الجمعة 26 نيسان (أبريل) 2013

اليقين غير المقبول في الخطاب الإسلامي

الجمعة 26 نيسان (أبريل) 2013 par ماهر سقا

يتثاءب الخطاب الديني عموماً على فراش وثير من (اليقين) المبالغ فيه والبارد متجاهلاً الثورات العلمية، والتضاعف المعرفي، وتعقد العالم وتداخله مستنداً إلى الترسانة الفكرية نفسها التي أنجزت وطوقت وختمت في القرن الرابع الهجري .

ولا نقصد هنا التشكيك في اليقينيات (العقدية) مما لا يكون المسلم مسلماً إلا مع التسليم بها، وإنما نقصد ذلك الارتياح الكسول للخزانة الفقهية والوعظية التي تركها الأولون مع افتراض أنها تصلح لكل زمان ومكان وإنسان .

إن (التغيير) أو (التطوير) لا يبدأ إلا عند الإحساس بأن هناك إشكالاً ما في النظام المعرفي السائد، وبالتالي إذا أردنا للعقل الإسلامي أن يتطور ويطور فإنه لا بد من الشعور بعدم كفاية المنجز بل وخطئه في بعض الأحيان وإعادة الاعتبار (للعقل) المنضبط بثوابت الوحيين (القرآن والسنة) ليستحسن ويقبح ويعيد ترتيب الأولويات حسب الظروف المستجدة .

إن إحساس المخاطب بكسر الطاء) المسلم اليوم بأنه لا يملك إلا ذرة من علوم السابقين، وبأنه لا يحتاج إلا إلى العودة إلى التراث الفقهي أو العقدي أو الوعظي لايجاد حلول لأي مشكلة راهنة هو السبب في تقزيم الفكر الإسلامي وتهميشه بعيداً عن الإفادة من عطاءات الوحيين بالقراءات الراهنة المجددة المنضبطة وليس بما سمي بالقراءات المعاصرة والتي احتوت على محاولات أكثرها مقصود لتزوير الإسلام وأحكامه .

اليقين غير المقبول وغير المرغوب فيه هو اليقين إلى كفاية علم أصول الفقه كما أسسه الشافعي، رحمه الله، أو طوره الشاطبي، رحمه الله، في استنباط الأحكام بعيداً عن الفتوحات التي حققها العلم في آليات القراءة والتأويل والنظر إلى الأفكار من حيث تاريخيتها وسياقاتها المعرفية والاجتماعية التاريخية، اليقين غير المقبول هو اليقين إلى كفاية وعظيات ابن الجوزي، رحمه الله، أو إحياء علوم الدين كما كان في عصر الغزالي، رحمه الله، في وعظ الناس، اليقين غير المقبول هو اليقين إلى كفاية أسلوب الخطابة نفسه الذي ظهر في مرحلة انحدار الأمة وفكرها، فامتلأ بالسجع وصف الكلام على حساب المحتوى وطغى البيان فيه على البرهان حتى كأن المخاطب الإسلامي يستخدم دواء واحداً لجميع الأمراض والعلل التي تنخر في الفرد والجماعة، والمشكلة أنه دواء قديم في حين ظهر ألف دواء ودواء لعلاج ألف مرض ومرض .

اليقين غير المقبول هو اليقين إلى أن التاريخ الإسلامي كله عظيم ومشرق وأن الانكسارات فيه لم تكن إلا بفعل اليهود أو المؤامرات الخارجية بغض النظر عن الخلافات السياسية التي تحولت مع الأيام إلى اختلافات عقدية وفقهية ومذهبية، لأن الواقع اليوم هو ابن الأمس ولابد لمعالجة الواقع من فهم الماضي بعيداً عن (الطهرانية) المزيفة التي تريد أن تصف (السلف) كلهم بالملائكية وبأنهم جميعاً كانوا على خلق ودين وأن كل سفك الدماء عبر التاريخ الإسلامي من بعد وفاة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم إلى انتهاء ما يسمى بالخلافة العثمانية لم يكن سوى مجرد نتيجة سوء فهم وخطأ في الاجتهاد .

ومع أن الرسول عليه الصلاة والسلام أكد أنه على رأس كل مئة سنة يبعث في الأمة من يجدد أمر دينها، إلا أن أصحاب الخطاب الديني التقليدي احتالوا على المعنى وقالوا: إن التجديد يعني إعادته كما كان بعد أن تشوه أو انحرف مع أن كلمة (جدد) لا تصرف عن معناها المباشر لتصبح (أعاده إلى ما كان عليه قديماً) مع تجاهل كل المستجدات وتعقدها ومع تضاعف المعرفة وتداخل العالم وامتزاج الثقافات وظهور مشكلات تحتاج إلى إحياء جديد لعلوم الدين يتسق مع التقدم المعرفي والخطوات التي قطعها الفكر البشري خلال ما يزيد على ألف عام .

أخيراً فإن إنسان القرن الحادي والعشرين توصل إلى قناعة تكاد تكون مطلقة هي عدم تقسيم البشر والظواهر والأفكار والعلوم والمذاهب الفلسفية والأديان والمذاهب ضمن الدين الواحد إلى أبيض وأسود، ملائكي وشيطاني، كامل وناقص، مع قناعته يقيناً بوجود كل درجات الرمادي بينهما، وهذا أمر وحده إن بدأ المخاطبون المسلمون بتدريب أنفسهم عليه لحلت نصف المشكلة ولكن هل من مجيب؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165272

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165272 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 2


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010