الاثنين 29 نيسان (أبريل) 2013

فصول العرب

الاثنين 29 نيسان (أبريل) 2013 par أيمن اللبدي

اشكالية التوصيف الدقيق لما اجتاح نصف الوطن العربي ووضع نصفه الثاني على مسار الانتظار إما للحاق بقطار هذه التغيرات وإما للانقياد بقاطرة ما تسفر عنه جملة، غدت واضحة بسبب تداخل الصور وتداخل العوامل من جهة ولأن النتاج النهائي لم يتحقق بعد حيث المخاض تحوّل إلى مخاضات، وحيث العوامل التي جرت يوماً طبيعية تحوّلت إلى مسوقة وإلى سياقات أخرى تماماً، بل أحيانا أصبحت تطارد وتلهث خلف عكس ما انطلقت لأجله من تغيير.

بكلام أوضح لا يمكن أن توصف هبة الجماهير العربية في الشارع التونسي فالمصري مباشرة فغيرها استتباعا أنها لم تكن في تصنيف الربيع الحقيقي، وان مطالبها الواضحة وحراكها السلمي المدني زحفاً من أجل تحقيق شعارها بالحرية والعدالة والمساواة في فرص التنمية واقتسام خيرات الأوطان والمواطنة بشكل عام ، و كذا انتزاع المسلوبات والمحتكرات من أيدي تحالف السلطة والفساد المالي وما يسمى رجال الأعمال «التجّار»، وهذا في كل بلد عربي دقيق وصحيح، إن لم تكن هذه الصورة هي الربيع في الفصول فما هو الربيع إذن؟

منذ اجتياح الجماهير العربية في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا والبحرين وغيرها وفي توقيت بدا متواليا الشوارع وحصول التغيير السريع في اثنتين منها بدأت قوى الشر الاستعماري المنكفئة للتو عن مرتبة ا«لميجاامبريالية» التي كانت قد اتخمت حد الغرور بهذا التوصيف إبان فترة صغير البوش، بدأت تشغيل مخططات كانت معدّة أصلا كسيناريوهات محتملة في المنطقة لاستبدال الصورة والنظام والتركيبة أيضا على أـساس إعادة إنتاج نوع جديد من «سايكس-بيكو » جديد تصوغه هذه القوى الشريرة التي نادت بتجزأة المجزأ وفوضاهم« المعيدة التركيب » وليس الخلاقة ولا البناءة التي درجت صحافة العرب على ترجمتها الرؤوفة الرحيمة بها.

إن الهجوم المعاكس الذي قامت به قوى الشر واستعجلت بفتح خططها لا يعني أنها لما تفاجأ بحجم وصولة الغضب الجماهيري العربي، في هذه الامبريالية تغيير الادارات في البيت الابيض لا يعني تغيراً في خطط استراتيجية جرى إعدادها في إدارات سابقة ووضعها تحت التصرف وموضع الاختيار عند الحاجة لها، وهذا ما فعلته ادارة أوباما الديموقراطية بالضبط في إخراج خطة الجمهوريين المسماة «تداعي الدومينو » وبدأت بتنفيذها هيلاري كلينتون على عجل، واحدة من جديد سياسات قوى الشرّ هي التوظيف لعامل الدين بدلا من عامل القومية في المنطقة لعدة أسباب، منها أن الكولونيالية فالامبريالية جرّبت قوى العلمانية والليبرالية العربية في الاربعينيات لشطب مسألة فلسطين فلم تصمد، صحيح أنها أدّت إلى تسليمهم نصفها لكن الانهاء لم يتحقق، وكذا جرّبت من خلال هامش القوى القومية والعلاقات معها لعمل ما يسمونه «كومبرامايس» في كامب ديفيد الاولى والنتيجة لم تتحقق، وهذه القوى منذ الاختراق الذي حققته في استمالة أو تحييد جماعة الاخوان المسلمين في حربها ضد العراق ولديها توصية جيمي كارتر القائلة بأنه يمكن فتح المجال لهم كبديل.

بالقطع ودون أي تردد للحظة واحدة فإن الرسملة لما يدعى الاسلام السلفي الجهادي العربي الموجه أصلا في كل بلد انفجر فيه ضد أنظمة حكمها أيا كانت طبيعتها ملكية أم جمهورية أم سوى ذلكم هو صناعة الغرب وأمريكا تحديدا، وهذا في الواقع تم مباشرة مع سنوات تجريب هذا النوع من الاسلام في أفغانستان والشيشان وحتى الصين ومناطق أخرى ضد الاتحاد السوفييتي ومنظومة الاشتراكية ونجح بامتياز، والنسخة العربية منه احتاجت تشكيل وبناء ما يسمى الجهاد العالمي «والقاعدة» ساهمت بعض الدول العربية في الصناعة باشراف الامريكان بطريقة أو بأخرى لانتاج اا أيلول أو سبتمبر لتوليد حجة الاتجاه الى منطقة الشرق الاوسط ومنها حجة صناعة القنبلة المضادة« الكاونتربارت» لفك طلاسم الاقتدار الايراني الذي لم تكسره حرب السنوات الثمانية في الخليج العربي ولم تمنعه أن ينتج امتدادا قوي خارج منطقة الخليج بما يحيطها ويصنع منطقة نفوذ قوية تكسر كل أنواع الخطط الاستراتيجية الراغبة بجعل الصهاينة هم الراعي الوكيل الوحيد في هذا الاقليم دون منازع.

إن توظيف القاعدة وتوظيف التفاهم الاخواني الامريكاني بكل امتداداته وعلائقه جنبا الى جانب ليس صدفة ولا هو دون مشغّل معتمد لهذه التركيبة التي أسند للعرب دور تمويلها بالوظيفة المحددة امريكيا وليس كما يشتهي بعضهم فلدويلة قطر الصغيرة المحتفظة بقدرة مالية عالية والطامع حاكمها لأن يلعب دورا أكبر بكثير من حجم الخليج كله ليس مصادفة ولا هو ضمن المخاض الطبيعي أن يطلب منه أداء كل هذه الأدوار الاعلامية واللوجستية والمادية حتى أصبح بشكل أو بآخر يحجب الكتلة الأساس في الخليج والكتلة الأعرق والأكثر مسؤولية وهي المملكة التي تعمدت قطر تصويرها وكأنها تابع لما تؤديه وهذا ينبيء عن مقدار الخلل الذي فرضته مخاضات التنفيذ اليوم، طبعا ثمة هدف نهائي هو جعل المسارات تتجه دوما لتوظيف حالة من التوتر والضغوط تجاه حروب إثنية ومذهبية وطائفية تجعل الكيان الصهيوني في راحة واستجمام واستمتاع بدور المشاهد لمعركة طحن مقدّرات الامة وشطب تنميتها وإعادتها للوراء وعندما ينتهي فصل الشتاء الأسود هذا ، تكون النتيجة دويلات مهزوزة تحكمها «تل أبيب» بمندوب أقل من رتبة سفير معتمد.

الصزورة القائمة اليوم لا تزال فصل شتاء أسود ، والانقلاب الذي عصف بالربيع وأزهاره وحالته وجوه العام كان سريعا جدا بما يؤكد أنه لم يكن طبيعيا وضمن مخاض تشكّل طبيعي، بل جرى فيه إحداث إزاحة لمعظم العوامل المحلية الذاتية التي صنعت الربيع العربي أصلا ، وإحضار تراكيب بعضها هبط «بالباراشوت » ومظلته لا زالت تقول متى وكيف فرضت نفسها على الصورة، وإذا كانت الصورة الفجة التي جرت في ليبيا واضحة ولا تحتاج المزيد من الشروحات لعسف الظلمة فيها، فإن الصورة لما يجري الآن في سوريا أكثر كوميديانية لانقلاباتها المتتالية، ووجود عامل التحدي بين منظومة تضم روسيا والصين وباقي دول البركس مضافا اليها ايران والعراق في مقابل منظومة الشر الدولية وما استخدمته من مساحات وعوامل جديدة وصلت حتى استخدام مؤسسات كان يجب أن تكون جزءا من إعادة الفرملة لهذا الانهيار الحاد كجامعة الدول العربية ومنظمة دول المؤتمر الاسلامي ، تجعل هذا الشتاء مريراً ولن تنهيه بضربة واحدة كما كان الامر في ليبيا مع امكانية موجودة لهزيمة نكراء لهذا المخطط أصلاً ، وعندها السوريالية والكوميدية والدراما ستصبح سيدة المشهد في خليط عجيب، فالدول المحترق قلبها على الديموقراطية شعاراً لوظيفتها في العملية ليست بمنأى عن مرحلة قادمة للمرور بهذا الفصل ذاته، إذ لا يجب أن يغيب عن بال أحد أن نهاية ما تريده هذه الخطط هو فرض خريف طويل الأمد على هذه المنطقة وليس صيفا يستمتع فيه بعض المتحمسين بليالي سمر فريدة.

على كل حال عندما يتعلّق التوصيف بالباعث والساعي الذي خطا خطوته الأولى فهي جماهير عربية محقة في مطالبها وهو فصلها الربيعي الذي لم يبق طويلا كذلك، وعندما يتعلق الأمر بتوصيف المخاض الذي لا زال قائما ومفتوحا على الاحتمالات كلّها فهو شتاء توصيفه بين الظلمة والبرودة والعسف بما خالط نقاء البداية بعوامل الخارج الخبيثة كلّها، وعندما يتعلق الأمر بما تريده قوى الشر فهو حتما خريف هذا الاقليم الدائم الساعي الى الحج إلى «تل أبيب» زحفاً، أما فصل صيف العرب فلا يمكن أن يتحقق دون أن ترعوي قوى معينة وضعت ميكيافليتها فوق المبدأية لتقامر بالجغرافيا مقابل أوهام وأضغاث أحلام فريق صغير البوش الذي ظهرت عيانا بيانا كذب كل نبوءاته وهلوساته، فلا التاريخ انتهى كما قال فوكوياما صديقه، ولا الولايات المتحدة أصبحت «الميجا امبريالية» ، ولا هي قادرة على تأمين انسحاباتها من مناطق الاشتعال منفردة والعراق شاهد وأفغانستان تكرار لذلك، ولا اقتصادها هو اليد العليا، ولا حتى حديقتها الخلفية مؤمنة، وانسحاباتها تجاه الهادي والأطلسي الذي تخشى أن يبدأ شتاؤها منه قريبا، فإذا ما ارعوت عليها أن تقتنع بضرورة تشبيك مصالحها فيما هو قاسم أعظم في الجغرافيا والدين وليس تشريك مستقبلها بألفام الفروقات اليسييرة في المذهب والطائفة والتاريخ.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2180754

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع مستشار التحرير   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2180754 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40