الخميس 2 أيار (مايو) 2013

خطيئة أخرى للجنة المبادرة العربية

الخميس 2 أيار (مايو) 2013 par منير شفيق

بدلاً من أن تحلّ لجنة المبادرة العربية الخاصة بمتابعة المبادرة العربية للسلام المقرّرة في القمة العربية في بيروت 2002، نفسها، وتعلن عن فشلها الذريع، وتقترح على مجلس الجامعة سحبها، والإعتذار على تبنيها وما تضمنه ذلك من تنازل عربي مجاني يشكّل سُبّةً في تاريخ قرارات القمم العربية، نعم بدلاً من حلّ نفسها والإعتذار والإعتراف بالفشل أقدمت على تنازل عربي مجاني جديد مفاده القبول بمبدأ تبادل الأراضي المتبقية من أرض فلسطين، والتي تقلّ عن 22% منها، فضلاً عن تأكيد التمسّك بالمبادرة الكارثية التي تضمنت تعهداً عربياً رسمياً بالإعتراف بالكيان الصهيوني إذا ما انسحب من الأراضي المحتلة في حرب حزيران 1967.
وبهذا تكون المبادرة العربية قد تنازلت عن حقوق ثابتة فلسطينية وعربية في 78% من أرض فلسطين، واعترفت بكيان صهيوني اغتصب الأرض وشرّد أهلها بمخالفة صريحة للقانون الدولي. مما جعل وجوده والإعتراف به من وجهة نظر ذلك القانون غير شرعي وباطل، فضلاً عن رؤيتنا الأساسية للقضية الفلسطينية.
والآن تأتي لجنة المبادرة العربية لتؤكد ذلك حين أضافت عليه تنازلاً جديداً، يقبل بمبدأ تبادل أراضٍ من الضفة الغربية والقدس (ربما القدس كلها ما دام الباب في تبادل الأراضي قد فتح).
لو سُئِلت لجنة المبادرة، وبحضور أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي بأيّ حقٍ قررتم القبول بمبدأ تبادل الأراضي قبل مجلس الجامعة العربية، وبمقابل ماذا؟ تُقدِمون على هذه الخطوة، أم هي خطوة تنازل مجاني كالعادة تقدم بناء على طلب أميركي؟ أو على أمل، كسراب خُلّب دائماً، بأن يتحقق “تنازل” صهيوني عن بعض حقوقنا.
والأنكى تأتي هذه الخطوة خارجة عن السياق العام الذي يسود الوضع كله كأنها تريد أن تقول للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية لماذا تهّمون بإطلاق انتفاضة تطلق كل الأسرى وتدحر الإحتلال وتفكك المستوطنات وتستنقذ القدس فيما الطريق الوحيد “المضمون” هو الطريق الذي سارت عليه سلطة رام الله ومن سار على هذا النهج من الحكومات العربية منذ اتفاق أوسلو 1993/1994 حتى الآن. ولهذا جئنا لنؤكده بسبب ما أثبتته التجربة من بعده، ومن بعد المبادرة العربية للسلام، كما من بعد مسلسل التفاوض والوساطات الأميركية.
أما الدليل على “صحة هذا النهج” فهو ما ترونه من استيطان انتشر في جسد الضفة الغربية كالسرطان فلم يبق منها إلاّ الفتات التي قد تبقى للدولة -الدويلة العتيدة بعد التسوية، وهو أيضاً، ما ترونه من زيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس من مائة ألف قبل اتفاق أوسلو إلى ستمائة ألف الآن، وهو، أيضاً، ما ترونه من تهويد للقدس.
حقاً كيف أمكنكم، يا نبيل العربي يا أمين عام الجامعة العربية، ويا رئيس لجنة المبادرة ورئيس الحكومة القطرية ووزير خارجيتها حمد بن جاسم آل ثاني، ويا أعضاء اللجنة وفي مقدمكم محمد كامل وزير خارجية مصر ورياض المالكي وزير خارجية سلطة رام الله على التبرّع بهذا التنازل وبكرم حاتمي في وقت ثبت بالتجربة، وباعتراف محمود عباس، وباعترافات سابقة من أغلبكم، بأن المفاوضات كانت عبثية. بل أن أوباما نفسه انسحب بعد أن بذل جهداً في السنتين الأوليين من عهده الأول من محاولة السعي من خلال المفاوضات لتحقيق ما يسمّى بحلّ الدولتين (بالرغم من أنه حل كارثي لو تحقق، وبأي شروط كانت، بالنسبة إلى القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني والحقوق العربية والإسلامية في فلسطين. لأن حلّ الدولتين يعني التنازل عن غالبية فلسطين والاعتراف بدولة الكيان).
لقد انبرى ممثلون عن سلطة رام الله وكذلك فعل أمين عام جامعة الدول العربية في تسويغ هذه الفعلة المشينة من حيث المبادئ والثوابت والأخلاق، والمباعة مجاناً من حيث السياسة وحتى من حيث “فن” البيع والشراء، ليقولوا أن التعديلات المشار إليها ستكون طفيفة ولا أهمية لها وستقابل حين تحدث بمثلها وبما يوازيها من حيث الأهمية. ومن ثم لماذا هذه الضجة، بل كل هذه الضجة على هذه الخطوة؟
طبعاً هذا “التبرير” لن يصدقه أحد أبداً، بل أن المتقدمين به لا يصدقونه ومع ذلك لنقرأ كيف قوبلت هذه الخطوة “اللطيفة” حول المبادلات الخفيفة الطفيفة من وزيرة “العدل” تسيبي ليفني، وكبيرة المفاوضين، إذ قالت “هذه خطوة مهمة بالتأكيد وأرحب بها” وأردفت: “الأمر الذي سيسمح للفلسطينيين، كما آمل، بدخول الغرفة وتقديم التنازلات اللازمة”. أما جون كيري وزير خارجية أوباما وعرّاب المبادرة الجديدة، فقد قال معقباً “سُررت على الدور البالغ الأهمية للجامعة العربية في تحقيق السلام في الشرق الأوسط لا سيما عبر التشديد مجدداً على مبادرة السلام العربية التي أطلقتها الرياض خلال قمة بيروت العربية في العام 2002”. (عفواً، أهكذا تصبح الجامعة العربية في عهدي عمرو موسى ونبيل العربي؟)
وبعد، فأين تقع تسويغات من سوّغوا لهذه الخطوة بأنها مجرد تبادلات طفيفة في الأراضي لا تستحق أي اهتمام ولا حتى التعليق القلق منها وعليها.
لو حاولنا وضع هذه الخطوة ضمن سياق سياسي في حراك الوضع العربي والفلسطيني العام لوجدناها ضمن سياق التحركات الأخيرة لإدارة أوباما عبر الزيارات الأخيرة المتكرّرة لوزير الخارجية جون كيري على الأرض الفلسطينية وبلقاءاته مع قادة العدو وقادة سلطة رام الله، كما لقاءاته الأخيرة مع عدد من وزراء الخارجية العرب.
أغلب التحليلات قالت أن إدارة أوباما جادّة الآن في تحريك عمليات التفاوض. وهنا تعدّدت الأسباب التي اعتُبرت وراء هذه الجدّية المستجدة والتي تكاد تكون المفاجئة. وقد دار أغلبها حول ربطها بالقضايا المتعلقة بسورية وإيران وتركيا أو ما يسمّى بإعادة ترتيب أوراق أميركا في المنطقة. وذلك باعتبار الوضع الفلسطيني يلعب دوراً هاماً ومن ثم تأتي عملية إطلاق مفاوضات لتسهل عملية ترتيب تلك الأوراق.
المشكل في كل التحليلات يكمن في اعتبار أميركا قد بلورت استراتيجيتها العالمية والإقليمية ودخلت ديبلوماسيتها في إجراءات أو خطوات تحقيق تلك الإستراتيجية المتماسكة والمخطط لها جيداً.
كانت أميركا في السابق لا سيما في مرحلة الحرب الباردة، كما في عهد إدارة بوش الأب تمتلك مثل تلك الاستراتيجية. ولكنها في عهدي إدارة بيل كلينتون بدأت تفقد ذلك التماسك. ثم استعادته، ولو بخلل في تحديد الأولويات الإستراتيجية الأميركية، في عهدي جورج دبليو بوش، وقد منيت بفشل ذريع حيث لم تنجح في إقامة الشرق الأوسط الجديد واندلعت في وجهها أزمة مالية عالمية وداخلية هزت أركان اقتصادها وخسرت حروبها في العراق ولبنان وقطاع غزة وأفغانستان.
لم تمتلك أميركا في العهد الأول لإدارة أوباما الذي ورث إخفاقات استراتيجية المحافظين الجدد، استراتيجية متماسكة ومن ثم اتسّمت ديبلوماسيتها بالارتباك والتردّد والعجز، وكان تفاقم الوضع الاقتصادي والمالي الداخلي يزيد الطين بِلّة. وهذا ما تسْهُل ملاحظته في السياسات الأميركية من مختلف القضايا تقريباً إن لم يكن كلها.
عندما جاءت إدارة أوباما الثانية بوزيري الخارجية والدفاع المختلفين عن سابقيهما كان المتوقع صوْغ استراتيجية عالمية جديدة ومن بعدها استراتيجيات إقليمية متماسكة بها، ومعها، وفي خدمتها. ولكن حتى الآن لم تظهر تلك الإستراتيجية بشكلها المتماسك والمصمم والواضح. ولهذا غلب على مواقفها وسياساتها الجزئية درجة من استمرار الارتباك والتردّد وأحياناً المفاجأة. ومن ثم يخطئ من يتعامل مع السياسات الأميركية في عهد جون كيري باعتبارها متماسكة ونابعة من استراتيجية عالمية وإقليمية أصبحت محدّدة الأولويات.
من هنا فالحراك الأميركي المفاجئ بإعادة التحرّك باتجاه إطلاق مفاوضات لا ينطلق من استراتيجية عالمية وإقليمية متماسكة، وإنما ينطلق من الخوف إلى حدّ الرعب من اندلاع انتفاضة في الضفة الغربية. لأن أميركا والكيان الصهيوني لا يحتملان مواجهتها لبضعة أشهر كما لم تستطيعا احتمال مواجهة حرب الثمانية أيام في قطاع غزة بل ستخرّب الانتفاضة على أميركا ما تعدّه لصوْغ استراتيجية جديدة وستفرض على الكيان الصهيوني خوض معركة سيخسر فيها حتماً.
وبكلمة، ما يحكم الحراك الأميركي فلسطينياً وعربياً الآن هو إجهاض إرهاصات الانتفاضة التي أخذت تنضج شروطها وفي ظروف موازين قوى ومناخات سياسية هي في مصلحتها وفي غير مصلحة أميركا والكيان الصهيوني. ومن ثم يمكن وضع خطوة لجنة المبادرة العربية المطلوبة أميركياًَ ضمن هذا الإطار.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 68 / 2165404

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المراقب العام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165404 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010