميٍّ انتماءً إلى الماضي أكثر منه إلى المستقبل، ويَهْبِط بأصحابه درجة، أو درجات، في “سُلَّم الحضارة (وقِيَمها الإنسانية)”؛ فالنَّاس جميعًا كانوا، على ما “توهَّمْت”، قاب قوسين أو أدنى من اكتشاف “بُعْدهم الإنساني (والكوني)”.
أمَّا اليوم فاخْتَلَفَ كل شيء في “الواقع العربي”، وفي “واقِع العالَم”؛ وتُلْزمني “الواقعية”، من ثمَّ، أنْ أَنْظُر بـ“عَيْنَيْن مختلفتين” إلى هذا الواقِع المُخْتَلِف، وذاك، “مُتَمَنِّيًا” أنْ يُوَفِّق الله العرب إلى اكتشاف “بُعْدهم القومي”، أيْ إلى اكتشاف ما اكتشفه غيرنا منذ قرون من الزَّمان؛ فما أَصْعَبَ وأَشَقَّ وأَقْسى أنْ تكون “عربيًّا”، مناديًا بـ“أُمَّة عربية واحدة”، نَقِيَّة من “الشوفينية”، تتَّخِذ من القِيَم والمبادئ الإنسانية والديمقراطية أساسًا لبنائها، وتتَّحِد بما لا يستكرهه “تنوعها”، وبما يَجْعَل “سيادتها القومية” فَوْق الشبهات.
لقد عاينَّا “العربي (القومي) المُزوَّر”، وعانَيْنا منه زمنًا طويلًا؛ وكان في معنى وجوده كـ“النِّقْد المُزوَّر”، يَدُلُّ على وجود، ويؤكِّد وجوب وجود، “النَّقْد الحقيقي”.
وهذا “العربي (القومي) المُزوَّر” ما أنْ وقَعَت الواقعة، حتى تعرَّى من لبوسه القومي، وشرع يبحث له عن “ملاذٍ” لا يلوذ به إلاَّ كل متعصِّبٍ لانتماءٍ دُون الانتماء القومي، ومعادٍ له، وكأنَّ “داحس والغبراء”، وما شابهها انحطاطًا في الصراع، هي صراعه الحقيقي.
ما فعله، ويفعله، لا يحز في نفسي؛ فَلَم أُعلِّل نفسي قط بوَهْم أنَّ ظاهره باطنه، وأنَّ باطنه ظاهره؛ فإنَّ ما حَزَّ، ويحزُّ، في نفسي هو أنْ يَقْبَل بعضنا أنْ يكون لحروب “داحس والغبراء” وقودًا، وكأنَّ غاية “أسياد اللعبة (من قوى دولية وإقليمية)” هي أنْ يَلِد “جبل الربيع العربي” بعد تمخُّضه “فأرًا”، هو كناية عن أشباه “داحس والغبراء”؛ فلا ديمقراطية، ولا “دولة مدنية”، ولا “دولة مواطَنَة”، نفوز بها، ونحصل عليها؛ ونُجْهِز بأيدينا على “جريحنا”، وهو “العروبة”، انتماءً وشعورًا ووعيًا ووجودًا.
“العربي” لَمْ أَرَهُ “فارسًا لا يُشَقُّ له غبار”، باسِلًا مقدامًا صنديدًا، يبذل الغالي والنفيس، إلاَّ في كلِّ صراعٍ (ومعركة، وحرب، وقتال) يُشْعِل فتيله، ويؤجِّجه، ويقوده، “الأموات”، الذين يُبْعثون بعد موتهم في هذا الصراع، وبه؛ فهؤلاء هُمْ “حصان طروادة” لقوى دولية وإقليمية لها مصلحة حقيقية في النأي بالعرب عن الديمقراطية، بقيمها ومبادئها المعروفة، وفي القضاء على البقية الباقية من مقوِّمات الوجود القومي العربي من طريق الاقتتال الطائفي والمذهبي والقبلي والعشائري.. للعرب؛ فمع غروب شمس الوجود القومي العربي تلتمع في سمائنا الليلية كواكب إقليمية، في مقدَّمها “كوكب إسرائيل”.
ما أَصْعَب أنْ تَجْمَع ثلاثة من العرب في صراعٍ من أجل قضية تَكْمُن فيها قيَم إنسانية، أو حضارية، أو ديمقراطية، أو قومية؛ وما أسهل أنْ تَزُجَّ بالملايين منهم في صراعٍ طائفي أو مذهبي أو قبلي أو عشائري..، لا شبيه له، في سخفه وحماقته وتفاهته، إلاَّ صراع أصلعين على مشطٍ!
مِنْ “قُبُورٍ”، أصبحت أثرًا بعد عين، تَخْرُج لنا قيادات الآن، تقودنا إلى حيث هلكنا غير مرَّة من قَبْل؛ فكل صراعٍ عرفناه قبل قرون من الزمان يَحْضُر الآن فينا، في وعينا ومشاعرنا ونفوسنا، وكأنَّ مستقبلنا هو ماضينا، نمضي إليه برؤوسنا وأَرْجُلنا؛ فهلاَّ تسخر مِنَّا الأُمم أكثر لعلَّ الحيُّ فينا يُسْتَفَز.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2176677

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2176677 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40